محمد مهدي الجواهري
شممت تربــــــك لا زلفى ولا ملقــــــا *** وســـرت قصدك لاخبّاً ولامذقــــــا
وما وجــــدت إلى لقيــــاك منعطفــــا *** إلا إليـــك , ولا ألفيـــت مفترقــــــاً
كنت الطـــريق إلى هــاوٍ تنازعــــــــه *** نفس تسدّ عليه دونهـــاالطرقــــــا
وكــان قلبــي إلى رؤيـــاك باصرتـــي *** حتى اتهمت عليك العين والحدقـــا
شممت تربك أستاف الصبا مرحــــــا *** والشمل مؤتلفاً , والعقد مؤتلقـــــا
وســرت قصــدك لا كالمشتهي بلـــــدا *** لكن كمن يتشهّى وجه من عشقـــــا
قالـــوا دمشق وبغداد فقلت همــــــا *** فجر على الغد من أمسيهما انبثقـا
ما تعجبون ؟ أمن مهدين قد جمعـــــا *** أم توأميـــن على عهديهما اتفقا؟
أم صـــامدين يرُبّـــان المصير معــــــا *** حبّـــاً ويقتسمان الأمن والفرقــــــا
يهــدهــدان لســاناً واحــداً ودمـــــاً *** صنـــواً ومعتقــداً حراً ومنطلقـــــا
أقسمت بالأمة استوصى بها قــــــدر *** خيـــراً ولاءم منها الخَلــق والخُلقــا
من قال أن ليس مــن معنى للفظتهــا *** بلا دمشق وبغـــــداد فقد صدقــــا
فـلا راعى اللـه يومـــاً دسّ بينهمــــا *** وقيعــــــة ورعى يوميهمــا ووقـــا
يا جلـق الشــام والأعـــوام تجمـع لــي *** سبعاً وسبعين ما التأما ولا افترقـا
ما كــان لي منهما يومــان عشتهمـــا *** إلا وبالسؤر من كأسيهمــــا شرقــا
يعـــــاودان نفـــاراً كلـــما اصطحبــــا *** وينسيان هـــوى كانـــا قد اغتبقــا
ورحـــت أطفــو على موجيهــما قلقــاً *** أكاد أحســـد مرءاً فيهمــاغرقـــــا
ياللشـــباب يغـــار الحلـــم من شــــر *** بــه وتحســد فيــه الحنكــة النزقــا
وللبســـاطــة مـــا أغلــى كنائزهـــــا *** قـارون يرخص فيها التبر والورِقـــا
تلـــم كأسي ومن أهــوى وخاطرتـــي *** ومــا تجيش وبيت الشعر والورَقـــا
أيـــام نعكــف بالحسنى علــى ســـــمر *** نساقط اللغو فيه كيفمـــا اتفقــــــا
إذ مســكة الربوات الخضــر توسعنـــا *** بمـــا تفتـق من أنسامهـا عبقـــــــا
إذ تسقط الهامةُ الإصبــاح يرقصنـــــا *** وقاسيون علينـــا ينشر الشفقــــــــا
نرعى الأصيل لداجي الليل يسلمنــا *** ومن كوى خفرات نرقـــب الغسقـــا
ومــن كــوى خفــــرات تستجـــد رؤى *** نشوانـــة عن رؤى مملولة نسقـــــــا
آه علـــى الحلـــو في مــر نغصّ بـــــه *** تفطـــرا عسلاً في السم واصطفقــــــا
يــا جلـــق الشــام إنـا خلقـة عجــــب *** لــم يــدر ما سرها إلا الذي خلقــــا
إنــا لنخنـــق في الأضـــلاع غربتنـــــا *** وإن تنزّلــت على أحداقنــا حرقــــا
معــذبون وجنـــات النعيـــم بنـــــا *** وعاطشـون ونمري الجونة الغدقـــــا
وزاحفــــون بأجســــام نوابضهـــــــا *** تســـتام ذروة علييــــن مرتفقـــــــا
نغنــي الحيـــاة ونستغني كأن لنـــا *** رأد الضحى غلـــة والصبح والفلقــــا
يا جلق الشام كم من مطمـــح خلــس *** للمرء في غفلة من دهــره سرقــــــا
وآخـــر ســلّ مــن أنيــاب ذي لبــــد *** وآخــرٍ تحت أقـــدام لـــه سحقـــــــا
دامٍ صـــراع أخـــي شجــــوٍ وما خلقــا *** مـــن الهموم تعنّيه وما اختلقـــــا
يســـعى إلى مطمـــح حانت ولادتــــه *** في حين يحمل شــلواً مطمحاً شنقـــا
حـــران حيـــران أقوى في مصامـــدة *** علــى السكوت وخير منه إن نطقـــا
كـــذاك كل الذيــن استودعوا مثُـــلاً *** كذاك كل الذين استرهنوا غلقـــــا
كــــذاك كــان وما ينفــك ذو كلـــــف *** بمـــن تعبــد في الدنيا أو انعتقــــا
دمشـــق عشـــتك ريعانــاً وخافقـــــة *** ولمّة والعيـــون الســـود والأرقـــــــا
وهــــا أنــا ويـــدي جلـــــدٌ وسالفتي *** ثلــج ووجهــي عظم كاد أوعرقـــــا
وأنــت لـــم تبرحي في النفس عالقــة *** دمــي ولحمي والأنفاس والرمقـــــا
تمــوّجيــن ظلال الذكريــــات هـــوى *** وتسعديــن الأسى والهمّ والقلق
فخــــراً دمشـــق تقاسمــنا مـراهقـــة *** واليـــوم نقتسم الآلام والرهقــــــا
على المــدى والعــروق الطهر يرفدنـا *** نســـغ الحياة بديـلاً عن دم هرقـــا
دمشق صبراً على البلوى فكم صهرت *** سبائك الذهب الغالي فما احترقـــا
وعند أعوادك الخضراء بهجتها *** كالسنديانة مهما تساقطت ورقا