قصيدة الشرف الرفيع

قصيدة الشرف الرفيع

أبو العلاء المعري

أرى العنقاء تكبر أن تصادا
فعاند من تطيق له عنادا

وما نهنهت عن طلب ولكن
هي الأيام لا تعطي قيادا

فلا تلم السوابق والمطايا
إذا غرض من الأغراض حادا

لعلك أن تشن بها مغارا
فتنجح أو تجشمها طرادا

مقارعة أحجتها العوالي
مجنبة نواظرها الرقادا

نلوم على تبلدها قلوبا
تكابد من معيشتها جهادا

إذا ما النار لم تطعم ضراما
فأوشك أن تمر بها رمادا

فظن بسائر الإخوان شراً
ولا تأمن على سر فؤادا

فلو خبرتهم الجوزاء خبري
لما طلعت مخافة أن تكادا

تجنبت الأنام فلا أواخي
وزدت عن العدو فما أعادى

ولما أن تجهمني مرادي
جريت مع الزمان كما أرادا

وهونت الخطوب علي حتى
كأني صرت أمنحها الودادا

أأنكرها ومنبتها فؤادي
وكيف تنكر الأرض القتادا

فأي الناس أجعله صديقا
وأي الأرض أسلكه ارتيادا

ولو أن النجوم لدي مال
نفت كفّاي أكثرها انتقادا

كأني في لسان الدهر لفظ
تضمن منه أغراضا بعادا

يكررني ليفهمني رجال
كما كررت معنى مستعادا

ولو أني حبيت الخلد فردا
لما أحببت بالخلد انفرادا

فلا هطلت علي ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا

وكم من طالب أمدي سيلقى
دوين مكاني السبع الشدادا

يؤجج في شعاع الشمس نارا
ويقدح في تلهبها زنادا

ويطعن في علاي وإن شسعي
ليأنف أن يكون له نجاداً

ويظهر لي مودته مقالاً
ويبغضني ضميراً واعتقادا

فلا وأبيك ما أخشى انتقاصا
ولا وأبيك ما أرجو ازديادا

لي الشرف الذي يطأ الثريا
مع الفضل الذي بهر العبادا

وكم عين تؤمل أن تراني
وتفقد عند رؤيتي السوادا

ولو ملأ السهى عينيه مني
أبر على مدى زحل وزادا

أفل نوائب الأيام وحدي
إذا جمعت كتائبها احتشادا           أبو العلاء المعري (مفكر حر)؟

About أبو العلاء المعري

ولد المعري في معرة النعمان (في سوريا حالياً والتي استمد اسمه منها)، ينتمي لعائلة بني سليمان، والتي بدورها تنتمي لقبيلة تنوخ، جده الأعظم كان أول قاضياً في المدينة، وقد عرف بعض أعضاء عائلة بني سليمان بالشعر، فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري.[2]. بدأ يقرض في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان، ثم ذهب للدراسة في حلب وأنطاكية، وغيرها من المدن السورية، مزاولاً مهنة الشاعر والفيلسوف والمفكر الحر، قبل أن يعود إلى مسقط رأسه في معرة النعمان، حيث عاش بقية حياته، وآثر الزهد والنباتية، حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً، ودفن في منزله بمعرة النعمان. كما سافر المعري إلى وسط بغداد لفترة، حيث جمع عدداً كبيراً من التلاميذ الذكور والإناث للإستماع إلى محاضراته عن الشعر والنحو والعقلانية. وإحدى الموضوعات المتكررة في فلسفته كانت حقوق العقل (المنطق) ضد إدعاءات العادات والتقاليد والسلطة.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.