قصة الحب التي عشتها يوما في بلادي كانت كلها مطاردات ومسابقات ونصب كمائن وتزوير رسائل حب وتزوير في المشاعر والأحاسيس مثل تزوير الدولارات وجوازات السفر لذلك قصص الحب في بلادي ليست رومنسية بل على الأغلب بوليسية واليوم تلقيت رسالة حب الكترونية قد مضى على قصتها 15 سنة حيث أخذت الحكم الذي أستحقه لقد كنا نتبادل الرسائل الغرامية والمذكرات مثل تجار الممنوعات.
الآن عدت لتتذكري البائس بعد خمسةَ عشرَ سنةٍ,وتريدين مني بأن اصدق كذبتك الأخيرة بأنك سافرت بجواز سفرٍ مزور وعيونك تذرفُ الدمع على أطلالي الباهتة علما أنني رأيتكِ يومها وأنت تلوحين بيدك وكان منظرك يشبه منظر البطلة في رواية (الحب في زمن الكوليرا)وتريدين مني أن أعود لألتقي بك كما كنا نلتقي سابقا مثل تجار المخدرات , إنني أعتذر منك على هذا الأسلوب فلقد شفيتُ نفسي طوال تلك الغيبة من آلام اللقاءات السرية وتخليت عن تجارة الحب التي تشبه فعلا تجارة المخدرات في بلادنا , فكل العشاق في بلادنا مثل تجار المخدرات في أوروبا ولا أحد يلتقي بحبيبته سرا تحت تغطية إعلامية وأصدقاء ينتشرون على يمين الطريق وعلى يساره للمراقبة وللتأكد من أن الطريق سليمة وخالية من الكمائن إلا تجار المخدرات في شيكاغو والمكسيك كانت كل لقاءاتنا مثل لقاءات رجال العصابات وتجار المخدرات ,كنتُ قبل 15 خمسة عشر عاماً في أول لقاء بيننا أقفُ على ناصية الطريق وكنتِ أنت تمرين من جنبي فأرمي لك قصاصة ورق مكتوب عليها في أي مكان سنلتقي وكنتِ أنت تمسكين الورقة من على الأرض بحجة أنك وقعت أثناء المشي ومن ثم تفتحينها لتقرئي ما بها من كلمات ومن عناوين عن موقع اللقاء المرتقب بين الشبل وبين اللبؤة وكنت أيضا تبادلينني نفس الطريقة فتكتبين على ورقة صغيرة (موعدنا في مطعم ……) وترمين بالورقة على الأرض وكنتُ أنا أتبعك وأنا أمشي خلفك مثل رجال البوليس السريين والغامضين وكنت أرتدي معطفا طويلا وطاقية مثل طاقية الإخفاء وكم نصحتك أن تشتري مثل تلك الطاقية التي تستطيعين أن تختفي بها عن رجال البوليس والقبيلة وعن رجال الحارة المتعطشين والمتجوعين لقضم شفتيك كما يقضمون حبة تفاح لبنانية.
ما زلت أذكر لقاءنا الأول حين كنتُ أحمل معي تحت إبطي دفتر أشعاري وخواطري وأواريه عن الناس مرة تحت أبطي ومرة في مكان سري في غرفة نومي وكنت وأنا أحمل دفتر مذكراتي أشعرُ وأنا أمشي في الطريق بأنني أحمل معي حقيبة فيها ممنوعات ومحضورات لذلك كانت دائما وما زالت تسيطر على وجهي علامات الشعور بالخوف وبالرُعبْ ,وحين كنت أجلس في المطعم وأنا أنتظر ظهورك أمامي مثل ظهور رجال المخابرات والجواسيس يومها ظهرت أمامي على طاولة منفردة تجلسين وحدك وأنا أجلس خلف تلك الطاولة واقتربتُ منك ,ومن ثم التفتُّ يمينا وشمالا وحين تأكذتُ بأنه لا يراني أحد وضعت لك دفتر مذكراتي على الطاولة أمامك وأنت بنفس الطريقة نظرت يميناً وشمالاً وحين تأكذت بأنه لم يرك أحد أأخرجت من حقيبتك الزرقاء دفتر مذكراتك ووضعته على الطاولة وتبادلنا المذكرات مثل تجار المخدرات الذين يضعون البضاعة في حقيبة (سونسونايت) سوداء والدولارات في شنطة أخرى نسخة طبق الأصل عن الأخرى ويومها تبادلنا شنط المخدرات مثل سيناريو فيلم مصري قديم بالأبيض وبالأسود حيث تخيلت نفسي مثل الفنان شُكري سرحان وأنت مثل الفنان توفيق الذقن وأنا أقول لكِ: معاكِ البضاعة؟ وأنت تقولين : معاك الفلوس؟ وأردت يومها الهروب بسرعة قبل أن تأتي سيارة الشرطة في فيلم مصري قديم (إحنا عارفينكوا ومراقبينكوا من زمان ) وتخيلت نفسي يومها أننا نخدع بعضنا البعض فلا أنا أحمل الفلوس ولا أنت تحملين المخدرات, وفعلا لم أستطع أسرك أو الاحتفاظ بك لأن حبك كان مزورا مثل الدولارات المزورة التي اكتشفتُ وجودها المُزيف في حقيبتك التي خدعتني بها , فلقد أظهرت الأيام بأنكِ تخليت عني بسبب سيارة وشقة ورحلة شهر عسل دامت 8 ثمانية أيام في فندق فاخر في دمشق الساحرة, وبعد مضى عامٍ كاملٍ فحصتُ رسائلك فاكتشفتُ أنها كانت مزورة وقلت يومها (خدعتني بحبها أو بكذبها) حيث أظهر سلوكك بأنك لا تحبين ولا تعشقين وكنت تبتزينني وتبيعينني بضاعة مزورة فيها كلمات مزورة عن الحب والحلم السعيد واليوم الموعود الذي سنلتقي به في غرفة واحدة لنشرب القهوة من فنجان واحد ويومها قلت لك سأعلمك كيف أصنع الخمرة من رحيق لسانك, ويا للأسف كانت بضاعتي أصلية وكانت بضاعتك مزورة .
وأذكرُ في يوم من الأيام أنني أخرجتُ من مكتبتي كل حقائبك المزورة وأردت النظر في دفتر مذكراتك فوجدتك قد زورت عن قصد أو غير قصد ما كنا قد اتفقنا عليه وكان منظري مثل تجار الدولارات المزورة حيث عدت لأتبعك في مطاردة حقيقية حتى أسترد منك دفتر مذكراتي, فعلا كان أول لقاء مثل آخر لقاء بيننا حين تبادلنا في باص النقل وفي السرفيس الهدايا الأخيرة وكانت هديتك عبارة عن ولاعة سجائر وكانت هديتي عبارة عن قصيدة (رائية) وكان الطقس يوم إذن ملائم للقائنا حيث كانت الثلوج ترتفع في الطرق واللصوص محتجزون في منازلهم ورجال البوليس نائمون ورجال القبيلة يجلسون على المدفئة إلا أنا وأنت نمشي تحت الثلج وتحت الريح وتحت المطر وتحت قصف الرعود ويومها ضحكت جدا لأنه لم يكن وراءنا أحد إلا سيارة البلدية التي كانت تقحف الثلج من وسط الطريق وكان ذلك اللقاء الوحيد بيننا الذي تم بدون تغطية إعلامية وبدون إعداد مسبق يتم التخطيط له شهرا كاملاً أو شهرين, والآن بعد كل هذا العذاب تريدين لقائي سرا وأن تمسكي بيدي سرا وأن تتشبثي بمشاعري بعد أن ارتحت وتطورت عن تلك الأساليب وتريدين مني أن أعود إنسانا معذبا وتريدين مني أن أمتص شفتيك بعد أن أصبحتِ جيفة قد امتصَ شفتيك الساحر العظيم الذي سحرك بأسبوع عسل في دمشق و بسيارته الطويلة وببدلته الزرقاء وبرصيده الذي في البنك الذي جمعه هو وأبوه من تعب الغلابة والمساكين وتريدين مني اليوم أن أقود من أجلك حرب التحرير الوطنية من جديد من أجل تحرير المغتصبة ,وتريدين مني أن أعود لأعلق اليافطات على الشوارع والطرق مكتوبٌ عليها (حبيبتي) ليتم القبض عليّ مرة أخرى بتهمة الترويج للكوكائين ؟.
وفي اليوم الذي تركتن به كان بالنسبة لي مثل صدور الحكم بالإعدام عليك بسبب اكتشافهم للحب الكبير وكأنهم اكتشفوا معك حقيبة مخدرات كبيرة فاغتصبك القاضي في الليلة التي تم فيها إراقة دمك على سرير مطاطي تماما مثل(ليلة القبض على فاطمة) وكان دمي يومها يسيلُ من أنفي حين ضربتُ رأسي في باب الدار انتقاما من نفسي لنفسي, كانت ليلة مؤلمة سالت فيها دمائي ودمائك غير أنك كنت تضحكين لمنظر دمائك وأنت عالية المزاج وأنا كنتُ أتألم لمنظر دمائي وكنت يومها مصابٌ جدا وبحاجة لأن أتلقى أفضل العلاجات السرية في مستشفى سري وكنتُ أخفي مشاعري وكنتُ أعذب نفسي أكثر من خمسة عشر عاما والآن تريدين مني أن أعود إلى تجارة الهروين والمورفين والحشيشة؟حيث لم تأخذي درساً بعد ولم يعلمك سجن الزوج درساً عن المتهمين بالحب وتريدين مني أن أحمل رسائلي إليك كما يحمل تجار المخدرات بضاعتهم وتريدين أن تبادلينني بالحقائب مثل رجال العصابات السريين لأعود من جديد لأضرب رأسي في الباب وفي جدار المنزل وتريدين أن أتبعك وأن أمشي خلفك مثل ضباط المخابرات حين يلاحقون جاسوسا مزدوجاً وخطيرا وتريدين مني أن أستأجر دورية مثل دورية الشرطة لكي أعرف أين هو المطعم الذين تريدين به خداعي مرة ثانية برسائل حب مزورة وخواطر مزورة, منذ تلك اللحظة تُبت ولم أعد للحب في بلاد يكون الزواج فيها مثل شراء ورقة اليانصيب لم أعد أعشق في بلاد يكون الحبُ فيها مثل اللعب بالقمار أو شراء الأوراق الخاسرة ولم أعد أفرح في بلاد يكون فيها الفرح مثل شراء قنبلة يدوية ولم أعد أشعر بالثقافة في بلاد يرقصُ فيها المثقف على برميل من البارود ولم أعد أطلبُ رزقا من بلادٍ يعبدون فيها رباً عنصريا جدا ولم أعد أرتقب في بلادي نسمةَ حبٍ مثل رائحة الأسلحة الكيماوية ولم يعد لي في هذا الوطن العربي شربة ماء في بلادٍ أو في بيت يكون فيه طعم الماء مثل طعم السينانيد ولم يعد متسع من الوقت لأعاني ولم يعد قلبي يحتمل حرب العصابات ولم يعد جسمي قادرٌ على السهر, أنا رجل أكل الدهرُ عليه وشرب فأغربي عن وجهي في هذا المساء لأنني تخليت عن حمل حقائب المخدرات وجوازات السفر المزورة.