قراءة بين سطور الربيع السوري

طلال عبدالله الخوري

يعيب بعض (المفكرون) اليساريون على ثورات الربيع العربي  أنها مجرد احتجاجات, أو ينعتونها بأنها ثورات الجياع, او إنتفاضات من اجل الخبز, لانه حسب مفهومهم للثورات يجب ان يكون لها منظريها وفلاسفتها, كما حدث في الثورة الفرنسية أو البلشفية, اما الثورات العربية,حسب رأيهم, فليس لها اي  منظرين أوفلاسفة يتبنوها ويقودوها فكرياً, لذلك فحسب رأيهم لا تعد هذه الثورات عن كونها احتجاجات, او ثورات من اجل الخبز وخلافه من هذه الإدعاءات التي تقلل من شأن الثورات العربية.

بالواقع, لا يختلف المتدينون اليساريون العرب عن نظرائهم من المتدينين العاديين بشئ, لان كل المتدينين هم بالواقع متشابهون بأيمانهم الاعمى والمتعصب بأفكار وأيديولجيات خرافية لا تمت للعلم والواقع بصلة. وكل ادبياتهم هي عبارة عن افكار وهمية عن مجتمعات مثالية لا وجود لها بالواقع, ويعيشون في تناقض ما بين افكارهم واعمالهم.

على مدى عقود, قام أساطين رجال الدين اليساري , بإمطارنا باطنان من الكتب عن أدبياتهم بالنضال والتحرر من الاستعمار والاستبداد والاحتكار, وبعد ان نهضت شعوبنا بمصر وسوريا وتونس وليبيا واليمن وغيرها من البلدان المسماة بالبلدان العربية,مطالبة بالحرية والكرامة,تراجع اليساريون وانكفؤا كأي متدين اخر, لا بل اخذوا يكيلون النقد السلبي لهذه الثورات, وينعتوها بالمؤامرات الامبريالية الصهيونية, او الخليجية النفطية, وذلك لسبب وحيد وهو أن الذين قاموا بهذه الثورات لا ينتمون الى طائفتهم الدينية اليسارية, ولا يؤمنون بمعتقداتهم, والأكثر من هذا فقد كانوا يتعاطفون مع الجانب الأخر للثورات العربية,  أي مع المستبدين العرب, إما لأن هذا المستبد هو اقرب لهم عقائديا من الثوار, أو نكاية بعدوهم اللدود والذي تعاطف مع الثورات وهو الغرب وأميركا.

يجادل اليساريون ويقولون بأننا نريد التغيير إلى الأفضل لا إلى الأسوأ, حيث يعتبرون بأن الطغاة العرب مثل الأسد ومبارك هم افضل من الإسلاميين , ولكن هذا غير صحيح على الإطلاق لان الأسد على سبيل المثال كان ينافس الاحزاب الاسلامية على الاسلام,  ولذلك بالغ ببناء المساجد وبتشجيع أسلمة الشارع السوري, وهذا ايضا ينطبق على بقية الطغاة العرب , حيث كانوا يغدقون بسخاء على رجال الدين الاسلامي وحتى المسيحي من اجل تسهيل قيادة الشعب كالقطيع.
ونحن نجادل بأن الاسلاميين سيكونون افضل من الطغاة الذين سبقوهم في الحكم وسيكونون اكثر ليبرالية وعلمانية من هؤلاء الطغاة العرب, فكما هو معروف لن تحتاج هذه الأحزاب الاسلامية للمنافسة على الاسلام, لذلك سيتحررون من عقدة المنافسة على الاسلام, وسيكونون اكثر علمانية وليبرالية, لكي يزيحوا عن انفسهم كليشة الرجعية والانغلاق , فمن المعروف, على سبيل المثال, بأن الحزب العمالي اليساري ببريطانيا يقود سياسية يمينية متطرفة لكي يكسب الناخبين اليمينيين الى صفه, وكذلك الامر بالنسبة للحزب الجمهوري الاميركي الذي يقود سياسة أكثر يسارية من الحزب الديمقراطي اليساري وذلك لجلب الناخب اليساري.

وبرأينا طالما ان شعوبنا اختارت الاسلاميين بانتخابات ديمقراطية حرة, فهذه هي بالفعل خيارات شعوبنا, وهذه هي حقيقة شعوبنا, فهل نقوم بتصميم شعوب على مقاساتهم وحسب مزاجهم؟ أو هل نستورد لهم شعوب ربما من المريخ؟

ونحن على يقين بان الشعوب التي ازاحت مبارك والقذافي وصالح وسيزيحون لزقة الاسد بسوريا هم قادرون على ازاحة الاسلاميين اذا خيبوا املهم, وهذه هي روعة الديمقراطية, هو ان يختار الشعب قادته السياسيين بإرادتهم, وأن يسقطوهم اذا لم يفوا بوعودهم الانتخابية , ومن حسن الحظ باننا نعيش بعصر التكنولوجيا والانترنت وكل شيئ اصبح شفافا وبيناً وعصر التابوهات والكذب والخداع قد ولى.

والى الان اثبت الاسلاميون بمصر وتونس بانهم افضل من الطغاة الذين سبقوهم بمئات المرات ونحن لا نقول بانهم جيدون ولكن حتما افضل من الذين سبقوهم.

انطلقت شرارة الربيع العربي بشكل عام والثورة السورية بشكل خاص, بناءاً على فلسفة عميقة ومباشرة, كنا قد نظرنا لها منذ بداية الثورة المصرية, بعدة مقالات كتبناهنا حينذاك عن الثورة المصرية وموجدة بموقعنا,و تنقسم هذه الفلسفة الى قسمين جدليين ومترابطين ببعضهما البعض:

اولا كسر حاجز الخوف:
بعد ان عاش الشعب السوري لمئات السنين ذليلاُ خانعا خائفاُ تحت حكم طاغية من هنا او هناك,  فيحكمه هذا المستبد أو ذاك عن طريق تخويف الشعب والتجويع والاستعباد والقهر, فلقد كسر حاجز الخوف هذا الشعب مرة والى الابد, ولن تخاف شعوبنا بعد الآن, ويعود الفضل في ذلك الى تواصل الشعوب مع بعضها البعض عبر التكنولوجيا الحديثة, ومساندة الشعوب لبعضها البعض, وبهذه الطريقة تم فتح البلاد للثقافة العالمية, وبذلك أيضاً تم كسر الجدران العازلة, والتي كان يسجن الطغاة شعوبهم خلفها ويتركونهم بعزلة عن بقية شعوب العالم.

ثانياُ:
العالم اصبح بفضل التكنولوجيا كقرية صغيرة يتواصل ويتفاعل الناس مع بعضهم البعض, ونحن جزء من هذا العالم , ونريد ان نكون مثل بقية العالم ونعيش كما يعيش بقية العالم بأجواء من الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان, ونساهم بالحضارة العالمية مثل بقية الناس, فعهد العبودية قد ولى والى غير رجعة.

وفي الختام نرى بأن ثورات الربيع العربي ومنها الثورة السورية المباركة تقوم على فلسفة عميقة ومباشرة وهي كسر حاجز الخوف والعيش كنظرائنا بالعالم والمساهمة ببناء الحضارة العالمية, وهذه الفلسفة افضل واعمق من فلسفة الثورة البلشفية الاستبدادية  وهي اكثر عالمية من فلسفة الثورة الفرنسية.

About طلال عبدالله الخوري

كاتب سوري مهتم بالحقوق المدنية للاقليات جعل من العلمانية, وحقوق الانسان, وتبني الاقتصاد التنافسي الحر هدف له يريد تحقيقه بوطنه سوريا. مهتم أيضابالاقتصاد والسياسة والتاريخ. دكتوراة :الرياضيات والالغوريثمات للتعرف على المعلومات بالصور الطبية ماستر : بالبرمجيات وقواعد المعطيات باكلريوس : هندسة الكترونية
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to قراءة بين سطور الربيع السوري

  1. س . السندي says:

    ماقل ودل … بين الواقع والمنطق والعقل ؟

    ١: شعوبنا لازال في دور الفطيم ، فهو من جهة لازالت تحن إلى النهد ومن جهة أخرى لابد أن تعتاد إلى ألأكل قبل بدء الرجيم ؟

    ٢ : القوى الشبابية التي أطاحت بالطغات سواء سوعدت من الخارج أم لا ، فالحقيقة الساطعة تقول أنهم قد كسرو حاجز الخوف ، وهى قادرة كما بالأمس لو ساءت ألأمور أن تقول لا وألف لا لكل القوي حتى ولو كانت إسلامية وإرهابية بدليل مايحدث اليوم في تونس وليبيا ومصر ، فما بالكم في العراق وسوريا ؟

    ٣ : والحقيقة الساطعة ألأخري هي أن قوات العم سام وناتو هى جاهزة ليس فقط لتأديب القوى ألإسلامية المتشددة بل حتى إلى إبادتها حتى من الجزيرة العربية لو شاءت الشعوب ، سلام ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.