عبدالله حبه – موسكو
ربما لم يحظ أي فيلم روسي بإهتمام الجمهور ووسائل الاعلام في هذه الايام مثلما حظي به فيلم” لوياثان”، الذي حاز على جائزة مهرجان كان و” جولدن جلوب ” والعديد من الجوائز الاخرى في المهرجانات السينمائية الدولية ورُشح لنيل الاوسكار. وفي اغلب الظن إن سبب هذه الضجة المثارة حول الفيلم ترتبط بما احدثه في خارج روسيا من ردود افعال متناقضة بين مؤيد ومعارض. علما ان منتجيه وجدوا ان من المناسب عدم عرضه في داخل البلاد خلال عام كامل. وسبب ذلك هو ماتضمنه الحوار في الفيلم من كلمات نابية وسباب قد تعرضهم الى الملاحقة في المحاكم، لأن القانون الروسي يحظر ترويج مثل هذه الالفاظ في وسائل الاعلام والسينما والمسرح. ويضاف إلى ذلك، فقد آثر المنتجون تأخير عرض الفيلم بغية اثارة ضجة أكبر حوله مما يثير اهتمام الجمهور به ويجلب لهم المزيد من الارباح. وفي نهاية المطاف، وبعد مضي عام فقط وفي 4 فبراير بدأ عرض الفيلم في بعض دور السينما في موسكو وغيرها من المدن بعد ان حذفت منه او شذبت الالفاظ النابية. علما ان الرقابة السينمائية غير موجودة في روسيا، ولكن السلطات يمكن ان تستخدم القانون المذكور ضد المنتجين. ومن المعروف ان وزارة الثقافة الروسية تولت دعم انتاج الفيلم ماليا.
ولا ريب في ان المحذوفات قد تغير الصورة الواقعية للاحداث وابطال الفيلم. تدور قصة الفيلم حول الصراع التقليدي بين الخير والشر متمثلا في قصة النبي ايوب الواردة في العهد القديم بنقلها الى الوقت الراهن. وتتحدث القصة عن رجل يعيش في مدينة صغيرة في شمال روسيا على ساحل بحر بارنتس، وعن صراعه مع عمدة المدينة الفاسد الذي يريد سلب بيته وورشة عمله من اجل بناء مجمع تجاري وكنيسة هناك. ويظهر الفيلم حالة اليأس التي تسيطر على البطل وعائلته. ومما يزيد الطين بلة ان زوجته تخونه مع صديقه المحامي الذي استدعاه من موسكو لمساعدته في الصراع مع العمدة.
لقد احتجت مصادر الكنيسة على عرض الفيلم، لأنه يصور رجال الكهنوت بهيئة المتعاونين مع السلطة الفاسدة. كما اعتبر بعض المسؤولين ان الفيلم يخدم الاغراض السياسية لجهات ما في الخارج لأنه يشوه الواقع الروسي ويعرض الجوانب القاتمة من حياة المجتمع. اما رئيس بلدية القرية التي تم تصوير الفيلم فيها، فقال ان ابناء البلدة هم مواطنون طيبون، بينما يصورهم الفيلم كمجرد سكارى وعربيدين يمارسون شرب الفودكا بلا توقف كبطل الفيلم نقولاي وكذلك العمدة ومعاونوه ومدير الشرطة والسمكري والمحامي.
يعتبر مخرج الفيلم اندريه زفياغيتسيف من فناني الموجة الجديدة في السينما الروسية. وقد برز في المهرجانات الدولية بعد اخراجه فيلم ” العودة” في عام 2003، و” النفي” في عام 2007. واعتبره النقاد إن هذا الفنان سيواصل نهج المخرج الكبير اندريه تاركوفسكي احد اعلام السينما السوفيتية؛ أي انه مثل تاركوفسكي والكسندر ساكوروف، وينظر الى السينما كفن وليس كصناعة وتجارة لكسب الربح. وقال زفياغينتسيف أن لا علاقة لفيلمه بالحرب الباردة التي يشنها الغرب ضد روسيا، وانه اراد ان يصور فقط حالة انسانية ، وإن البطل يعتبر حقا ” بطلا من زماننا”.
والطريف ان وسائل الاعلام المعارضة تبدي استغرابها لطرح الفيلم لنيل الاوسكار وليس فيلم نيكيتا ميخالكوف” ضربة شمس”. وحسب وسائل الإعلام، فإنن الفيلم يعتبر من السينما الموالية لبوتين، ولهذا دعمته وزارة الثقافة.
ان اثارة مثل هذه الضجة حول الفيلم تدل على قيمته سواء السينمائية الفنية أوالتجارية على حد سواء. ويشهد تاريخ السينما حالات اثيرت فيها الضجة حول افلام مثل ” الحياة الحلوة ” لفيديركو فيلليني و” اندريه روبليوف ” لتاركوفسكي وفيلم ” سعادتي” لسيرغي لوزنيتسا ” والتوبة ” لتنجيز ابولادزه . علماً أن هذه الافلام قد صنفت الآن في الارشيف السينمائي باعتبارها من أروع الافلام.
21/02/2015