فوكس: لماذا ينسحب بوتين من سوريا الآن؟

 ساسة بوست173646_Putin (1)

نشر موقع فوکس تقریرًا يحلل فيه أسباب وتداعيات الانسحاب المفاجئ للقوات الروسية من سوريا. كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن بشكل مفاجئ البدء على الفور في سحب القوات الروسية الرئيسية من سوريا، بعد ما يقرب من ستة أشهر على التدخل الروسي لأول مرة في الحرب.

يقول الكاتب إن هناك سببًا حقيقيًّا يدعو للاعتقاد بأن بوتين صادق في قراره وأن انسحابه يمكن أن يكون خطوة إيجابية نحو إنهاء النزاع السوري الذي أصبح أسوأ حرب في القرن الحادي والعشرين. ولكن ينبغي علينا أن ننتظر ونرى إلى أي مدى سيلتزم بوتين بكلمته.

فقد أرسلت روسيا قوات كبيرة إلى شرق أوكرانيا، رغم إنكارها ذلك، وتدخلت في سوريا وقصفت بكثافة من دعاهم الكاتب بالمتمردين غير المتطرفين رغم زعمها استهداف المتطرفين فقط. لذلك هناك ما يدعو إلى الشك.

يشير التقرير إلى أنه حتى لو لم ينسحب بوتين، سيظل أمرًا مفاجئًا التوصل إلى اتفاق سلام هذا العام حتى ولو على الورق، وستكون صدمة كبيرة إذا انتهت الحرب في سوريا بالفعل قبل عام 2020. ولكن إذا انسحب بوتين من سوريا – التي يقول إنه سيبدأ يوم الثلاثاء – فإن العالم سوف يكون أقرب قليلًا نحو تحقيق هذا الهدف.

ما الذي أراد بوتين تحقيقه في سوريا؟

هناك توجه غريب في واشنطن للتعامل مع روسيا باعتبارها قوة عظمى تسعى نحو الهيمنة على العالم، ولكن في موسكو، ثمة إدراك بأن القوة الروسية أكثر محدودية من ذلك بكثير، وغالبًا ما تهدف إلى الحفاظ على ما تبقى من النفوذ الروسي العالمي.

يقول الكاتب إن الهدف من التدخل الروسي في سوريا كان منع سقوط بشار الأسد وتقوية موقف روسيا في محادثات السلام، التي جرى استئنافها يوم الاثنين الماضي بالتزامن مع إعلان الانسحاب الروسي.

تمتلك روسيا قواعد عسكرية في بلد واحد فقط خارج الاتحاد السوفياتي السابق، وهذا البلد هو سوريا. حتى عندما بدا أن الرئيس السوري بشار الأسد على وشك السقوط، كانت موسكو تحاول يائسة دعمه ليصمد.

تمكنت روسيا من المساعدة في تحويل دفة الأمور في الحرب. فقد نجح التدخل الروسي، جنبًا إلى جنب مع التدخل الإيراني الأكبر، في مساعدة الأسد على استعادة أراضٍ تكفي لبناء دولة قابلة للبقاء على قيد الحياة. كما تدخلت أميركا لدعم من تسميهم بالمعتدلين، فتصاعدت حدة التوتر بين القوتين العظميين.

إلا أنه من الجدير بالذكر أن الحرب في سوريا ومنذ البداية، تأرجحت بين تقدم من أطلق عليهم الكاتب اسم المتمردين تارة وتقدم الأسد تارة أخرى. مما أوصل الحرب في سوريا إلى طريق مسدود. وهو ما يعني أن القتال سيستمر لسنوات، وعلى حساب الجميع، ما لم يكن هناك سلام عن طريق صفقة.

يقول الكاتب إنه على الرغم من التدخل الروسي، الذي بدا مختلفًا بشكل كبير، وانخراط دول أخرى، مثل المملكة العربية السعودية وتركيا التي تدعم من أسماهم الكاتب بالمتمردين منذ سنوات، بل وحتى أمريكا، لم يؤد هذا إلى علاج المشكلة الأساسية في الحرب في سوريا.

يشير التقرير إلى أنه قبل التدخل الروسي، ظهرت مؤشرات قوية على أن روسيا تفقد نفوذها على الحكومة السورية، التي كانت تهيمن عليها قبل تزايد النفوذ الإيراني في دمشق. وهو ما يقودنا إلى الهدف الثاني من تدخل روسيا في سوريا، وهو تغيير قواعد اللعبة في الحرب لدعم موقف روسيا على طاولة المفاوضات، وبالتالي ضمان أن موسكو لديها فرصة للضغط من أجل ضمان مصالحها في أي اتفاق سلام نهائي. ولا يستطيع أن ينكر الآن أي أحد في دمشق أو جنيف أن روسيا لاعب كبير في الحرب السورية.

في الواقع، تشير بعض التقارير إلى أن الأسد دعا روسيا إلى التدخل لمواجهة النفوذ الإيراني. لذا فبينما تبدو كل من روسيا وإيران متحالفتين ظاهريًا، إلا أنهما في واقع الأمر تتنافسان على النفوذ الإقليمي.

لا بد من إشراك روسيا في محادثات السلام. وقد بات لديها بالفعل مقعد على الطاولة، والذي يمكن استخدامه لضمان احتفاظها بقواعدها العسكرية في سوريا والعلاقات رفيعة المستوى مع الجيش السوري.

لماذا تنسحب روسيا الآن إذن؟

شهدت سوريا وقف إطلاق نار مؤخرًا، وبينما كانت هناك تأكيدات بحدوث انتهاكات، ووقف إطلاق النار هش للغاية ويمكن أن ينهار في أي لحظة، إلا أنه حدث انخفاض كبير في أعمال العنف. وقد بدأت للتو محادثات السلام مرة أخرى، والتي تبدو ولأول مرة قابلة للاستمرار، أو على الأقل ليس محكومًا عليها بالفشل المؤكد.

يقول الكاتب إن وقف إطلاق النار قد أنقذ العديد من الأرواح، وسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي كان من الصعب الوصول إليها من قبل، ما جعل مفاوضات السلام تبدو أكثر واقعية.

وهذا هو الوقت المناسب بالنسبة لموسكو للتراجع خطوة إلى الوراء. فقد حققت روسيا بالفعل أهدافها المباشرة، لذلك فلا حاجة للانخراط في القتال أكثر من ذلك. حيث يمثل الوضع الراهن مصدرًا للتفاؤل لبوتين بما يدفعه إلى قبوله واستخدامه كأساس للمفاوضات.

أظهرت روسيا مرارًا وتكرارًا أن لديها تأثيرًا محدودًا جدًّا على نظام بشار الأسد، الذي أثبت تهوره، والذي غالبًا ما صاعد من حدة القتال حتى في اللحظات عندما لم يكن ذلك حكيمًا من الناحية الإستراتيجية. وبالتالي يتعين على بوتين بذل المزيد من الجهد لإجبار الأسد على قبول السلام. إذا أرادت موسكو تجميد الوضع الراهن في سوريا، فعليها أن تقنع الأسد بالتفاوض بحسن نية وليس خرق وقف إطلاق النار فورًا.

يشير التقرير إلى أنه في سبيل سعي روسيا لإجبار الأسد على قبول حل التفاوض، تقضي إستراتيجية بوتين بسحب جزء معتبر من قواته العسكرية في سوريا، ما سيجعل الأسد في موقف أضعف، وبالتالي يجعل التفاوض أكثر جاذبية.

كما أن الحفاظ على ما يكفي من القوة الروسية في سوريا يهدف إلى ردع القوى المعادية للأسد (المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة) من التصعيد، عن طريق التهديد ضمنًا بأن روسيا ستعيد التدخل وقت الحاجة. وهذا في الواقع هو ما يقوم به بوتين.

إذا كان هذا التحليل صحيحًا، فإن هذا يشير إلى أن روسيا مستعدة للتفاوض بشكل جدي، وأن موسكو تعتقد أن بشار الأسد قد يكون مستعدًا لفعل الشيء نفسه. هذا لا يعني أن السلام بات قاب قوسين أو أدنى، وأن الأطراف يمكنها التوصل لتوافق، أو أن بوتين أو الأسد على وشك أن يصبحوا شركاء في السلام، ولكنها علامة جيدة.

تكاليف المغامرة الروسية في سوريا تخطت فوائدها

ربما تكون روسيا قد أعلنت تحقيق أهدافها في سوريا، ولكنه نصر باهت، وقد تخللته نكسات حقيقية. فقد فشل الأسد في تحقيق هدفيه المعلنين وهما دفع الجيش السوري إلى الانتصار في الحرب، وبناء تحالف دولي بهدف القضاء على المتطرفين.

يقول الكاتب إن من شأن هذا التحالف العالمي الذي دعا بوتين إلى تشكيله في العام الماضي ليس فقط ضمان مصالح روسيا في سوريا، ولكن إنهاء عزلة روسيا في الغرب، ولكن لا تزال روسيا معزولة عن الغرب الذي لم يستجب لطلبها الضمني بعقد صفقة، فقد عرضت روسيا أن تساعد في سوريا مقابل التغاضي عن جرائمها في أوكرانيا.

لذا سيمثل الانسحاب من سوريا الآن إعلانًا للهزيمة بقدر ما هو إعلان للنصر. فلم يكن ما تحقق في سوريا نوع الانتصار السياسي الداخلي الذي كان يأمل به بوتين.

عام 2014، وحين كان الاقتصاد الروسي يعاني من انكماش خانق، أقدم بوتين على التدخل في أوكرانيا، ما زاد من شعبيته بشدة داخل روسيا، ومكن نظامه من الصمود في وجه الأزمة. لكن التدخل في سوريا لم يحظ بالقبول الشعبي في البداية، إلا أنه تحسن لاحقًا.

لكن نشوة الانتصار الروسي في أوكرانيا سوف تتلاشى حتمًا، وحتى إذا أراد بوتين أن يشعر بالأمان في حكمه، فسيحتاج إلى تحقيق نصر سياسي كبير آخر، ولن يكون ذلك في سوريا.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.