الجميع ينظر الى مؤتمر جنيف الأخير و يصفه عبر مقالات صحفية و تقارير اخبارية بأنه فشل جديد في اللعبة السياسية السورية .. مقالات مطوّلة و نقاشات حادة و تبادل اتهامات عن طريق رمي مسؤولية الفشل بين هذا القطب و ذاك..
الا أنّه و من وجهة نظري الشخصية هو المؤتمر الوحيد المتعلق بحل الأزمة السورية الذي حقق نجاحاً مبهراً على المستوى السياسي ، فبعد ان ذاب ثلج جنيف و بان مرج الحقائق بأنصع خضرتها لا يمكننا الا وصف مؤتمر جنيف الأخير بالمؤتمر الناجح من جهة تبيان الحقائق كما هي..
فالحقيقة الاولى المثبتة أصلاً و التي تعامى عنها المجتمع الدولي هي حقيقة ان هذا النظام غير قابل لأي دخول في أي نوع من العمل السياسي ، و التفاوض من وجهة نظره هو اعتراف بثورة شعبية لم يوفّر لحظة باتهامها بأفظع الاوصاف ..
اما الحقيقة الثانية و التي كان المجتمع الدولي يزيح وجهه عند ذكرها هي حقيقة أسباب تواجد القوات الروسية على الارض السورية ، فمؤتمر جنيف أثبت للعالم ان روسيا هناك لتحقيق كل شيء ما عدا قتال داعش ، و أن روسيا تسعى بكل قواها لاسترداد ما فقدته في أوكرانيا عن طريق ممارسة الابتزاز السياسي و الاستثمار في وجودية نظام الاسد..
اما الحقيقة الثالثة التي اثبتها مؤتمر جنيف و التي كان الجميع يخجل او يخاف من الحديث عنها فهي حقيقة ان الولايات المتحدة سحبت عن قناعة او عن عدم قدرة كل قوة تأثيرها في المشهد الشرق أوسطي ، و تركت الساحة لإقحام الروس في المستنقع السوري و اجهاد كل القوى المتقاتلة و ابتزازها تماشياً بالتوازي مع الرؤية الإسرائيلية من الحرب السورية ..
اما الحقيقة الرابعة و التي تغاضى عن ذكرها مؤيدي الثورة السورية هي الحقيقة التي أوضحها مؤتمر جنيف بكل صراحة و هي الحقيقة القائلة بأن من يصفون أنفسهم بأصدقاء الشعب السوري يؤيدون خروج الاسد و لكن بالتوازي مع فشل فكرة نجاح الثورة السورية..
و الحقيقة الخامسة التي أثبتتها جدران فنادق جنيف و مباحثاتها ان المعارضة السورية بشكلها الجديد أصبحت ورقة صعبة ليست قابلة للعبث فيها ، لا لقوتها او اصرارها على الوصول الى حقوق الشعب السوري بل لإدراكها ميوعة الموقف الدولي تجاه إيجاد اي حل ، مما أعطاها الجرأة و للمرة الاولى بقول كلمة لا لمن لم يستطع تقديم اي شيء..
و الحقيقة السادسة و الأهم ان مجلس الامن و قراراته أصبحت مجرد حبر قيمته من قيمة الورق الذي كتبت عليه، فلا فصل سابع و لا سادس و لا تهديد و لا قلق و لا تنويه و لا شجب و لا بيانات صحفية استطاعت خرق المعضلة السورية لتعنّت اصحاب القرار في أروقتها ..
أمّا الحقيقة السابعة فهي ادراك الشعب السوري ان المؤتمرات و الاجتماعات و المحاولات الجانبية ليست الا لتمرير الوقت و الرهان على عامل الزمن الكفيل بتغليب طرف على طرف آخر و الضغط حينها لفرض حل سياسي على مبدأ ” هاد الموجود “..
أمّا الحقيقة الثامنة فهي الصرخة التي نادى بها الشعب السوري منذ بداية ثورته حين قال :
يا الله مالنا غيرك يا الله ..
فمنذ متى اصبح إظهار الحقائق فشلاً ، و الاستمرار في حفلات التكاذب نجاحاً !!!