أنا استغرب جدا من أعداء العلمانية الذين يرفضون العلمانية والحرية والديمقراطية على اعتبار أنها مذهب وثني ومذهب من مذاهب الكفار والملحدين, ولا يعلم أعداء العلمانية أن فضل العلمانية مثلا على الإسلام أكثر بكثير من فضل المسلمين على الإسلام, فبفضل العلمانية والحرية والديمقراطية تُمول دول الخليج النفطية الحملات التبشيرية بالدين الإسلامي وبفضل العلمانية تبني دوال الخليج البترودولارية مئات المساجد وترفع مئات المآذن في أوروبا.
يعني مثلا لو كانت أمريكيا دولة دينية محضة خالصة ومخلصة لدين واحد ولم تكن دولة علمانية فلن يُسمح فيها بإقامة أي صلاة مختلفة عن صلاتها ولن تسمح هي أيضا ببناء معابد دينية تختلف عن معابدها الرسمية, ولكن كونها دولة علمانية تسمح للمسلمين ببناء مئات المساجد وتسمح للمسيحيين ببناء مئات الكنائس وكل هذا بفضل العلمانية والحرية والديمقراطية.
أيام زماااااااان قبل أن تنتشر مذاهب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعلمانية وجميع مؤسسات اليمين المعتدلة, كانت تقام الحروب وتشتعل النيران من أجل غزو دولة مسيحية لبناء مسجد فيها, والعكس أيضا كان يتم, أما اليوم بفضل أحزاب اليمين ومؤسسات اليمين المعتدلة لم يعد هنالك أي حاجة للحرب من أجل بناء مسجد, بكل سهولة تستطيع أن تتقدم بطلب إلى الحكومة الفرنسية من أجل شراء أرض وبناء مسجد عليها وهذا يتم خلال يوم واحد تكون فيه المعاملة قد تمت ومن ثاني يوم تستطيع المباشرة ببناء المسجد المقترح على المخطط المعماري.
اليوم لا تحتاج فرنسا إلى حملة صليبية لبناء كنيسة في الهند أو الصين ولا تحتاج المملكة المتحدة لحملة صليبية من أجل بناء كنيسة في أي بقعة من بقاع العالم, اليوم تضمن لك العلمانية أن تُبشّرَ بدينك وبمذهبك مهما كان نوعه في الدول التي تحترم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, بفضل العلمانية غير المنحازة لأي دين تستطيع نشر مذهبك وثقافتك , اليوم نشر ثقافة حقوق الإنسان عملت على محو ثقافة الظلم والاستبداد, أليوم الحرية والديمقراطية تضمن لك أن تمارس ديانتك بكل حرية شريطة أن لا تُجبر الآخرين على إتباعك عن طريق استعمال أساليب العنف والتعذيب النفسي والجسدي معهم , وليس من اللائق أن تذهب إلى بلد حر علماني ديمقراطي وتنشر هنالك أفكارك وبنفس الوقت تمنع هذا البلد من إرسال مبشرين من عنده إلى بلدك لنشر أفكارهم ومذاهبهم, نحن في زمن اختلفت فيه معايير كل شيء وأصبح للأخلاق معايير جديدة وأصبح للدين وللثقافة تعريفات جديدة وأصبح فيه الدين بمثابة وجهات نظر مختلفة ومتباينة وصار تعريف الدين بأنه طريقة حياة وكل إنسان حر باختياره للطريقة التي يريد أن يحيا بها مع غيره أو مع من يشاء, لم تعد الناس تموت من أجل التعصب لدين أو لمذهب إلا في الدول العربية المتخلفة دينيا واجتماعيا وفكريا, ففي الدول العلمانية ليس مهما ما تعبده أو تدين به كديانة رسمية لك, المهم أن لا تؤذي أحدا وأن لا يتضرر أي شخص بسبب ما تؤمن به من أفكار, هنالك قاعدة عامة علمانية تقول: درء المفاسد أولى من جل المصالح.وبفضل العلمانية اليوم تنتشر معظم الديانات في العالم وتعبر من قارة إلى قارة ومن بلد إلى بلد, وبفضل العلمانية تنتشر بكل حرية جميع المذاهب والأديان حتى غير السماوية منها