نحن أبناء الطائفة الحاكمة الممسكة بالسلطة والمال الآن، علينا نكون صرحين ونعترف أمام أنفسنا والتاريخ، دون خوف أو رهبة أو وجل، ونقارن بجرأة بعيدا عن اتهامنا بالارتداد، أو الإملاء بين عهد حكم الظالم، وعهد حكم المظلوم، نحن اضطررنا إلى المقارنة التي ستستفز البعض، وربما الأكثر لأنهم يرونها مقارنة ظالمة مجحفة، لكنها في الحقيقة مقارنة واقعية..
كما أسلفنا، علينا التحلي بالشجاعة، ونقيم أداءنا نحن أبناء هذه الطائفة التي حكمت البلاد على مدى اكثر من اربعة عشر عام، والتي كان يحركها مشاعر الحقد والانتقام من تاريخ موغل في القدم، ومن إتباع هذا التاريخ حتى أدى ذلك إلى شروخ وجروح غائرة في نفوس أبناء الشعب الواحد، من الصعب التئامها دون إجراء هذه المصارحة بيننا، نحن أبناء هذه الطائفة…
علينا الاعتراف إننا فشلنا فشلا ذريعا في إدارة وتنمية البلاد لأننا كنا طلاب سلطة وانتقام، وتركنا غريزة الحقد والكراهية هي التي تتحكم بنا، وبأسلوب إدارتنا للدولة، حتى أدى ذلك إلى تراجع شعورنا وانتمائنا الوطني…! ومظلوميتنا المدعاة كانت حائلا وحاجزا نفسيا منعنا من التواصل مع أبناء وطننا الذين شاركونا العيش على هذه الأرض منذ آلاف السنين.
التاسع من نيسان عام 2003 كان تاريخا فارقا، ومازال لنا نحن أبناء هذه الطائفة الحاكمة، فقد قدم لنا الأمريكان الدولة العراقية على طبق من ذهب، وقالوا لنا تعالوا امسكوا بها بعد أن أزالوا كل تاريخ ومخلفات وما شيدته الدولة العراقية السابقة، فتسارعنا إلى هذا الطبق كالنمل الذي يتصارع على بقعة من العسل…! ولأننا ظُلمنا كما ندعي على مدى الف واربعمائة عام فنحن أولى من الآخرين ببقعة العسل هذه، دون إدراك منا إننا لن نهنأ بها أبدا، وسندفع يوما ثمن تدافعنا عليها…
ولأننا أكثرية حسب مقاسات الطائفة، وليس بقياسات الوطن، والأشد ممن وقع عليه الظلم – كما ندعي – فنحن الأحق بإدارة الدولة، وحكم البلاد، ولأن الحقد يحركنا والكراهية تدفعنا إلى التمسك بالسلطة، والتدافع عليها بحجة (الديمقراطية)، كانت لنا أول سُنة سيئة في وضع أسس الدولة الجديدة، وهي المحاصصة.
ليست هذه أول جريمة نقترفها بحق الوطن فحسب، بل هناك جريمة أخرى اشد وأقسى عندما دفعتنا غريزة الانتقام إلى اجتثاث الملايين من أبناء الوطن من إدارة مؤسسات الدولة، وقطع أعناقها (اقصد أرزاقها) بحجة أنهم من أتباع الظالم، ونسى المظلوم انه بذلك قد وضع قدمه على أول درجة من سُلم الظالم…
وتوالت جرائمنا بحق الوطن، وبدأنا نفكك الدولة بحجة التوازن، حتى وصلت قيادة مؤسساتها إلى الرعاة تقودها وتديرها.. فأصبح التزوير، والفساد، وتبديد ثروات البلاد، وسرقة المال العام، وتدمير مؤسسات الدولة التعليمية، والخدمية، والإنتاجية، عناوين صارخة لهذه الإدارة الفاشلة، تدفعنا إليها غريزة الانتقام من الظالم، وإذا بنا ننتقم من أنفسنا ومن الوطن…
الظالم مهما نعتناه فهو ظالم، إلا أننا كنا نقرأ في صحف ذاك الزمان، ونتذكر ما حققه، وما أنجزه، وما شيده ذاك الظالم في ميزانية هي الربع من ميزانية حكم المظلوم، هذا يعني إن الظالم ذاك لم يكُ فاسدا قط، لكننا على يقين تام إن المظلوم أصبح فاسدا، ومنتقما، وكارها لوطنه، لانه ليس حريصا على بنائه وتشييده…
نذكر في عهد ذاك الظالم كانت سجونه مليئة بالمظلومين، إلا أن شوارعه كانت زاهية، سالمة، سعيدة، نظيفة.. أما عهد المظلوم، فسجونه مليئة بالمظلومين أيضا، لكن شوارعه حزينة، مظلمة، يسكنها الموت…
نذكر في عهد ذاك الظالم، كيف كانت نساؤنا جميلة وحبيباتنا سعيدة، نلتقيها وقتما نريد ونشاء.. أما في عهد المظلوم، نساؤنا بائسة الوجوه، تعيسة، يغطيها السواد من قمة رأسها إلى أخمص قدميها…
نذكر في عهد ذاك الظالم مهرجاناته، واحتفالاته الكثيرة، ليست تلك التي كانت تمجد باسمه بل تلك التي كانت بغداد تزهو بها في خريف وشتاء وربيع من كل عام.. أما في عهد المظلوم، فلن نجد غير احتفالات الحزن واللطم والبكاء، وسفك الدماء على واقعة لا تعنينا، لكن المظلوم أرادها أن تكون احتفاله اليومي.. يفرضه علينا…
الظالم كان يخشى أعداء الخارج، فشيد لنا وطنا قويا مهابا لن يستطع احد اختراقه.. أما المظلوم ترتعـد فرائصه من أعداء الداخل، فراح يبحث عن حماة له من الخارج، حتى أصبحنا وطنا مستباحا لا هيبة ولا سيادة له… المقارنة تطول.. لكننا هنا، هل ظلمنا الظالم.. أم ظلمنا المظلوم…!؟..
ولأن الظالم رحل إلى غير رجعة، ولن يعنينا أمره، وكي لا يستمر المظلوم في بكائه الكاذب، وتدمير البلاد، علينا أن نقف نحن أبناء الطائفة الحاكمة، ونعترف أننا فشلنا، وإن المظلوم لم يكُن أهلا للحكم، بل لفساد الحكم.. والبحث عن أسوياء لا تحركهم عقد الكراهية، والحقد والانتقام في حكم البلاد، هذا إن أردنا لوطننا النهوض من كبوته