غياب الرجال وثقل العتمة الطويلة

Salwa Zakzak
إنها العاشرة ليلا بتوقيت دمشق..ثلاثة عشرة امرأة في الحافلة ورجل وحيد..
تقبض النسوة بأحكام على محافظهن وأكياسهن..سيدة تسبّح بسبحة طويلة ولامعة.وأخرى تتفقد جوالها.اثنتان استسلمتا للنوم..
يغادر الرجل الوحيد الحافلة..يقول السائق محاولا إضفاء روح النكتة متسائلا هل نلحق سيارة العروس أم ننتظر..وكأنه يقصد بأننا مدعوات لحفلة عرس نسوية الحضور…
لا نتجاوب معه.سيدة تحصي نقودها الحجرية وأخرى تتصل بأبي محمد معلمها بالعمل وتخبره بأنها قبضت اليوم عشرين ألف ليرة سلفة طلبية وتعلمه بمكانها…


نتوقف على الحاجز. يترجل السائق محاولا مدارة طول الانتظار بسيجارة..تقول جارتي لقد غادرنا آخر الرجال..بدت وكأنها تذيع خطبة ملحمية..لانبكي ولا نخاف شيئا..لكن عيوننا تتوه ونغرق في حضور الغياب الساطع…
يمر باص النقل الداخلي الكبير..نحصي عدد الرجال كرد فعل غريزي..نعلن الرقم عشرة رجال مقابل اكثر من خمس وعشرين سيدة..ويبدو واضحا أن غالبيتنا كانت تقوم بذاك الإحصاء النوعي و الحصري.
لارجال في حافلات المدينة ..ولا قصص تدور عن العمل والموت والقسوة والأحمال الثقيلة وعن النسب والأحفاد …
هل نداري الغياب بقسوة منطق الحرب ؟ أم يملؤنا الأسف الذي بات مغرقا في طغيانه ؟
لا رجال في حافلات المدينة والسائق يطمئن على سلامة وصول كل منا..وكأنه أبونا جميعا..وكأنه ابننا أو أخينا .
فجأة يعالج الغياب بالاهتمام..اهتمام لحظي .لكنه غامر
ومفرح له وقع مهدئ وإن كان بالفعل مجرد ربتة على كتف يحتاج السند والمشاركة.
لارجال في حافلات المدينة وإن توقف المقاتلون عن القتال سيتلوّن الحضور بالنقص الحاد والساطع للأطراف .بالنظرات الغائرة والضائعة..وبغياب الرغبة في قص الحكايا وفي مساندة الأكتاف…
قصص الحرب لايرويها الرجال..ترويها النساء في الحافلات وفي البيوت والشوارع..تتلوها بحزن بالغ عندما يتلمسن جليا غياب الرجال حتى في الحافلات العائدة ليلا نحو الوحدة العميقة وثقل العتمة الطويلة.

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.