بسبب خطّين أحمرين أميركي/روسي، يمنع أولهما النظام السوري من هزيمة المعارضة، وثانيهما المعارضة من هزيمة النظام، سيطر نمطٌ من الصراع، يقوم على التوازن بين طرفيه السوريين، ليحولَ دون فرض حلّ عسكري، أو سياسي، لصالح أحدهما، لأن حلاً كهذا يحبط حظوظ التوافق المحلي: السوري/السوري، والدولي: الأميركي/الروسي.
وفاتنا أن التوازن يعني التحكم بالصراع السوري/السوري، عبر الدعم الإقليمي والدولي، والذي يمنع أياً منهما من تحقيق تفوق حاسم وغير قابل للكسر، ويسمح بإمداد الطرف الأضعف بدعمٍ، يمكنه من استعادة الوضع الذي كان قائماً قبل نجاح الأقوى في تحقيق إنجازاتٍ، قد تقوض التوازن مع خصمه، مثلما حدث، بالفعل، عقب كل هجمة ناجحة، شنها النظام ضد الجيش السوري الحر، وأدى إلى استمرار المعارك طوال ثلاثة أعوام ونصف العام، بسبب هذا التوازن بالذات.
غير أنه ظهر في مؤتمر جنيف أن روسيا ترفض الحل السياسي الدولي، وتؤيد موقف النظام من حل عسكري، هو الحل السياسي الذي يريد فرضه خارج أي توافق داخلي أو دولي، عبر كسر التوازن القائم على الأرض، كما تبيّنُ وقائع الشهرين الماضيين التاليين للمؤتمر. لم تترك هذه الواقعة لأميركا أي خيار غير الانسحاب من الصراع، أو عقد تسوية مع روسيا تحفظ مصالحها، بعيداً عن الطرفين السوريين، أو تبني موقف يكسر التوازن الميداني، ويقطع مع سياسة إعادة إنتاجه، والتي لا تعني شيئاً غير استمرار القتل والتدمير، وهلاك سورية دولةً ومجتمعاً، والمساعدة على تحقيق هدفٍ، قد يكون مطلوباً لاستعادة سيطرة النظام على بلادٍ صارت مقبرة، وشعب فقد وحدته، وطرد بالقوة من بلاده، لن ينال حق العودة إليها في حال انتصر الأسد.
يقال، والعهدة على الراوي، إن أميركا قررت تسليح المعارضة، لاستعادة التوازن المفقود. إذا صحّ هذا، فمعناه أنها تفكر اليوم، أيضاً، بعقلية ما قبل جنيف، حين كان هناك توافق مع الروس على حلّ سياسي، بمشاركة الطرفين السوريين المتصارعين، وأنها تتمسك بسياسة استمرار الصراع، وبقائه مفتوحاً وغير قابل للحسم، وأن السوريين لن يخرجوا بمعونتها من مأزق عابر للسياسة، يتمثل في تدمير وطنهم وتمزيق شعبهم. في حال خرجوا من وضع سياسي/عسكري خطير يواجهونه منذ شهرين، لا يعني خروجهم منه أنهم نجحوا في الخروج من مأزقهم، الذي يقوض وطنهم، ويمزق شعبهم، ويشتته في بلدان كثيرة وداخل سورية، مع أن احتمال إنجاز انتصار عسكري حاسم، يحققونه في المدى المنظور، يبقى ضرباً من الاستحالة، بشهادة جميع الوقائع والأدلة المتوفرة.
لا يجوز أن تكون إعادة التوازن مطلبنا. إننا نطالب بالقطع مع فكرة التوازن، وبموقف دولي يضمن غلبتنا، سبيلنا إلى وقف انهيار وطننا، وموت شعبنا، وهزيمة النظام، ومن قد يفكر من الإرهابيين بأخذ السلطة بعد إسقاطه. بغير ذلك، سيبقى تفوق النظام مضموناً، ولن يكون العون القادم إلينا غير نقلة أخرى في صراعٍ، لم يتقرر حسمه بعد، سنبقى حطبه ووقوده إلى زمن قادم، يعلم الله وحده كم سيطول!