عندما يكون عدوك ثعلبا لا تسمح له أن يجبرك على أن تتبنّى مكره

كتب الصحفي الأمريكي
Matt Bai
البارحة مقالة نشرها على صفحة ياهو للأخبار. تخيل من خلالها السيناريو الآتي:
لنفرض أنك اشتريت بطاقة لمشاهدة فيلم، وعندما وصلت إلى دار السينما وجدت أن إحدى الصالات فيها تعرض فيلما سبق لك ورأيته مرتين ولم يعجبك أبدا، بينما صالة أخرى تعرض فيلما آخر لم تشاهده بعد، ولكن كل الذين شاهدوه قالوا عنه بأنه اسوأ فيلم في تاريخ السينما. رحتَ تتساءل: أنا لم أرَ هذا الفيلم الثاني، ولكن هناك احتمال مهما كان ضئيلا أنه عكس ماقال عنه كل الذين شاهدوه، علما بأن كل الذين شاهدوه لم ينجحوا يوما في تقييم أي شيء!! سيبقى السؤال: أي فيلم سترى؟؟؟ يتابع الصحفي قوله: الجواب على هذا السؤال هو الذي ساعد السيد ترامب ليكون الرئيس رقم 45 لأمريكا!
…………….
هذا السيناريو يعكس إلى حد بعيد “العقلية الأمريكية” الأمريكي ميال دائما إلى تجريب غير المجرب، يختار دائما الجديد ولا يخاف منه! أستطيع أن ألمس التغيير يوما في حياتي الأمريكية من أتفه الأمور إلى أكبرها..
تدخل مقهاك المفضل فتفاجئك السيدة البائعة بقولها: هل لك أن تجرب نوعا جديدا من القهوة؟ ولم أسمع يوما أمريكيا يقول لا… تزور مطعمك المفضل فترى أنهم أعادوا فرشه وديكوره في أقل من اسبوع علما بأنه كان في افضل حلة يوم زرته مؤخرا.. صديقة لي استغربت لماذا قرر أخوها أن يترك ولاية كالفورنيا التي ولد وتربى فيها ويهاجر إلى ولاية أخرى في السبعين من عمره، ولما سألته: كيف سترحل إلى ولاية ليس لك بها أصدقاء، أجابها: بل لي فيها اصدقاء كثيرون، لكن لم أتشرف بمعرفتهم بعد! عموما تلك هي العقلية الأمريكية تنشد دوما الجديد وتتوقع أنه أفضل من المألوف!
……
الشعب الأمريكي وبعد فترتي رئاسة بوش وأوباما أُصيب بحالة إحباط رهيبة… فقد الثقة بالتركيبة السياسية الثابتة، والتي تُعتبر السيدة كلنتون أحد أحجار الأساس فيها، الأمر الذي قاده إلى انتخاب السيد ترامب.. إذ أن لديه أملا مهما كان ضئيلا بأن الفيلم الذي لم يشاهده بعد أفضل من الفيلم الذي شاهده مرتين ولم يعجبه!
قد يبدو ترامب غير مؤهل لحكم أمريكا من قبل مناؤويه إلى حد اتهمه بعضهم بالغباء، متجاهلين أنه واحد من أنجح رجال الأعمال في التاريخ الأمريكي! ليس هذا وحسب، بل لم يراعوا أنه لم يمارس السياسة في حياته ولا يتقن فن المراوغة الذي تتقنه السيدة كلنتون بعد ٤٠ عاما من العمل السياسي.. صحيح أنه لا يتقن فن الحديث في السياسة ويبدو ضحلا جدا، ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر الامبراطورية الاقتصادية التي خلقها ترامب من العدم، ولا أحد يستطيع أن ينكر تفوقه في مجال الإدارة والانتاج، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاقتصاد هو عادة من أولويات الشعب الأمريكي وخصوصا الشريحة الوسطى التي تعيش الحلم الأمريكي!
……..
كان فظا؟؟؟ نعم، والسبب أنه لا يتقن المراوغة السياسية ـ
Political Correctness
ـ التي تتقنها السيدة كلنتون بامتياز، كي يغلف خطابه بالسكر أملا في أن يحلّي مزاج المسلمين ويرضي النفاق الليبرالي في أمريكا! وهو كأي رجل أعمال ناجح في العالم حديّ كجدول الجمع والطرح! السؤال الذي أود أن أطرحه من باب الجدل: هل فعلا السيدة كلنتون أكثر احتراما وقبولا للمسلمين من ترامب؟ والجواب: طبعا لا!
وسياستها كوزيرة خارجية لمدة أربع سنوات تدعم تلك الـ “لا”! لكن العرب تعلموا النفاق ويقبلون أيضا من ينافق عليهم.. تعلموا أن يقبّلوا الأيدي التي ترضي غرورهم فترفعهم حتى ولو على خازوق، ولا أعتقد أن سياسيا في العالم قد خوزقهم أكثر مما فعلت السيدة كلينتون!
….
تعتبر الهجرة غير القانونية وغير المنظمة من أكبر المخاطر التي تهدد المجتمع الأمريكي أمنيا واقتصاديا!
أعداء ترامب يتبجحون بانسانيتهم المزيفة ويتظاهرون بأنهم يتعاطفون مع المهاجرين الجدد، ويبقى السؤال:
هل أساء السيد ترامب عندما أشار (وبفظاظة لم يسبق لها مثيل) بعيدا عن الدبلوماسيات المحلاة بالسكر، أنه سيضع حدا لتلك الخطورة وسيبني جدارا بين أمريكا والمكسيك؟؟ هل هناك دولة في العالم تسمح بهذا الدفق البشري غير القانوني وغير المنظم عبر حدودها، أم أن أمريكا معنية وحدها بالأمر؟؟! الهجرة القانونية إلى أمريكا لم تتوقف منذ اليوم الأول التي اُنشأت فيه كدولة وكقانون وكدستور. لم يطالب أي رئيس في تاريخ أمريكا بما فيهم ترامب بمنعها وإيقافها، ولكن عندما وعد السيد ترامب، بصرامة لم يسبق لها مثيل وبعيدا عن كل الدبلوماسيات المفبركة والمنافقة، بأنه سيضع حدا للهجرة غير القانونية، ارتفع زعيق المطبلين لانسانية فارغة هم أبعد مايكونون عنها! لقد تساءل ترامب بصريح العبارة: هل أحد فيكم يسمح لأحد بأن يدخل بيته قبل أن يتأكد من هويته وغايته؟؟ وما فوز ترامب بولاية فلوريدا التي تشكل الجالية الكوبية القسم الأكبر من نسيجها البشري إلا صفعة في وجه هؤلاء المنافقين! مازال أكبر تدفق غير قانوني للمهاجرين يأتي من كوبا عبر البحر، إلى جانب الدفق عبر الحدود المكسيكية، ومع هذا ارتفعت الجالية الكوبية في فلوريدا بمستوى وعيها لتعي خطورة هذا الدفق غير الشرعي فوقفت إلى جانب السيد ترامب!
….
ثم يأتي موقف السيد ترامب من المسلمين والإسلام، كل ما قاله: لن نسمح للمسلمين بالدخول حتى نتأكد من حسن نواياهم وهوياتهم، وأضاف: وسنسألهم لماذا يكرهوننا؟؟؟ أين الخلل في ذلك؟؟ موقف عنصري؟؟؟؟
عندما يزعق مفتي السعودية من داخل الحرم الملكي “اللهم دمر اليهود والنصارى”، هذا ينطوي تحت لواء “حرية المعتقد والتعبير”!!!! والإسلام ـ لعمري ـ أكثر الأديان ايمانا بحق الانسان باختيار دينه والتعبير عن رأيه!!!!!!! هل هناك نفاق أكبر وأخبث من هكذا نفاق؟؟؟؟
دخل موظف مسلم في الثاني من ديسمبر الماضي على زملائه في العمل ـ في مقاطعة سان برناردينو في ولاية كالفورنيا ـ وراح يغربلهم بالرصاص وهو يصيح “الله أكبر…الله أكبر” هو مولود في أمريكا من أبوين مسلمين، تماما كـ هوما عابدين التي تشكل الذراع الأيمن للسيدة كلنتون، والتي تدرو الشبهات حول علاقتهما وحول خلفية السيدة عابدين. لقد غربل زملائه بالرصاص بعد أقل من سنة من قيامهم بحفلة كبيرة له احتفالا بقدوم طفله الأول أغدقوا عليه خلالها حبهم وهداياهم.. مع هذا يُعتبر ترامب عنصريا لمجرد أنه قال: يجب أن نتأكد من هويتهم ونواياهم قبل أن نسمح لهم بدخول بلادنا… وجاء ابنه السيد ايرك ترامب ليتساءل: لو أعطاك أحدهم كيسا من قطع الشوكولا، وقال لك هذا الكيس يحوي واحدة فقط مسمومة، هل تأكله قبل أن تتأكد من سلامة كل قطعة من السم؟؟؟
هل يستطيع أحد أن ينكر منطقية هذا ا لطرح، أمام الواقع المعاش؟؟؟
ولكن؟؟؟؟ يابييييييي شو طيبين ها العرب وها المسلمين!!!!!! القط يأكل عشاهم!
ليس هذا وحسب، بل حساسين جدا، إنسانيين جدا ومشاعرهم مرهفة للغاية!
………….
لا شك ـ والحقيقة تقال ـ أن اللغة التي استخدمها السيد ترامب لا تتوافق مع القيم الإنسانية التي قامت عليها أمريكا، والتي تقبل الآخر مهما كان مختلفا وتحترمه! والمسلمون يستخدمون تلك الحقيقة لصالحهم وبدون أدنى خجل!
“عندما يكون عدوك ثعلبا لا تسمح له أن يجبرك على أن تتبنّى مكره” عبارة أعترف أنني قلتها في إحدى مقالاتي ومازلت ملتزمة بها. فإذا كان المسلمون عنصريين، هذا لا يبرر أن نكون كأمريكيين عنصريين..
لكن يبدو أن الكيل قد طفح!
…..
هناك مثل امريكي يقول:
Speak softly but carry a heavy stick
تكلم بهدوء ولكن احمل عصا غليظة!
يبدو أن السيد ترامب ولأول مرة في تاريخ أمريكا ـ كمرشح للرئاسة ـ تكلم بفظاظة وحمل عصا غليظة!
شخصيا، لا أرى في ذلك إلا تجسيدا لموقف قوي وصريح وواضح كنا ننتظره منذ مجزرة الحادي عشر من سبتمبر وربما قبل ذلك بكثير! موقف ينقل للمسلمين في كل بقاع الأرض رسالة قوية بعيدة عن النفاق السياسي ـ الذي بتنا نقرفه ـ رسالة تؤكد على أن العالم لن يسمح لهم بالتمادي في إرهابهم، وفي تبنيهم لتعاليم تحض على الإرهاب! ليس إلاّ!
…..
سألوا فرعون: من فرعنك؟ فقال: لم يمنعني أحد من أن أتفرعن؟؟؟ لقد رأيت ورأت معي الغالبية من الشعب الأمريكي في السيد ترامب ـ على علّاته ـ من حقق لنا ماكنا ننتظره ووقف في وجه الفرعنة الإسلامية لأول مرّة في التاريخ! إن تجريد المسلمين من فرعنتم المزيفة سيصلح وضعهم قبل غيرهم، وسيعيدهم إلى صوابهم الإنساني! وإن غدا للمؤمن به أجمل….

wafasultan2015

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.