عندما يفقد / الموت قيمته ..؟!

العدالة: كريستي توماس

العدالة: كريستي توماس

أعجبني الرأي الذي قدمه القديس ” أغسطينوس ” الأمازيغي الأصل ذات مرة حول الزمان” من الذي سبق له أن رأى الحاضر يتوقف ؟وهل يتغير..؟ طبعاً إلا بقدر ما يبقى.”
هل ما كان يعتبر حاضراً لم يعد يعتبر كذلك..؟ بيد أن الحاضر هو ذاته لا يزال يعتبر حاضراً.
يتساءل، هل سبق لك وعشت ولو ثانية في الماضي..؟أو هل عشت في جزءاً من الألف من الثانية في المستقبل.!
الحاضر يدخل في الماضي في كل لحظة وهو امتداد ظلي له. نحن باختصار موجودون في الزمن اللحظي . ولا يبقى من الماضي سوى القيمة المعيارية لحقيقة تصادق على ما قاله ذات يوم ” سبينوزا ” إننا نحس ونختبر بأننا خالدون “.
وفعلياً الموت لن يأخذ منا سوى المستقبل الذي لم يوجد بعد في حياتنا. ولم يسلبنا الموت سوى الحاضر. فلا احد بإمكانه أن يعيد ما لم يعد موجودا، ولا ما لا يوجد بعد.
ما يتبقى فقط هو مجرد ذكرى تستمد قيمتها من كونها ماض نحبه مجرد مشاعر تضفي على حالتنا نزعة إنسانية، بدل كوننا على رأي ” أرسطوتاليس ” حيوانات بلا ريش .
كنا نفقد الأحبة بشكل فرادى .. أصبحنا الأن نفقد أحباءنا بشكل جماعي . يومياً عشرات القتلى أطلق عليهم ما شئت من الأسماء والأوصاف . حتى أننا أصبحنا نخجل من نعي صديق ما، أمام وضعية ما يجري من قتل جماعي. سواء في فلسطين أو العراق أو سورية وحتى أي حالة أخرى حتى لو كان مستوطناً مدنياً، وحتى في نيجيريا..الخ ففي الموت يتساوى الجميع … ويتشاركون بذات المشاعر.
في زمن مضى كان الموت جميلاً..هناك من يحتفل برحيلك ..بيان نعي وكلمات معبرة، وربما يضاف الى البيان صورة جميلة من أيام الشباب مثل إعلانات مساحيق التجميل . ويتناقل الأصدقاء خبر رحيلك بشئ من الحزن والتمني لك بدخول جنته ..؟!. ولا يخلوا الأمر من شتيمة عابرة.. لا بأس والموضوع عادي جداً خاصة بعد فنجان قهوة الصباح.
تخيل ..لو أن الجميع سيدخل الجنة الموعودة خاصة في زمن الموت الجماعي هذا، ترى أين سيكون موقعك في هذه الزحمة.؟أما في جهنم فالموضوع عادي يشابه حالة حرق الموتى في الهند، وتحول الجسد الى رماد .
الحروب هي حالة موت جماعي ، يختفي فيها موت الفرد وتتضاءل قيمته المعيارية ، فيما يحتل خبر الموت الجماعي نشرات الأخبار، لزمن ثم يتحول بدوره الى ماض . لكنه يترك فكرة قاسية تتلف أنسجة الحب…وتبعثر الذاكرة .
كم نحن قساة ومعادون لأنفسنا . كم نحن بلا دموع حقيقية تذرف على الماضي الذي رحل..؟الذي لن يعود. وسننسى ما كان وما سيكون ونعود الى اللحظة المسافرة نحو الماضي، نستظل بها على اعتبار أنها المستقبل .حالة من اللامعقول تحول الإنسان الى نوع من الأثريات التي لا قيمة لها .
بمباركة مافيا السلطة والدين معاً . وإذا لم يحل زعماء أكثر إنسانية من هؤلاء الذين يتربعون على عروش السلطة ،لن يكون للحظة أية قيمة .باعتبارها زمناً حاضراً . وسيستمر الحمقى والبلهاء والمجانين في صداع هذا العالم بهذيانهم. وفي محاولة استرجاع عصر الناقة في مجتمعات تعاني من حالة موت عقلي. ومخزون هائل من الخوف ، والإستبداد المزمن .
حان الوقت لإعادة القيمة المعنوية للموت الفردي . قبل أن تصبح كافة البلدان قبراً لشعوب مجهولة النسب.
هذه حالة منطقتنا ..؟! موت يومي جماعي وفردي . ندفع فيه للمصالح الكبيرة ثمن موتنا.. وربما علينا شكرها أيضاً. رغم أننا نشتري منهم يومياً نفطنا وماركات ملابسنا وأحذيتنا وأدوات زينة النساء الحلال والحرام معاً، وصواريخهم التي تمارس القتل الرحيم بحق عجزنا المزمن.
جميعاً ندفع ثمن تعاستنا وبؤسنا .
بالأمس شاهدت كيف يحتفل المستوطنون بقصف طائراتهم على أطفال غزة ..؟ هم أيضاً قتلوا الإنسان في داخلهم. بل جرى حرقه في ” أوشفيتز ” جديد حدث ذلك في العام 1942في ألمانيا الهتلرية ..واليوم تتكرر المأساة بحق الشعب الفلسطيني على يد أحفاد تلك المأساة الهتلرية.
هكذا الأمر بكل بساطة يحتفلون سروراً بقتلك ، تماماً كما تحتفل المجموعات التكفيرية بقتل مخالفيها من الطوائف الأخرى في سورية والعراق ..الخ. شئ محزن، ما الفارق بين الطرفين ؟!
هذا المشهد مضطر الى تذكره طيلة ما تبقى لي من حاضر. وهذا يؤلمني جداً على صعيد نفسي .الحاضر دخل في الماضي ، هكذا مشهد لن يرحل سريعاً.
الصورة تركت خلفها فكرة مؤلمة ،تؤرقني جداً فهي وحدها لا تمضي … ان يجري الاحتفال بقتلك ..؟ ثم متى سينتهي هذا الاحتفال، وتسدل الستارة عن أسوء احتلال استيطاني معاصر لا زال من بقايا زمن ” الأبرتهايد ” والاستعمار الماضي الذي رحل مع الماضي.
سيستهلكني الحاضر ..وأرحل الى الماضي ، بيد أن الفكرة ستبقى في ذاكرة آخرين .
وهذا بحد ذاته مؤلم ومرعب، فنحن نمر بمرحلة الانحطاط الذهبي..لكن الزمن القريب يبدو هو زمن صراع ” الأميبات ” والديدان الشريطية التي ستلتهم قبور الجنود المجهولين في أوطان تحولت الى مقابر وقوارض ومجتمعات بلا شفقه ، وصراع مصالح على حساب الآخرين .

About سيمون خوري

سيمون خوري مواليد العام 1947 عكا فلسطين التحصيل العلمي فلسفة وعلم الأديان المقارن. عمل بالصحافة اللبنانية والعربية منذ العام 1971 إضافة الى مقالات منشورة في الصحافة اليونانيةوالألبانية والرومانية للكاتب مجموعة قصص قصيرة منشورة في أثينا عن دار سوبرس بعنوان قمر على شفاه مارياإضافة الى ثلاث كتب أخرى ومسرحيةستعرض في الموسم القادم في أثينا. عضو مؤسس لأول هيئة إدارية لإتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين فرع لبنان ، عضو إتحاد الصحافيين العرب منذ العام 1984. وممثل فدرالية الصحافيين العرب في اليونان، وسكرتير تجمع الصحافيين المهاجرين. عضو الهيئة الإدارية للجالية الفلسطينيةفي اليونان .
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.