ديفيد إغناتيوس : الشرق الاوسط
* نعم
* ستكون أولى مهام جون كيري كوزير للخارجية الأميركية بلورة سياسة واضحة ومتناغمة إزاء سوريا، حيث تبدو العقوبات الأميركية المفروضة على نظام دمشق ذات مردود مناقض للغاية منها، وسط المراوحة الميدانية الطاغية على مواجهات دمشق وريفها، وانهيار الاقتصاد وانحدار البلاد نحو هاوية الانقسام الطائفي.
هذا التشخيص المأساوي للوضع السوري يستند إلى أحدث التقارير الحاصلة عليها وزارة الخارجية الأميركية من قوى المعارضة العاملة بالتفاهم مع «الجيش السوري الحر».
إن الوضع الميداني في دمشق هو حقا في حالة مراوحة بلا حسم، فالنظام يسيطر على وسط المدينة وضواحيها الشمالية، بينما يتمتع ثوار «الجيش السوري الحر» بحضور قوي في الضواحي الشرقية والجنوبية والغربية، لكن الفساد يضرب أطنابه في الضواحي الجنوبية المحررة. واليوم، تبعا لتلخيص التقرير، حيث يمر السوريون عبر نقاط التفتيش التابعة للنظام أو تلك التابعة للجيش الحر، فإنه «يصعب أحيانا التمييز بينهما، وتضطر للتساؤل عما يريد الجيش الحر تحقيقه».
واستطرادا، وسط تداخل خطوط الفصل وغموضها تنساب المواجهات خلسة على امتداد مناطق المدينة. وهنا تتولى القوات الموالية للرئيس بشار الأسد حراسة الحواجز ونقاط التفتيش في الشوارع الرئيسية. لكن، حسب التقرير مجددا «تظل هناك على الدوام بدائل أمام المعارضة (الثوار) لبلوغ أي نقطة داخل دمشق تقريبا». وأنا شخصيا اكتشفت يسرا وسهولة في التحرك مشابهين لذلك الحال في شمال سوريا حيث تنقلّت مع الجيش السوري الحر في أكتوبر (تشرين الأول).
وبينما تسعى كتائب الجيش الحر للحصول على مزيد من المجندين، يقول موجز التقرير إن «الشراء بالمال» هو ما تفعله جبهة النصرة «لزيادة أعداد مناصريها وأتباعها. لقد بات الناس سوقا مفتوحة، حيث تدفع وتبيع آيديولوجيتك.. والناس ينضوون بسرعة في صفوف ما كانوا يتجرأون على الالتحاق بها من قبل».
ويتابع التقرير ليقول إن الأطباء العاملين في المستشفيات الميدانية يشيرون إلى أن غالبية الإصابات تحدث في صفوف قوات النظام، مما يفيد بأن النظام ما زال يبقي خيرة قوات النخبة في الحرس الجمهوري كقوة احتياطية يلجأ إليها كخيار أخير.
في هذه الأثناء يبدو أن العقوبات الاقتصادية التي دفعت الولايات المتحدة لفرضها كانت لها نتيجة معاكسة، فمثلما حصل مع العراق في عقد التسعينات، آذت العقوبات الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، بينما تركت أنصار النظام والمستفيدين منه أكثر ثراء. وهنا يصف التقرير ما حصل ويحصل بأنه «مثال ناطق للفشل»، ويشرح أنه بمقدور النظام تجاوز معظم العقوبات عبر استعمال منتجات غير أميركية وغير أوروبية.. وكبار شخصيات النظام يمتلكون وسائل وشبكات متطورة للغاية لتحريك حساباتهم ونقلها»، وبالتالي، فإن السوريين العاديين يعانون لأنهم لا يتمتعون بهذه الميزة. ويتابع التقرير «هذا الوضع أدى لنقل ثروات ضخمة من الناس العاديين إلى أنصار الحكم وأتباعه. وفي خضم الشح الاقتصادي والتمويني وارتفاع الأسعار لا يستطيع الصمود والنجاح من رجال الأعمال إلا أولئك الذين تسنادهم قوة عسكرية لحماية قوافلهم.. الطبقة الوسطى وغالبية الأثرياء خسروا سيولتهم المالية».
في السياق نفسه، فإن نظام الأسد يفرض تقنين الكهرباء والوقود لكي يكافئ المحسوبين عليه ويعاقب خصومه. وحسب التقرير «فإن عدد ساعات الكهرباء المتوافرة لكل حي أو منطقة يتناسب مباشرة مع مستوى ولاء سكان ذلك الحي وتلك المنطقة للنظام.. المحظوظون يحصلون على التيار الكهربائي لمدة 18 ساعة يوميا، والأقل حظا يحصلون على الكهرباء لمدة ثلاث ساعات، أما أولئك الذين يجابهون النظام فليس لديهم لا تيار كهربائي ولا تغطية لهواتفهم الجوالة».
أيضا على صعيد الوقود، فإن الحظر الأميركي على استيراد المازوت (وقود الديزل) بحسب وصف التقرير «قليل الفعالية»، ذلك أنه «لدى جيش النظام الحصة الأكبر بينما يرفع إقبال المدنيين الأسعار المدفوعة لما يتبقى منه»، وبسبب شح المازوت يضطر المواطنون الفقراء لإحراق البلاستيك وأوراق الشجر والحطب للتدفئة وحاجاتهم الأخرى.
إن السياسة الأميركية للتعامل مع الكارثة السورية تختصر باللافعل لشهور، بينما انشغلت الإدارة بحملة الانتخابات الرئاسية، ولاحقا تعيين وزيري الخارجية والدفاع الجديدين والمدير الجديد لـ«سي آي إيه». إلا أنه ينظر إلى جون كيري على أنه الرجل الأكثر أهلية لصياغة سياسة أميركية أكثر وضوحا وأكثر حزما وصرامة، بيد أنه يقال إن الرئيس أوباما متشكك، وها هو يقول في حواره مع الـ«نيو ريبابليك» متسائلا «هل باستطاعتنا أن نغير شيئا؟».
في رأي الثوار السوريين فإن أفعل خطوة يمكن أن تأخذها واشنطن هي تدريب مئات من عناصر الكوماندوز، الذين يصار في ما بعد إلى تسليحهم تسليحا جيدا، وبناء بنية الإمرة والتحكم التي ما زال الجيش الحر يفتقر إليها. إن من شأن قوات نخبة من هذا النوع الذي سبق لـ«سي آي إيه» إعداده وتدريبه في العراق ولبنان وأفغانستان تغيير ميزان القوى على الأرض، ليس فقط بعيدا عن قوات الأسد بل أيضا بعيدا عن جبهة النصرة.
ولقد أبلغني أحد مصادري السوريين مؤخرا بأن «كثرة من السوريين فقدت الأمل في كل شيء، كثيرون يكرهون الأسد، لكنهم يكرهون الجيش الحر أيضا. وكل ما يرجون هو الخروج من هذا الوضع».
* خدمة «واشنطن بوست»