عشية المحادثات المفصلية في الدوحة، أعلن رجب طيب إردوغان أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتّجه إلى التخلي عن بشار الأسد، وأنه لم يعد يشاطر الرأي القائل إن بلاده ستقف إلى جانبه حتى النهاية، وقد تزامن هذا الكلام مع فيض من التحليلات، أوحت أن اللقاء بين جون كيري وسيرغي لافروف وعادل الجبير، يمكن أن يشكل خطوة في الطريق توصلاً إلى صفقة حلول في المنطقة تشمل الوضع الكارثي في سوريا.
أيضًا عشية اجتماع الدوحة كان بوتين قد أعلن مبادرته التي دعت إلى تشكيل تحالف رباعي تركي سعودي سوري أردني يقوم بمحاربة «داعش» والإرهابيين في المنطقة.
لكن المحادثات في الدوحة لم تقدم حلولاً للأزمة السورية، ولم تضع أسسًا لمقاربة يمكن أن تترجم مبادرة بوتين الداعية إلى تشكيل الحلف الرباعي، لكنها قدمت في صيغة بيان مشترك ترجمة واضحة للتعهدات التي سبق أن قدمها باراك أوباما إلى الزعماء الخليجيين في «كامب ديفيد» عشية التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، بما يعني عمليًا أن محادثات كيري مع زملائه الخليجيين، حققت تقدمًا سيستكمل في الاجتماع الوزاري الخامس لمنتدى التعاون الاستراتيجي بين الجانبين، الذي سيعقد في نيويورك في أواخر المقبل.
هل هذا يعني أن زيارة لافروف إلى قطر التي حظيت باهتمام خاص من المراقبين، وخصوصًا لأنها جمعته مع كيري وعادل الجبير وخالد العطية، لم تحدث فرقًا أو اختراقًا في جدار الأزمة السورية التي من المعروف أن قطر تقف على نقيض صارخ مع موقف روسيا منها، وتحديدًا حيال مصير بشار الأسد؟
قياسًا بالمواقف المعلنة لم تُحدث أي فرق باستثناء أنها شكلت خطوة إيجابية في علاقات موسكو مع الدوحة، فمع بداية الاجتماع الثلاثي وجهت إحدى الصحافيات سؤالاً إلى لافروف:
– ماذا ستفعل روسيا لتسوية الأزمة السورية التي تزداد تعقيدًا؟
فقال لافروف مشيرًا إلى الوزيرين كيري والجبير:
– آمل أن يقدم هؤلاء السادة المساعدة. وهنا أضاف كيري:
– الفعّالة (أي المساعدة الفعالة)، لكن بما يوحي ضمنًا أن روسيا لن تحصل على أي مساعدة قد تبقي الأسد في السلطة، رغم موافقة أميركا والسعودية وقطر ودول الخليج على إيجاد حل سياسي للأزمة الخليج، كما أعلن خالد العطية.
وإذا كانت روسيا قد تعهّدت منذ البداية إفشال كل فرص الحل السياسي عبر دعمها المطلق للأسد بالفيتو وبالسلاح، ومن خلال نسفها المتكرر لإمكان إنجاح مؤتمر جنيف بفرضها صيغة ملتبسة حول عملية الانتقال السياسي، وما إذا كانت تعني خروج الأسد أو بقائه لفترة محدودة، فإن تصريحات لافروف في الدوحة أضافت عقدة أمام الحل السياسي، عندما قال: «إن التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا يحتاج إلى مشاركة جميع الأطراف»، بما يوحي أنه يكرر الاقتراح الروسي ضم إيران إلى المفاوضات التي قد تجري في مؤتمر «جنيف – 3»، الذي يروّج له ستيفان دي ميستورا، وهو ما تعارضه دول الخليج وتركيا، وربما لهذا حرص كيري على القول إن الأسد قد سقط وانتهى، وإنه السبب في ظهور «داعش» والإرهابيين في سوريا.
لكن ملامح الخلاف لم تقتصر على هذا فحسب، فقد ندد لافروف بالمشروع الأميركي توفير الحماية الجوية للمعارضين الذين دربتهم واشنطن، لأنه من أجل حماية هذه المجموعات سيسمح للطيران باستهداف أي قوة بما فيها قوات الأسد، وهو ما اعتبر لافروف أنه سيأتي بنتائج عكسية، وكان المتحدث باسم الكرملين قد انتقد عشية اجتماعات الدوحة الخطط الأميركية لتوفير غطاء جوي للمعارضة التي تقاتل قوات الأسد، معتبرًا أن «مد يد العون إلى المعارضة السورية بالأموال والسلاح، قد يؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار»، وليس واضحًا طبعًا عن أي استقرار يتحدث ما لم يكن الاستقرار في المقبرة الأسطورية التي صنعها الأسد. على صعيد أهم لم يكن مفاجئًا أن تجدد المحادثات بين كيري وزملائه الخليجيين تأكيد الالتزامات التي سبق أن تم التوافق عليها في قمة «كامب ديفيد»، وأن يصدر بيان مشترك شامل وواضح وتفصيلي حدد الموقف بعد الاتفاق النووي مع إيران، الذي يقول كيري إن واشنطن وقّعته دون أي توقعات حول تغيير في سياساتها وتدخلها في شؤون دول المنطقة أو أي تحسن في هذا السلوك، ولهذا فقد «تمّ الاتفاق على خطة عمل مشتركة ومفصلة لمواجهة أنشطة زعزعة الاستقرار»، كما قال خالد العطية.
تشتمل هذه الخطة بحسب كيري على «نظام دفاع صاروخي مضاد للصواريخ الباليستية وتدريبات عسكرية مشتركة وتبادل للتعاون الاستخباراتي وتسريع لعمليات تسليم الأسلحة التي اتفق عليها سابقًا مع الدول الخليجية».
من الواضح أن واشنطن تسعى لتعميق طمأنة حلفائها الخليجيين غير الراضين عن تراميها على الاتفاق مع طهران، رغم المآخذ المتصاعدة على مضمونه لجهة إمكان ضبط إيران التي سيساعدها الحصول على المليارات بعد رفع العقوبات، في الاندفاع أكثر فأكثر في عربتها مما يضاعف من زعزعة الاستقرار في المنطقة!
وعلى هذا، أعاد البيان المشترك تأكيد الالتزامات بأن أميركا ودول مجلس التعاون تشترك في مصالح تاريخية وعميقة في أمن المنطقة، بما في ذلك الاستقلال السياسي وسلامة أراضي دول مجلس التعاون من أي عدوان خارجي تؤكّد واشنطن التزامها بالعمل لمنعه وردعه، وفي حال هذا العدوان أو التهديد به، فإنها على استعداد للعمل مع شركائها دول مجلس التعاون لتحديد الرد المناسب في شكل عاجل واستخدام كل الوسائل المتوافرة لدى الجانبين بما في ذلك استخدام القوة العسكرية للدفاع عن شركائها دول مجلس التعاون.
النقاش مع كيري تناول الملفات الإقليمية الساخنة من مواجهة «داعش» و«القاعدة» ومجموعات الإرهاب والصراع في اليمن وضرورة الحل وفق المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، والعمل لتسوية في سوريا عبر عملية انتقال سياسي مبرمجة وواضحة على قاعدة أن الأسد فقد شرعيته، ومن الواضح أن الآليات التطبيقية ستكون محور منتدى التعاون الاستراتيجي بين الجانبين في اجتماع اتُّفق على عقده الشهر المقبل في نيويورك.
المصدر الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهرانبقلم مفكر حر
- #خامنئي يتخبط في مستنقع الهزيمة الفاضحة في #سوريابقلم مفكر حر
- العد التنازلي والمصير المتوقع لنظام الكهنة في #إيران؛ رأس الأفعى في إيران؟بقلم مفكر حر
- #ملالي_طهران وحُلم إمبراطورية #ولاية_الفقيه في المنطقة؟بقلم مفكر حر
- بصيص ضوء على كتاب موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديثبقلم آدم دانيال هومه
- آشور بانيبال يوقد جذوة الشمسبقلم آدم دانيال هومه
- المرأة العراقية لا يختزل دورها بثلة من الفاشينيستاتبقلم مفكر حر
- أفكار شاردة من هنا هناك/60بقلم مفكر حر
- اصل الحياةبقلم صباح ابراهيم
- سوء الظّن و كارثة الحكم على المظاهر…بقلم مفكر حر
- مشاعل الطهارة والخلاصبقلم آدم دانيال هومه
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.بقلم مفكر حر
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟بقلم مفكر حر
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيرانبقلم صباح ابراهيم
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلةبقلم مفكر حر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهران
أحدث التعليقات
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر