مهند شاب من سكنة مدينة الثورة في بغداد, مدينة الفقراء التي تغيرت تسميتها مرارا لتصبح اليوم باسم مدينة الصدر, عاشق لكرة القدم ولنادي الزوراء, كان فيما سبق يحلم أن يكون لاعبا معروف كأحمد راضي أو يونس محمود, لكن ليس كل الأحلام تتحقق, فتحولت الكرة لمجرد هواية, وكذلك هو احد طلاب كلية الآداب قسم التاريخ, فطموحه أن يصبح مؤرخا للتاريخ يشغل باله منذ باكورة حياته, حيث كان يطمح الى تمحيص الكتب القديمة, ممن تمتلك عنصر القداسة, لأحساسه أن فيها علة الاختلاف.
بعد أحداث الموصل عام 2014, وسقوطها بيد العصابات النتنة “الدواعش”, نتيجة ضعف الدولة وفشل الحاكم في مسك الأرض, أعلن المرجع الأعلى في العراق السيد السيستاني فتوى الجهاد الكفائي, لإنقاذ العراق من أن تبتلعه العصابات التكفيرية, حسب مخطط غربي مع فلول النظام السابق ودول إقليمية, فكان مهند من أول الملبين لفتوى المرجع الأعلى, ترك هوسه بكرة القدم ومقعده في الكلية, ملتحقا بصفوف المجاهدين.
كان مهند يشعر بسعادة كبيرة هو يشارك في تحرير المدن, من زمرة الدواعش الأنذال, فهو يقدم شيء حقيقي للوطن على عكس الكثير من ساسة التصريحات, فكان يعتبر نفسه خادم للناس البسطاء, كان يفرح وهو يحمل الأطفال ليبعدهم عن ارض المعارك, وكان اهتمامه الأكبر ينصب بكبار السن, كان يرشدهم الى طرق الأمان للخروج من ارض المعارك, ويتكلم عنهم ليخفف عنهم ويسليهم, فمصيبتهم كبيرة, هنالك اضمحلت الطوائف وظهرت الإنسانية بأبهى صورها, فمهند وأخوته في الجهاد قد امتلكوا ارفع قيم الإنسانية, وارض الموصل تكلمت عن كل هذا.
لكن أحيانا يصاب بالحزن ويشعر بالصدمة, من تقارير وأخبار بعض القنوات العراقية ذات الخبث والتمويل المريب, والتي تتهم المجاهدين (رجال الحشد الشعبي) بأبشع التهم, مع أنهم يقدمون خدمة كبيرة لأهالي الموصل, ويضحون بحياتهم وهو أغلى ما يملك الإنسان في سبيل الوطن, كل هذا كي تثير الشك بين العراقيين وتزرع الفتنة, وتغطي على الحقيقة الجميلة التي يرسمها رجال الحشد, فهي ليست قنوات بل مجرد خناجر غدر.
كانت الاتصالات في نهار يوم الخميس كثيرة, أصدقائه في قطاع 48 من مدينة الثورة, يطالبونه بأخذ إجازة للذهاب معهم لملعب الشعب, لمشاهدة كلاسيكيو العراق بين الزوراء والجوية, وأصدقائه في الكلية ينتظروه للمشاركة في حفل التخرج, وأمه تعتب عليه لطول فراقه للبيت, عندها دمعت عيناه فالشوق هد قلبه, طلب أجازة أربعة أيام, وكان الموعد فجر الجمعة ليعود لأهله وأحبائه.
لكن كانت ليلة الجمعة طويلة لمهند, ففي بداية المساء كان يشعر بحزن كبير حتى انه لم يتناول عشائه, أحساس غريب تملكه,للصلاة والدعاء عسى أن تنفرج روحه ويغادره الكدر, بعد ساعتين كان له واجب عسكري داخل قرية موصلية, فشاهد عجوز يئن من التعب, لقد كان مريضا, لم تكن معهم سيارة, فطلب رخصة من قائده العسكري ثم حمل العجوز على ظهره, باتجاه الطبابة العسكرية, بعد نصف ساعة وصل وتلقاه زملائه وشكره الطبيب على سمو أخلاقه, وقال له لو لم تأتي به لمات العجوز.
عاد مهند مسرعا لمكان واجبه, لكن ترصده قناص قذر من حثالات الدواعش, من فوق إحدى البنايات, وسدد له ضرب مميتة في الرأس, فوقع مهند على الأرض, ليختلط دمه بأرض الموصل.
فجر الجمعة عاد مهند لمدينته, لكن عاد شهيدا, لتضج المدينة بالصراخ والعويل, لشدة الفقد ومفاجئة الحدث.