إنّ حلبة الصراع القائمة بين أودية الحقِّ والباطل,والحَكمُ فيها الله,وهو الموْجِدها .. لنْ تنتهى إلا بزوال دار الصراع والتمحيص والإبتلاء .
وقدْ تمرُّ حقبٌ من الزمن يغلب على أُناسِها الشرُّ ويكونوا أصحاب ضلالةٍ وغوايةٍ , وأهل مطامعٍ وطغيان , وأهل دعاية للنبوة والربوبية … كذلك قدْ تمرُّ حقبٌ أُخرى يغلب عليها الخيرُ ويكونوا أهل هدايةٍ وخُلقٍ .زهدٍ وعبوديةٍ وتوحيدٍ أمّا أنْ يستأسد الشرُّ على الخيرِ أو العكس بصورة كاملةً ,فمُحال , وإنْ حدث فلا يحدث إلا فى حِقبة قصيرة جدّاً تمرُّ خلال عمْر الإنسانية مرَّ الكِرامِ ,ثمَّ ما تلبث إلا أنْ تنتهى ويعود الأغلب مرّة أُخرى فى دهوره الطِّوال
ونحنُ الآن بصدد حِقبة من الحِقب حالكة السواد كظلمة أعماق البحر اللجّىّ , إصطخاب وثرثرة لأقاويل باطلة,و تلاطم أجساد تتقافز قنْصاً وقتْلاًمن أجل الفوز بالمال والنساء,وفقاعات من الدماء تنفجر من العروق ساعة القفز والطعن بأيادٍ آثمة .. أصبح وأمسى هوى النفس فيها ينجرف كالطوفان أو البركان بلا رحمة أو هوادة يغرق طوفانها ويحرق بركانها ويُفنى بعضهم بعضاً من أجل..البقاء ..السيطرة ..اللذة ..المال .. النساء.. وتلك الحقبة هى قرية مغضوبٌ عليها وتُسمى قرية عزازيل
قرية عزازيل… الخير فيها مثقال حبةٍ مِنْ خردلٍ لا يُسمن ولا يغنى فى صراعه ضد الباطل,لأن الصراع فيها غير متكافئ, مما يجعل الحكم يعلن إنتصار فريق الباطل على فريق الحقِّ لعدم التكافؤ
عزازيل ..ذاك الطوفان الجارف , والبرق القاصف , والبركان الثائر اللافح ..
تجسدتْ داخله كل آثام البشرية وأستحثته على إفرازها , وما تفرز إلا …
قفز الثعالب ومكرها ,
ثورة الليوث على شوادن الغزلان فى مراعيها ,
عواء الذئاب ,,, وفحيح الأفاعى ..
أفرزتْ … القتل , القنص , القفز , السلب , إدعاء الأُلوهيّة,.. و…
عزازيل لمْ يكنْ رجلاً عادياً وإنما كان ذا مواهب طاغية , لعل إرادته فى حبِّ الشرِّ لذاته قدْ أزكتْ تلك المواهب الشيطانية فأفرزتْ قوىً خارقةً فوق العادة .
عزازيل يستطيع أنْ يحوّل خوارق الطبيعة التى حوله من حيوان أو جماد إلى قوىً ماديّةٍ ملموسة تلتصق بروحه ثم يقهر بها ما يشاء من المخلوقات ليُعلن عن نفسه بأنه ,,
الأوّلُ .. الربُّ .. الحاكمُ الفعلى للكون ..
ومن هنا بدأ صراعه ليعلن أحقيّتة بحكم هذا الكون وأوّل ما بدأ,بدأ بأهل قريته الحمقاء.
أخذ عزازيل فى تدريب نفسه على استحضار قوّته فى الصحارى البعيدة استعدادا للهيمنة على قريته .
أخذ فى الفحِّ فكان سمّه قاتلا ..
أخذ فى الزئير فكان زئيره رُعباً بلغ الآفاق .
تزيّا بثوب الحِرباء , جرى بسرعة الريح كالفهد , ثورة الشرِّ تجتاح الآن نفس عزازيل فى تدريباته وتغتاظ تريد أنْ تنفجر فى الضحايا ,, ثورة عزازيل تعضُّ على أناملها لشراهة الشرِّ التى تعتريها.
عاد عزازيل من رحلة التدريب إلى بيته كاظماً ثورته الطاغية بين أحشائه وضلوعه
لقد حدّد ضحيته الآن .. إنّه طاغى الطغاة فى بلدته ..إسمه قارون ولقبه بنك المال .
بيته عبارة عن قصر , وتحت القصر سِرداب يحتوى على ماله وجواهره التى اكتنزها من السلب والنهب فى أبشع صوره .
خارج القصر نجد عماليق بشريّة تتحصّن بكآفّة الأسلحة ومع كل عملاق كلب سلوقى مقيّد .
وفوق قصره طائرة كشّافة تحلّق ليل نهار .
خرج عزازيل متوجها بغلّه إلى قصر قارون , وهو يعرف مسبقا خارطة القصر كلها .
عزازيل يصرخ بالدمع الآن ,سرعان ما تحوّل صراخه الدامع إلى نباح كلبٍ ماكرٍ, وتحوّل جسده الى كلب سلوقى ومرَّ بساحة القصربسرعة كلب السلوقى, والعماليق البشرية نظرتْ إليه فى عجب ودهشة,بينما كلاب السلوقى التى تجاورهم تنبح تريد الانفلات من قيودها مما أثار دهشة العماليق أكثر وأكثر.
دخل الآن عزازيل حجرة نوم قارون فوجده نائماً ,هدأتْ نفسه رغم نباح الكلاب بالخارج , ثمّ ثارثورته متحولاً الى لبُؤة جائعة,ثمّ قفزَ على رقبة قارون فاستيقظَ قارون على موته فى لحظة خاطفة ثم أخذ يمزق جسده إلى أشلاء بأنيابه الحادة ويأكله ولكنّ عزازيل لفظه تأفّفاً وكِبْراً ظنّاً منه أنّ لحمه نجس وما يجب أنْ يدخل جسده.
ثم ذهب إلى السرداب وظلَّ يحفر فيه حتى أوجد لنفسه ممراً إلى خارج القصر وأخذ الكنز ومضى .
ذاع قتْل قارون فى القرية حتى إنّ أهل القرية قالوا ما قتله إلا شيطان .
لقد اكتسب عزازيل الثقة بقتله قارون أعتى العتاة بسهولة ,مما دفعه لمزيد من الثقة فى إزاحة طواغيت أُخرى.
———-
ولقد تأهّب لغزو الخير هذه المرة والسيطرة عليه .
إنّه أحمد .. أحمد هذا رجل فى القرية.. صالح.. قوى الشكيمة ..رابط الجأش ..يخشونه أهل القرية أكثر مما يخشون نظرائهم فى الطغيان .
وهو يتحاشاهم لفجرهم كما همْ يتحاشوْنه خشية أنْ ينال ربَّه مِنْ سطوتهم فيقهرهم .
خرج أحمد فى المساء متكتفاً شبكته قاصداً البحر لصيد الحلال الطيب , وتبعه عزازيل .
نزل أحمد البحر بقاربه وأخذ فى التجديف ثُمّ رمى شبكته وأخذ يدند ن لجذب الأسماك لشبكته .
لمْ يمهله عزازيل كثيراً وأخذ يصرخ كالمجنون من على شاطئ البحر , ثم ما لبِثَ أنْ تحوّل صراخه البشرى إلى صراخ تمساحى وتشكّل فى صورة تمساح ثم نزل البحر وأخذ يسيرنحو أحمد ورأسه فوق سطح الماء بقليل ليتنفس .
لكنّ أحمد أحسّ بصوتٍ يدنو منه فأخرج كشّافه الضوئي فوجد تمساح يقترب منه وأبصره بسبب عيونه البللورية التى تلمع فى الظلام فأعدّ عدّته للمواجهة .
ولكنّ عزازيل يمتلك مع قوّته ذكائه البشرى , فقفز قفزة سريعة فأمسكه ثم التفّ ودار بسرعة بشكل طولى فى الماء ثُمّ ما لبث أن مزّقه بأسنانه وابتلعه كلّه ثُمّ لفظه .
——-
ظلَّ عزازيل فى نشوةٍ من الإنتصارات المتوالية على قوى الشرِّ والخير معاً رغبة منه فى إعلان المرسوم الأعظم تحت عنوان ( العالم لعزازيل )ليقرأَ منه دستوره الطغوى الحاكمى على العالم. فبنى عرشاً له على الماء ينتهى بقمة شبه هرميّة يتخللها كرسىُّ مطعّم بالدّرَّ واللؤلؤِ وظلّ يشيّده رغبة منه أنْ يبلُغ عنان السماء , ودعى قومه ليخطب فيهم, فحضروا جميعاً لاتقاء بطشه بعد أنْ علموا خوارقه .
قال …أيُّها الأنجاس …
إنّى إلهكم الأعظم .
عليكم بتوحيدي والخضوع لسلطانى .
قدّموا لى القرابين مِنْ نسائكم وأموالكم ولا تغضبونى فتضطرونى إلى قتْلِكم .
وأَظهر لهم خوارقه كى يُذعنوا عن خوف من بطشه ورجاء فى طاعته .
أول ما بدا تحوّل إلى أفعى تفحُّ السمَّ فى الجوِّ حتى أصبح كالمطر ثم تحوّل لحيوانات أُسطورية تبعث أصوات ترتجف لها القلوب كما تتساقط لها جدران الحوائط .
لقد اختلطتْ كلُّ الأصوات ببعضها ما بين زئيرٍ وفحيحٍ وعواءٍ وصخيخٍ وقعقعات وأصوات طلاطم الأمواجِ وفقاعات الماءِ المغلى فى القدور .
حقّاً قدْ جسّد لهمْ … الخوف .. الرهبة .. الموت ..و..
لم ينتبه عزازيل لتلك الخمْرة التى ظلّ يشربها وهو يظهر خوارقه ويُعلن مرسومه الإلهى .
أذهبتْ الخمر بعقله كماأذهبت بطقوسه الخوارقيه ,, فهو لا يستطع أن يمارس طقوسه الخوارقيّه تحت سلطان السّكْر .
هو الأن فى عالم النشوة بجسدٍ بلا عقل .
جاءتْ ذبابة تطنُّ عند اذنيْه طنين الرعد القاصف , فحاول أنْ يتفادها بيده وعقله الغائب .
ما زالتْ الذبابة تطنُّ حتى زاملتها أُخرى فصرخ مِنْ طنينهما لدرجة أنّه حاول العودة إلى ممارسة طقوسه الخوارقيّه ولكنه ما استطاع .
فخوارقه لا تُستحضر إلّا بقوّة الإرادة والإحساس معاً .
فحاول إبعادها مرّة بعد مرّة حتى ترنّح جسده ترنُّح السكّير ودار بحركة دائرية عند جدار الهرم, وقعَ على إثْرها على الماء غريقاً .
وانتهتْ أُسطورة عزازيل بذبابةٍ طنّتْ له طنين الهلاك كما تطنُّ لنا طنين الطيران .
فإنْ كنت يا ابن آدم ترى فى قوّتك ما تستعبد به عباد الله فاعلمْ أنّ هلاكِكَ سيكون على أضعف خلق الله
………
من قصّى وفكرتى : ابراهيم امين مؤمن
9/04/2017
السبت في 09:59 م
ابراهيم امين مؤمن