عرب الجزيرة وخيبات الأمل من نظام الأسد

سليمان يوسف يوسف
 حزب “البعث العربي الاشتراكي”،منذ انقلابه على السطلة 1963، كان مصدراً للمنافع والمكاسب والامتيازات، المادية والمعنوية، لزعماء ومشايخ العشائر والقبائل العربية في الجزيرة السورية. في عهد الاسدين (الأب والابن) انتعشت العشائر وتضاعفت امتيازاتها ومكاسبها وقويَ نفوذ مشايخها في مفاصل الدولة والمجتمع، على حساب القوى والتيارات السياسية الديمقراطية والنخب الوطنية. هذا ما اشار اليه الشيخ (حميدي دهام الهادي الجربا) زعيم قبيلة (شمر)، كبرى القبائل العربية في ريف القامشلي، لدى استقباله أمير سعودي عام 1986 في قصره بقرية (تل علو)، قال حميدي: “بارك الله بالحركة التصحيحية التي قادها حافظ الاسد، فهي أعادت للقبائل والعشائر الكثير من اعتبارها ونفوذها ومكانتها في الدولة والمجتمع “. مع انطلاق شرارة الاحتجاجات الشعبية ضد حكم بشار الأسد، آذار 2011، ودخول البلاد في صراع مسلح على السلطة، بدأ النظام بإعادة ترتيب أوراقه وتحالفاته الداخلية، بما يضمن حماية سلطته ونظامه من السقوط والانهيار تحت ضغط الجماهير الثائرة ضده. في إطار هذه السياسة والتكتيكات الجديدة، أعاد النظام جسور العلاقة مع حليفه الكردي القديم(حزب العمال الكردستاني- تركيا ) عبر ذراعه السوري( حزب الاتحاد الديمقراطي). النظام، ومن دون قتال، سحب سلطاته من معظم مدن وبلدات محافظة الحسكة، بما فيها حقول النفط والغاز في رميلان، وسلمها لحزب الاتحاد الديمقراطي، ومن ثم مده بالسلاح، باعترافات النظام نفسه، لأهداف لا تخفى على أحد ( تحييد الشارع الكردي عن الصراع الدائر في البلاد واستمالة الحزب الى جانبه وتحريك الورقة الكردية في وجه تركيا، الداعم الاساسي للمعارضات السورية، السياسية والعسكرية). مد ( بشار الأسد) يده لـ”فصيل كردي” قيادته خارج الحدود، أغضب عرب الجزيرة وأصابهم بخيبات أمل كبيرة من (النظام البعثي العروبي)،الذي كانت تعتبر نفسها جزءاً منه وحصنه المنيع في منطقة الجزيرة. كما أن استدارة بشار المفاجئة نحو الأكراد، تُعد من الأسباب الأساسية لانخراط عدد غير قليل من ابناء العشائر العربية في صفوف فصائل (الجيش الحر) والمجموعات الاسلامية المسلحة الارهابية، التي تقاتل النظام، مثل (جبهة النصرة) ولا حقاً (تنظيم الدولة الاسلامية- داعش). بيد أن، سياسية(العصا والجزرة) التي انتهجها النظام مع العشائر، نجحت في احتواء غضبها واستمالتها من جديد الى جانبه، وشكل منها “ميليشيا ” (دفاع وطني – لواء درع الجزيرة)،مدها بالمال والسلاح. النظام طمئن أو بالأحرى ضلل العشائر العربية بأن دعمه لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ضرورة أملتها عليه ظروف “الحرب والإرهاب” في البلاد، وهذا الدعم سينتهي بمجرد إنهاء الصراع والقضاء على الارهاب وتصفية المعارضات.
“الحرب بين السوريين وعلى السوريين” كادت أن تضع أوزارها و”الحملة العسكرية الدولية على الارهاب” اقتربت من نهايتها، وسلطة “الدولة الأسدية” لم تعود الى منطقة الجزيرة، كما وعد بشار. لا بل أن سلطتها تقوضت وتراجعت اكثر فاكثر. فيما، تنامت القوة العسكرية والاقتصادية والشعبية لحزب الاتحاد الديمقراطي. الحزب انتقل بالمناطق الخاضعة لسيطرته من ” الادارة الذاتية” الى “الفدرالية”، وباتت قواته “قوات حماية الشعب” أشبه بـ”جيش نظامي” تسيطر على نحو ثلث مساحة سوريا، وهي تحظى بدعم عسكري من الولايات المتحدة الامريكية، وقد عززت هذا الدعم من خلال “قواعد عسكرية” اقامتها في الجزيرة، بذريعة دعم ومساندة حملة ” التحالف الدولي”، الذي تقوده، على “الارهاب- داعش وغيرها”. يبدو أن(العشائر والقبائل العربية) باتت على يقين تام بأن نظام بشار الأسد لم يعد بمقدوره حكم سوريا والامساك بمنطقة الجزيرة، كما كان الحال قبل آذار 2011. القامشلي وكثير من مدن وبلدات ومناطق محافظة الحسكة ستكون من “المناطق المتنازع عليها” بين النظام و القوات الكردية. تطورات ومستجدات، عسكرية وسياسية، عززت المخاوف من مصير مجهول لمنطقة الجزيرة. وسط هذه المخاوف، أعلن مثقفون وناشطون من كبرى القبائل والعشائر العربية (طيي، شمر، الجبور، العساف)، يوم 28 أيلول الماضي من مدينة القامشلي، عن تشكيل أول حزب سياسي عربي في منطقة الجزيرة، حزب ( المحافظين الديمقراطي). وفق عضو الهيئة السياسية في الحزب( بسمان العساف): ” تأسيس الحزب جاء رداً على تهميش العشائر العربية ولأجل أن تأخذ دورها بالمشاركة في الحل السياسي للأزمة السورية، والحزب منفتح على جميع القوى السياسية والحزبية في الجزيرة وعموم سوريا، والحزب مستقل لا يتبع اية جهة أو حركة سياسية، وأبوابه مفتوحة لجميع المكونات “. جدير بالذكر أن الأمين العام للحزب هو (مانع الحميدي) نجل (حميدي دهام الهادي الجربا) شيخ كبرى العشائر العربية، في منطقة القامشلي، لهذه العشيرة العربية علاقات تاريخية جيدة مع أكراد المنطقة. الشيخ (حميدي) هو الحاكم المشترك لـ”مقاطعة الجزيرة” المشمولة ضمن مناطق ما يسمى بـ”الادارة الذاتية” الكردية. وللشيخ، “ميليشيا” من أبناء عشيرته، باسم (قوات الصناديد) التابعة لجيش الكرامة، الذي قاتل (جبهة النصرة و داعش) الى جانب وحدات حماية الشعب الكردية في ريف القامشلي. بغض النظر عن البرنامج السياسي لحزب (المحافظين الديمقراطي)، تأسيسه في هذه المرحلة، يندرج في إطار بحث العشائر العربية عن خيارات ورهانات أخرى غير خيارات ورهانات نظام بشار الأسد. الطريقة الاحتفالية للإعلان عن الحزب، تحمل أكثر من رسالة سياسية والى اكثر من جهة. رسالة الى النظام الذي خيب آمال (العشائر العربية). رسالة الى الادارة الذاتية الكردية والى المعارضات، ولجميع الفاعلين في الأزمة السورية من قوى إقليمية ودولية. العشائر العربية، ارادت القول ومن خلال منبرها السياسي الجديد: بان عرب الجزيرة تحرروا من هيمنة وسلطة نظام بشار الأسد وبأنهم باتوا احرار في خياراتهم وتحالفاتهم وتطلعاتهم السياسية المستقبلية وهم مستعدون للعمل مع الجميع لأجل أن تصبح “سوريا وطن لجميع السوريين”، الشعار الذي تبناه الحزب تعبيراً عن مبادئه وتوجهاته.

باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات
SHUOSIN@GMAIL.COM

 المصدر ايلاف

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.