عام أخر من القلق / والخوف والمرض والغرق

2016nyعام أخر يجرجر أيامه خلفه، كما تجرجر موجة على شاطئ مجهول شظايا الحرب ، من أطفال ونساء وبؤساء غرقى.
ننتظر عاما أخر.. مسكونين بالخوف والقلق والاغتراب دون رابطة بالمستقبل. وفريسة للماضي ، لعصر ” الإيمان القروسطي ” الذي تفتك فيه نصوصه الخطابية الدينية والسياسية المكتوبة ، بأرواح العشرات من ” رعايا ” المنطقة العربية والإسلامية، مجتمعات الإجابات الجاهزة.التي تبحث عن السعادة بعد الموت ، وليس عن سعادة الحاضر والمستقبل .
وعام كامل حكم فيه المرض على حالتي بالنفي الذاتي، والانزواء بعيداً عن صخب الكتابة، والأصدقاء والبحث عن الأسئلة المعقدة. بيد أنها كانت تجربة مهمة لإعادة النظر بكافة تلك الأماني السابقة ،او ببعض الاستنتاجات والأحكام السريعة التي صاحبت ما يسمى ” الربيع العربي “. وسفكت فيه الدماء باسم الدين تارة وأخرى باسم الحفاظ على رأس النظام معاً.
فتكت فينا المعاني والخطابات ، والعقائد السلفية ، وكلهم تحولوا الى ورثة للأنبياء وللقادة التاريخيين . وجميعهم نسوا أو تناسوا ما قاله ” إبليس في رواية ” الأعماق السفلى ” لجوركي ” الإنسان ما أعظمها من كلمة “.
فأين أصبح إنسان البلدان ” العربية ” ؟؟
هذا ليس بكاءً على الحاضر.. فليس مطلوب من المرء أن يكون فيلسوفاً لكي يري أن جنون التطرف الشيزوفريني قد حول المجتمعات ” العربية ” الى دول للطوائف المتناحرة تراجعت فيها القوى الديمقراطية لكي تحل محلها العقائد ذات النزعة التجارية وماركة حلال وحرام . وتراجعت معها قيمة الإنسان لصالح ” المقدس الوهمي “فهل بهذا النزعة العنصرية يمكن لمجتمعات الشرق العودة الى العصر الراهن ؟؟
هل نملك القدرة على الخروج من الماضي، والوقوف خارج النظام الأبوي السياسي والديني ؟ ونخلق في تفكيرنا مكاناً لوعي متجدد، يتطلع نحو مستقبل كما يفترض أن يكون ؟ وهل محبة الأخر واحترامه تحتاج الى وحي الهي !
هذه العقلانية تفترض قيام خط فاصل بين الذات والماضي. حس زماني كأداة لتحول تاريخيا في علاقاتنا الإنسانية. قبل ان يفتك بنا الخوف من صعود هذه الفاشية المرعبة..
شئ مرعب كيف يمكن تحويل أطفال الى قتلة متوحشين.. هل بهذه السهولة يمكن ان يصبح فيها الإنسان غير إنساني ؟؟! وغير قابل للمراهنة على إنسانيته. أو قدرته على تحميل روابط الحياة والحضارة. فارغا وعبثي وقاتل..؟!
هذا هو عبث الماضي، الذي أعدم الحاضر من أجل إحياء ماضي لن يعود.
هل يمكن أن نفتح ثغرة صغيرة في عقل هؤلاء وتحويلهم من ولاء منغلق ومروج لعقلية الاستبداد الى عقل قابل للحوار ومنفتح على الآخر؟
إنها أمنية أخرى ، عندما بلغ الشاعر الألماني ” جيته ” الثمانين من عمره قال، ” يجب أن أتغير,ان نجدد شبابنا على الدوام ، وإلا تعفنا ” .
إنها مجرد أمنية .
كل عام والجميع بخير وأسرة الحوار المتمدن.
سيمون خوري

About سيمون خوري

سيمون خوري مواليد العام 1947 عكا فلسطين التحصيل العلمي فلسفة وعلم الأديان المقارن. عمل بالصحافة اللبنانية والعربية منذ العام 1971 إضافة الى مقالات منشورة في الصحافة اليونانيةوالألبانية والرومانية للكاتب مجموعة قصص قصيرة منشورة في أثينا عن دار سوبرس بعنوان قمر على شفاه مارياإضافة الى ثلاث كتب أخرى ومسرحيةستعرض في الموسم القادم في أثينا. عضو مؤسس لأول هيئة إدارية لإتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين فرع لبنان ، عضو إتحاد الصحافيين العرب منذ العام 1984. وممثل فدرالية الصحافيين العرب في اليونان، وسكرتير تجمع الصحافيين المهاجرين. عضو الهيئة الإدارية للجالية الفلسطينيةفي اليونان .
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.