في كل دول العالم المتحضر اليوم هوية معاصرة تتماشى مع روح العصر وملائمة للمناخ المعاصر, وفي كل دول العالم المتحضرة هنالك أشخاص معاصرون يعيشون حياة عصرية, حُكّامٌ معاصرون, أساتذة مدارس معاصرون, مؤسسات مجتمع مدنية معاصرة, مدارس عصرية, دور عبادة عصرية, أطعمة عصرية, وقوانين عصرية, ومتخرجون من الجامعات العصرية, إلا في وطننا العربي فلا نجد هوية عصرية مناسبة وملائمة لطبيعة الحياة العصرية, فعندنا مدارس من القرون الوسطى, ورجال ملتحون يجوبون الشوارع بملابس من القرون الوسطى, وأساتذة يدرسون في المدارس الطلاب بطريقة من القرون الوسطى, وحُكّامٌ يحكموننا بمواد فقهية من العصور الوسطى, ما زالوا هؤلاء الحكام يختلفون فيما بينهم على شعر المرأة وصرة المرأة وثدي المرأة وركبة المرأة وسيقان المرأة, ما زالوا حتى اليوم يتلون التعويذات من القرون الوسطى على المرضى النفسيين وهم يعتقدون بأن هنالك أرواح شريرة تسكنهم, الحياة العصرية في مجتمعاتنا معدومة نهائيا, نحن أناس نعيش على فتات الماضي وحكامنا يكرهون الحياة العصرية التي تحرر الفرد من عبادة الحكام, يكرهون الحرية والديمقراطية لأنها تهدد حياة المتنفذين الذين يتسلطون على رقابنا, ما زلنا نفتقر للملابس العصرية وللأعياد العصرية وللديانات العصرية, عندنا كارثة حلت علينا جميعنا أسمها الصحوة الإسلامية.
ما زال حكامنا يعيشون على السلب وعلى النهب ولكن بطرق أخرى, ما زالوا يقطعون الطريق,ويقطعون الرقاب,ويقطعون الأرزاق ويقطعون خطوط المواصلات, ما زالوا يفكروا بالسبايا وبالغلمان, ما زالوا شاذين جنسيا وأخلاقيا ويقضون النهار وهم يخططون بكيفية إصطياد(موزه) جديدة, في الوقت الذي تغرق فيه البلاد بالفقر وبالجوع وبالجهل وبالفساد,ما زالت هويتنا المعاصرة مشوشة ومعدومة فلا يوجد عدنا مناهج تدريس عصرية ولا مؤسسات مجتمع مدني عصرية, صحيح أنهم فتحوا الشوارع بطريقة عصرية, وصحيح أنهم بنوا المدارس والجامعات بطريقة عصرية, وصحيح أن بعض الرجال والسيدات يلبسون ملابس عصرية,ولكن المشكلة في الحشوة, فالملابس محشوة بعقول متخلفة,والجامعات محشوة بعقول من القرون الوسطى, وكل شيء عيب,وكل شيء حرام, وهذا مكروه, وهذا مُحرّم, وهذا فاسق وهذا فاسد,وهذا كافر,وهذا ملحد وهذا خارج عن المِلة.
وأنا أعيش مع هذه الحشوات المحشوة عقولها بالتبن, وكأنها من العصر الحجري القديم, لا توجد لدينا امرأة عصرية بمعنى الكلمة,ولا يوجد لدينا رجل عصري بمعنى الكلمة, يقدسون الماضي ويعيشون تحت ظلاله ,كل شيء يجب أن يمر على مقص الرقيب,كل شيء يجب أن يشاهده المخاتير وشيوخ القبائل لكي يسمحوا لنا به أو لا يسمحوا, محاطون بشلة من الشللية والمحسوبية, ما زالت القبيلة تحكمنا, ما زال رؤساء القبائل يحكموننا, ومنذ العصور الوسطى ونحن ما زلنا فيها, ليس لدينا ثورات عصرية, وليس لدينا مناهج تدريس عصرية.
ما زالت مشكلة الأصالة والمعاصرة معششة فينا, نظنُ أن فلاحنا ونجاحنا هو فقط في الامتثال لسماع كلام الدين والإيمان, نهجر الحرية رغبة بحب القمع والديكتاتورية,مُراقبُون ومُلاحقون بشتى وسائل المراقبة والملاحقة,مفروض علينا أن لا نفكر وأن لا نناقش,محرومون من مباهج الفرح, حتى أفراحنا يحرمون فيها الاختلاط بين الجنسين وينظرون للمرأة على أساس أنها فتنة وشيطان يدخل الرجالُ النارَ في سببها,حياتنا مليئة بالتجاوزات وبالأخطاء, نهتم بالحديث عن شفاه المرأة ووجه المرأة وإظهار كف المرأة في الوقت الذي من الواجب فيه علينا أن نهتم كما يهتم العالمُ المتحضر بالمشاكل البيئية التي تهدد حياتنا, لا نستطيع أن نقدم للعالم المتحضر رجلا دينيا واحدا يدعو إلى السلام, فهل سمعتم طوال حياتكم عن رجل دين واحد مسلم يستحق أن ينال جائزة نوبل للسلام, نحن نعيش بلا هوية عصرية وعالة على الأمم المتحضرة وحمل ثقيل على المتنورين, نحن لا نملك قلوبا عصرية ولا خرائط عصرية نستدل بموجبها على نهضة فكرية معاصرة, أين هي الهوية العربية المعاصرة؟ أين هم المفكرون وأين هم الطامحون نحو التعديل والتغيير, ما زالت المعسكرات القديمة والمحاربين القدامى مثل دون كيشوت يتصارعون مع الماضي كما كان دون كيشوت يتصارع مع طواحين الهواء, مرفضون بالنسبة للعالم المتحضر, ينظرون إلينا على أننا عالم رابع أو ثالث, عالم بعيد عن الوعي وعن الحضارة, عالم مستبعد من قصة الحضارة, لم نبنِ صرحا فكريا واحدا, نظرتنا لكل شيء فيها الكثير من التخلف, أمة تدعي أنها ستفتح الهند والسند وهي لم تفتح طوال حياتها كتابا واحدا, يقف المؤذنون والخطباء على المنابر وهم يلعنون ويسبون ملابس المرأة المتحضرة وبالرجل المتحضر, يشتمون الفن ولم تعتد أصابع يديهم على لمس لوحة فنية واحدة, لا يميزون بين حرية الفكر وحرية الكفر, عالم ساقط,عالم بلا هوية معاصرة.