عاد أخي من الحرب أخيراً. عاد بعاهةٍ مستديمةٍ لم نعرف بادئ الأمر كيف نتعامل معها. لكنّنا اعتدنا عليها مع الأيّام. علمنا أنّهم حاولوا علاجه. ثمّ قرّروا أن لا جدوى من الاستمرار..
مشكلة أخي أنّه لم يعد مرئيّاً.. كنّا نستدلّ على وجوده من خلال بعض الأصوات التي تصدر عنه أحياناً. وأحياناً أخرى كنّا نشمّ رائحته. وقد نجد آثار قدميه الموحلتين على السجّادة. عادته القديمة التي لم يتخلّ عنها. ألّا يخلع حذاءه عند الباب. هنالك أيضاً دموعه التي تعثر عليها الوالدة على مخدّته جافّةً بيضاء ناعمةً كالملح..
وكنّا قلقين بشأن صحّته..
تقول الوالدة:
– كيف يعيش من لا يأكل؟.. ثمّ إنّه يفرط في التدخين..
وتقترح أن نزوّجه. لكنّ الفكرة مستحيلة طبعاً..
– من المرأة التي تقبل أن تعيش مع رجلٍ معاق؟..
بقي أخي وحيداً.. إلى أن فقدناه ثانيةً..
حدث ذلك يوم تشييع الوالدة..
أقوى الاحتمالات أنّه نزل الحفرة يعانق جثمانها.. ثمّ أهلنا التراب عليه دون أن ننتبه..
إسلام أبو شكير