طارق رمضان متـعدد الأوجـه

عادل جندي
طارق رمضان، الممنوع من الإقامة في فرنسا ودخول الولايات المتحدة، أصبح فجأة محل تبجيل بريطاني فريد: فقد دعته كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد الشهيرة ليحاضر بها. ثم فاجأ وزير الداخلية البريطانية العالم في نهاية أغسطس الماضي بدعوته ليكون عضوا في لجنة، أو مجموعة عمل
(task force)
، مكونة من 13 من المسلمين (قيادات الطائفة وأكاديميون وسياسيون) هدفها “البحث عن طرق لمنع انزلاق الشباب المسلم في بريطانيا نحو التطرف العنفي”. وتقول مصادر الوزارة، طبقا لصحيفة الجارديان (31 أغسطس)، أن رمضان سبق وأن “أعطى محاضرات لقيادات الشرطة البريطانية”. (؟؟)
[لم يكن الحبر قد جف على قرار الوزير، عندما صرح رمضان لمجلة “لوبوان” الفرنسية (عدد 7 سبتمبر)، تعليقا على أنباء رفض الحكومة البريطانية منح يوسف القرضاوي تأشيرة دخول لإلقاء محاضرات في لندن، بقوله “إذا منع بلير يوسف القرضاوي من الدخول.. سنكون كثيرين من بين أعضاء اللجنة الذين سيتساءلون عن جدوى الحوار مع الحكومة البريطانية”] (!!)
وقبل ذلك، كانت جامعة نوتردام الكاثوليكية بالولايات المتحدة قد دعته كمحاضر بها في الفصل الدراسي لخريف 2004 ولكن

الإدارة الأمريكية، بعد تردد، قررت في يوليو من نفس العام إلغاء تأشيرة دخوله، لأنه “يساند النشاطات الإرهابية”.
وقبل ذلك، في نوفمبر 2003 أثناء استضافة التلفزيون الفرنسي لوزير الداخلية ساركوزي في برنامج حواري، حدث أن ألقي هذا سؤالا (عبر وصلة فيديو) على طارق رمضان بشأن مقال (لأخيه هاني) يبرر رجم المرأة. أمام ستة ملايين مشاهد، لم يقل رمضان في إجابته إن كان يرفض مثل هذه العقوبة، لكنه أعلن “أنه شخصيا يدعو إلى عمل “تجميد مؤقت”
(moratorium)
حول تطبيقها”. وبالطبع هاجمه ساركوزي بشدة، مذكرا إياه أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين.
من هو هذا الشخص المثير للجدل والذي هو واحد من الدعاة الإسلاميين الأكثر شعبية في أوروبا؟ هل هو إصلاحي أم سلفي؟ داعية حوار أم صدام؟ داعية اندماج للأقليات الإسلامية في الغرب، أم انعزال؟ هل يساند الإرهاب أم يدينه؟ هل هو “إخواني” أم مستقل وبعيد عنهم؟
ولا بد هنا من العودة إلى الوراء قليلا. (*)
الجذور
انضم سعيد رمضان، والد طارق، إلى الإخوان منذ مطلع شبابه. وما إن حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة في 1946 عن عمر يناهز العشرين، حتى اختاره حسن البنا ليكون سكرتيره الشخصي وهو مايزال شابا يانعا، توسما لصفاته وإعجابا بحماسه وإخلاصه.
بعد قليل، أرسله البنا في مهمة إلى فلسطين بهدف إنشاء فرع للإخوان فيها. قام الملك عبد الله بتعيينه، بناء على توصية من الحاج أمين الحسيني، رئيسا للفرقة العسكرية في القدس لكنه يستقيل بعد شهرين: لعله لم يأت لتقلد عمل وظيفي، بل للقيام برسالة.
[ملحوظة جانبية: أقام الحاج أمين الحسيني في ألمانيا طوال فترة الحرب العالمية الثانية، وكان يطالب المسلمين بالقتال بجانب ألمانيا النازية. وقد شكل فرقتين من مسلمي البوسنة ـ يرتدون ملابس العاصفة النازية ـ كان مهمتهم تنفيذ المذابح ضد السكان الصرب. وكان يعول تماما على هتلر في التخلص من يهود العالم كله. وبعد نهاية الحرب عاونه حسن البنا، صديقُه منذ 1935، على اللجوء السياسي. وبعد ذهابه إلى فلسطين، بدأ سعيد رمضان في مساعدته على تكوين فرق عسكرية لمناهضة اليهود النازحين].
بعد قيام اسرائيل في 1948 رحل سعيد رمضان إلى باكستان، باعتباره سفيرا للبنا، حيث تنتطره مهمة أخرى ذات أهمية خاصة: تمثيل الإخوان في المؤتمر الإسلامي العالمي المنعقد في كراتشي. بل إن اسمه طُرح ليصبح أول أمين عام للمؤتمر، لكن تطرف آرائه أخاف “المعتدلين” منه؛ أو، كما يحب طارق أن يصوغ الأمر، لأن “إصرار” والده سبب خوف “الديبلوماسيين” منه.
لكنه يبقى في الباكستان حيث سيكون له تأثير هائل في الخمسينيات على هذه الدولة الحديثة، وخاصة أثناء مناقشات الدستور. وهكذا أصبحت باكستان، بعد سنوات قليلة من مروره بها، “جمهورية إسلامية”. بل إن “أبو الأعلى المودودي”، الذي صار فيما بعد أحد كبار منظري الجهاد الإرهابي، يشكر سعيد رمضان بشدة على “إيقاظه لوعيه”…
وبعد اغتيال معلمه حسن البنا في 1949 بدأ سعيد رمضان يدرك الدرس (كما يقول طارق عن أبيه)، ألا وهو ضرورة التضحية بكل شيء في سبيل نشر “دعوة الإسلام التحريرية” في كل مكان. يعود لمصر ويصبح من زعماء جماعة الإخوان في سنة 1950 عندما رفع الحظر عنها. وفي خلال سنتين يزداد تطرف الجماعة وتزداد تعبئتها. ويقوم سعيد بتحرير جريدة “المسلمون” الشهرية بالعربية والإنجليزية، وهي التي تصبح عمودا فقريا لبث أيديولوجية الإخوان في العالم: من المغرب إلى اندونيسيا مرورا بفلسطين والسودان والأردن ولبنان والجزائر.
سجنه عبد الناصر ثم أخلى سبيله فسافر إلى القدس، مرة أخرى، في 1954 مع سيد قطب لحضور المؤتمر الإسلامي العالمي بالقدس، حيث انتخب هذه المرة كأمين عام. وبعدها مر بدمشق، حيث أعاد إحياء جريدة “المسلمون”، ثم بالأردن. وبعدها وجد ملجأه الحقيقي في السعودية…حيث يصبح رجل السعودية (والأمريكان) ضد عبد الناصر.
ومع نهاية الخمسينيات، نجح سعيد رمضان في إقناع الأمير فيصل بمساعدته على تكوين سلسلة من المراكز الإسلامية في العواصم الرئيسية بأوروبا بهدف أسلمتها. وهكذا رحل إلى جنيف ليجعل منها في 1958 مقرا له. ثم حصل على دكتوراة في القانون من جامعة كولونيا بالمانيا حول الشريعة، وكون المركز الإسلامي بجنيف في 1961، على بعد خطوات من المقر الأوروبي للامم المتحدة، حيث يصبح مقرا للإخوان المبعدين من مصر. وبعدها فتح في 1964 مراكز لندن وميونيخ، وصار مسئول الإخوان في الخارج. ثم نزعت عنه الجنسية المصرية بعد ثلاث أحكام مؤبد بتهمة الخيانة العظمى.
ولد طارق في 1962 وأمه هي وفاء حسن البنا، التي كان لها دور حاسم في تنشئته وفي حياته. وعندما عاد الشاب طارق لمصر في 1978 بعد تحسن العلاقة بين الإخوان والدولة، كان سعيدا بالعثور على جذوره….
توفي سعيد رمضان في أغسطس 1995، ودفن بمصر، إذ رفضت السعودية دفنه بالمدينة كرغبته.
وتقدم طارق ليرث الرسالة “التي تعود إلى جدي، الذي صنع أبي والذي بدوره صنعني”. ويضع كل جهوده لاستكمل الرسالة، يعينه على القيام بها أخوه الأصغر هاني، بالإضافة إلى الكثيرين من “الإخوة والأخوات” من الجماعة.
إصلاحي أم سلفي؟
يقود طارق رمضان وأتباعُه حملة تسويقية لتقديمه علىأنه “مصلح”، أو باعتباره “مارتن لوثر الإسلام” أوالمفكر الذي سيصلح الإسلام في اتجاه العقل والحداثة بل والعلمانية. ولا يتورع حتى عن أن يوحي بكونه مبعوث العناية الإلهية مذكرا بأن “التقليد النبوي يعلن أن مصلحا سيأتي كل قرن لتجديد فهم المسلمين لدينهم”. لكن سرعان ما نكتشف أن هذا التجديد “ليس للمراجع بل لطريقة قراءتها؛ وهو الذي يجب أن يعطي الديناميكية، وتواؤم التعليم الإسلامي مع العصر”.
واتساقا مع أسلوبه في إعادة تحديد لمعاني التعبيرات بطريقة شبه هوسية بهدف إعطاء معنى شديد الاختلاف وبطريقة معقدة وملتوية، يوشك على إسقاطنا في مطب تعريف “الإصلاح”.
كما هو معروف، هناك تياران رئيسيان في عالم الإسلام اليوم: “الإصلاح الليبرالي” و “الإصلاح السلفي” (الذي يتبناه الإخوان). كلاهما يستند إلى نفس المرجعيات، وأحيانا نفس الآيات، ليصلا إلى نتائج متناقضة تماما، فيما يتعلق بشتى الأمور؛ من علاقة الدين بالسياسة، إلى العلمانية والديموقراطية، والاجتهاد، والدعوة.
ينتمي طارق للتيار الثاني للإصلاح السلفي، على طريق البنا والمودودي وقطب. ولا يتردد في إعلان كراهيته للتيار الأول. فهو يرفض أن يرى الدينَ يتطور إلى إيمان شخصي لا يفرض نفسه على الآخرين، أو إلى إيمان فرائضي يجد فيه المؤمنون عوامل إثراء مشترك وليس بث إيديولوجية معينة. وهو يُدين المعارضين للتفرد الأزيائي (مثل الحجاب) الذي يميز المسلمين عن غيرهم ويصفهم بالخيانة والخضوع للفكر الغربي. ويدين من يعتبرون أن القرآن والسنة لا يمكن أن تكون اليوم المرجعية في مجال التصرفات الشخصية والاجتماعية. ويصف المسلمين الليبراليين (الذين يفهمون الليبرالية بالمعنى الغربي الذي يحبذ العقلانية والتفرد الشخصي) بأنهم “مسلمون… بدون إسلام”.
لكن طارق رمضان لا يحب أن تكون “العناوين” واضحة زيادة عن اللزوم، لذلك يقدم قراءته الخاصة حول اتجاهات الإسلام اليوم، والتي يقسمها كالآتي:
ـ المدرسة التقليدية
ـ التيار التقليدي السلفي
ـ التيار الإصلاحي السلفي
ـ التيار السلفي الحرفي
ـ التيار الإصلاحي الليبرالي
ـ الصوفية.
وبهذا الأسلوب الذي يقسم فيه السلفية إلى ثلاثة تيارات من بين ستة (أو خمسة في الواقع، باستثناء الصوفية) يهدف لتعظيم شأنها مقارنة بالباقين مع اختلاق فروق شَعرية لا وجود لها، أو لمساعدته على أخذ مواقف مختلفة بعض الشيء عن الوهابية أو الطالبانية، تسمح له بأن يصف مواقفه “بالوسطية”، لكن بدون أي توجهات تحديثية حقيقية.
يقول في مقابلة لإذاعة عربية في باريس في نوفمبر 2003: “هناك التيار الإصلاحي العقلاني والتيار السلفي، بمعنى كون السلفي يحاول أن يبقى مخلصا للأصول. أنا أنتمي لهذا التيار، بمعنى أن هناك عددا من المبادئ التي أعتبرها أساسية والتي لا يمكنني كمسلم أن أتنكر لها”.
كلام واضح. ولكنه في فبراير 2004 وأثناء مؤتمر عقد باليونيسكو، حيث هاجمه غالب بن شيخ، الذي ينتمي لتيار الإصلاح الليبرالي، يقول: “أنا لست سلفيا! سلفي يعني حرفي، وأنا لست حرفيا!”
يرى غالب بن شيخ استخدام الشورى والإجماع كوسيلة لإعادة تفسير، بل تجميد أو، إذا لزم إلغاء، بعض الآيات التي تتعارض، مثلا، مع الكرامة الإنسانية كما هي معروفة اليوم. لكن طارق رمضان يعارض هذا التوجه تماما ويعتبره خيانة وردة، ويؤكد على أزلية النص مع نسبية الفهم.
هل هو من الإخوان؟
لا بد هنا من أن نسأل، هل هناك علاقة لطارق رمضان بالإخوان؟
يقول أحيانا أنه ليست له “علاقة عضوية” بالإخوان، وكأنه يلزم الحصول على بطاقة (كارنيه) عضوية من الجماعة ليثبت انتماءه إليها. من ناحية أخرى، وأثناء زيارة له إلى القاهرة في 1998، أكد المرشد العام للجماعة أن “أنشطة طارق وهاني (أخيه) تتماشى بإخلاص مع أفكار الجماعة”.
أفكاره وتوجهاته، كما سنتبين أكثر في بقية هذا المقال، هي إخوانية صرفا، حتى وإن كان “الإخراج” غربيا. وقد ساعده على هذا تربيتُه في بيت بناوي (نسبة للبنا) قح، ونشأته في سويسرا بصورة تجعله يتكلم الفرنسية كأهلها ويتقن الإنجليزية ويفهم عقلية الغرب وأساليبه.
ولطارق علاقات وثيقة مع يوسف ندا، الإخواني الذي ترك مصر في عهد عبد ناصر، وأحد أقرب أصدقاء سعيد رمضان، والذي أسس ورأس “بنك التقوى” في 1988 باعتباره الذراع المالي للإخوان وله فروع في سويسرا والبهاماس وليختنشتين. يرأس يوسف القرضاوي اللجنة الفقهية للبنك الذي شارك في أنشائه “أحمد هيوبير” [وهو سويسري شديد الإعجاب بهتلر، تحول للإسلام (وأصبح أيضا شديد الإعجاب بخوميني!) وعاش في مصر لسنوات أيام عبد الناصر والتقاه كما التقى هناك مع فون ليرز اليد اليمنى السابق لجوبلز. وكان دائما يحكي لأصدقائه أن هتلر كان معجبا بمحمد. وفي سويسرا كان يحاضر حول التقارب الممكن بين الصليب المعقوف والهلال وكان ينفي كونه معاديا للسامية ويقول إنه فقط معاد لليهود، بالضبط كما هو واضح في القرآن]. وقد أوقف البنك نشاطه بعد تحقيقات من السلطات السويسرية، عقب أن وضعته الإدارة الأمريكية على قائمة المنظمات التي تساعد وتمول الإرهاب الإسلامي.
خطاب مزدوج بصورة هيكلية
الكذب والمراوغة هي من صفات العديد من المنظمات “الأخوية” ولكنها كذلك بصورة أوضح في حالة الإخوان، إذ يعترف حسن البنا (كما يقول طارق) أن شيخه في الجماعة الصوفية التي كان يتردد عليها في شبابه دعاه إلى تنمية القدرة على ازدواج الخطاب، أو التقية. وقد انتشر ذلك الأسلوب (ذو الجذور في النصوص المقدسة) بين الشيعة لأسباب تاريخية، ولكنه موجود في كافة الطوائف والجماعات الإسلامية. (فمثلا إذا كان أحد يؤدي مهمة قد تضر بالجماعة، فإن لها أن تنكر أي صلة به. وبالعكس، إذا كان كشف صلة الأخ بالجماعة قد يؤدي لفشل المهمة، فيمكنه تكذيب وجود أي صلات بها. هذه هي القاعدة الذهبية). ويُستخدم الأسلوب اليوم في قلب الديموقراطيات الغربية ليس بسبب الخوف من الانكشاف بل بغرض الاستمرار في التقدم بصورة متخفية لا تثير قلق أحد.
وهكذا يمكن لجمعية مثل “اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا” أن تدين بشدة العمليات الانتحارية في نفس الوقت الذي كان مجلس الفتوى التابع لنفس المنظمة قد أفتى بوضوح بشرعية العمليات..
ازدواج الخطاب إذن هو المفتاح لفهم طارق رمضان.
وفي محاضراته حول حسن البنا يؤكد طارق على مقولة مقولة جده: “للوصول (إلى فرض رؤيته حول حياة المجتمع) لن نبخل بقوانا ولن نفتقد أية وسيلة”. وهي مقولة مرعبة حقا، حتى لو حاول أن يقدم أساليب عمل الإخوان بأفضل صورة ممكنة، إذ أنها تعني أن كل الطرق والوسائل تصلح، في سبيل الوصول إلى الغاية.
الموقف من العنف
عندما يُسأل إن كان مستعدا لإدانة الإرهاب، يأتي رد طارق رمضان سريعا (مثل باقي الإسلاميين): “بالطبع ندين الإرهاب… لكننا مع المقاومة”.
وقد نشر في 3 أكتوبر 2001 مقالا بصحيفة “لوموند” يقول في مطلعه كلاما رئعا يدين فيه تماما عمليات 11 سبتمبر… لكنه سريعا ما يبدأ في إثارة الشكوك حول دور بن لادن والقاعدة ويضيف: “من الضروري أن نضع السؤال الحقيقي: مَن المستفيد من هذه العمليات؟ لا يمكن أن تستفيد منها أي من “القضايا العربية أو الإسلامية”. وبعد ذلك يركز بقية المقال حول فكرة أن الحكومة الأمريكية هي بدون شك المستفيد “كمبرر لحجب الحريات العامة في أمريكا (!) والقيام بحرب صليبية ضد العالم الإسلامي”. ثم يدعو المسلمين وغير المسلمين في العالم إلى “المقاومة معا” (ضد من؟).
عموما كانت تلك من المرات النادرة التي كتب فيها “ليُدين” الإرهاب وإن كانت إدانة ملتوية على طريقته الخاصة. من ناحية أخرى نجده في كتاب “في أصول التجديد الإسلامي” يتحدث عن اغتيال السادات على يد إسلامي باعتبار ذلك “تنفيذا لعقوبة قتل”
(execute)
، ونجده يدعو في أكتوبر 2001 للتعبئة في مساندة الطالبان ضد التهديد الأمريكي بالحرب بعد رفضهم تسليم بن لادن.
وفي حديث له مع مجلة إيطالية في سبتمبر 2004 حول قتل طفل اسرائيلي عمره 8 سنوات على يد الفلسطسنيين يقول: “إن هذا العمل في حد ذاته جدير بالإدانه، لكن يمكن تفهمه في الظروف الحالية.” ويضيف: “مهاجمة المدنيين لا تجوز؛ لكن سياسات الحكومة الأمريكية لا تترك أمام الفلسطينيين اختيارا آخر”.
أما حول رأيه في المجازر التي ارتكبها الإسلاميون في الجزائر فإنه “يلاحظ بعض الأخطاء في ممارسات جبهة الإنقاذ… مثل دعوتهم لأن تلزم المرأة البيت ولا تعمل”؛ ولكنه يسارع بإدانة “القمع الرهيب” الذي تعرضت لها الجماعة، ولا يقول حرفا واحدا عما ارتكبته هي.
في تقرير للقاضي الأسباني جاثون حول أحداث 11 سبتمبر والخلايا الأسبانية الضالعة فيها، تؤكد إدارة الشرطة بالدليل أن أحمد براهيم، أحد مسئولي القاعدة الذين قبض عليهم في أسبانيا، كانت له اتصالات كثيرة وروتينية مع طارق.
وما لا يعرفه الكثيرون أن طارق قام بتنسيق مؤتمر عقد في فندق بنتا بجنيف في أغسطس 1991 بمناسبة زيارة “المجاهد الإسلامي الكبير أيمن الظواهري” وبحضور الشيخ عمر عبد الرحمن. صحيح أن هذا حدث في وقت لم يكن أي منهما مطارَدين من الشرطة السويسرية، لكن سمعة المجاهدَين لم تكن خافية، خصوصا “الدكتور” الظواهري الذي كانت هناك شكوك حول ضلوعه في حادث الاعتداء على مبارك في يونيو، بأديس أبابا.
أما بشأن المركز الإسلامي بجنيف، وبعد الاتهامات المتكررة بكونه معقل “الإسلاميزم” في أوروبا، فإن هاني رمضان (الذي يبدو أنه يتمتع بحس فكاهي متميز) يقول: “إننا نمارس أنشطتنا بشفافية تامة. ونحن لا نفعل أي شيء لا يتماشى مع التزاماتنا الإسلامية”(!!)
و يؤكد طارق بأن جده حسن البنا دعا للجهاد، ولكنه شرح ذلك بتحديده في نطاق “الدفاع الشرعي” أو “مقاومة الظلم”. وهي بالطبع شروط شخصانية تماما تنطبق في أي حالة تقوم فيها عوائق على سبيل تحقيق الإخوان لأهدافهم. ويقول (في “تيارات الفكر الإسلامي المعاصر”) أن الإخوان لا يستخدمون العنف إلا “كآخر وسيلة عندما يقتنعون بأن العنف سيساعد على تحقيق الإيمان والوحدة”.
ويضيف: “وإذا اضطروا لاستخدام القوة (..) سيتحركون بنبل وكبرياء ويتحملون بثقة وهدوء كل تبعات قرارهم”. بمعنى آخر، فالإخوان قد لا يدعون للثورة المسلحة ولكنهم سيكونون “مضطرين للجوء إليها إذا لم ينصاع الآخرون لمطابهم”. هذا إذن ما يسميه طارق بالوضوح الفكري للإخوان المسلمين!
أما حادث اغتيال حسن البنا في 12 فبراير 1949 فإن طارق يرده (في كتاب بالمشاركة مع ألان جريش بعنوان “تساؤلات حول الإسلام”) إلى “مؤامرة بريطانية فرنسية أمريكية” (!)
وهو يعتبر مقاومة الكثيرين لخطط الإخوان “ظلما بينا” ويرى أن راديكالية الإخوان، إن وجدت، لا تعود لأيديولوجيتهم؛ بل هي مجرد رد فعل لمقاومة الآخرين لهم (!!)
مرجعيات التطرف
يستنكر طارق رمضان (في “كاسيت” “الإسلام والعلمانية”) “التشويه” الموجه ضد ابن تيمية (وهو من المرجعيات الرئيسية للإسلاميين المتطرفين) ويرى أن أفكاره “تستند إلى أسلوب عميق التأسيس”. أما صديقه الحميم “يحيى ميشو” (البلجيكي المتحول للإسلام) فقد قال أن عملية قتل الرهبان السبعة في تيبرين بالجزائر عام 1996 هي مبررَة تماما من الناحية القرآنية، بناء على فتوى لابن تيمية، ذلك لأن “هؤلاء الرهبان كانوا يخرجون عن أسوار أديرتهم مما قد يصرف المسلمين عن أمر دينهم”.
أما سيد قطب، وهو أحد كبار المنظرين للجهاد الإرهابي، فإن طارق رمضان لا يتحدث عنه كثيرا، لكنه في نفس السنة (1998) التي قدم فيها أطروحته البحثية حول “الفكر الإصلاحي”، ذهب “للدراسة” في المؤسسة الإسلامية بليشستر بانجلترا، وهي التي تقوم ببث أفكار المودودي وقطب، عبر الدراسات التي تنشرها وخلال مكتبة التوحيد التابعة لها.
ما رأي طارق يا ترى في “العلماء المسلمين الذين يحظرون تماما الموسيقى والسينما والتصوير”؟. إنه لا يستنكر أو يدين مثل هذه الدعاوى، بل فقط يطلب “احترامها وعدم وصف أصحابها بالأصوليين”.
***
ونواصل في مقال قادم محاولة فهم أفكار طارق رمضان حول المواطنة واندماج الوافدين المسلمين في المجتمعات الغربية.

(*)من أفضل الدراسات المنشورة عن طارق رمضان كتاب من تأليف كارولين فوريست، الباحثة الفرنسية في شئون العلمانية والتطرف الديني
(Frère Tariq, 425 pp, Grasset).
يستند هذا المقال إليه كمصدر رئيسي.
نشرت هذه المقالة فى 25 سبتمبر 2005 للمهندس عادل جندى،رئيس منظمة التضامن القبطى السابق

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.