صباح ابراهيم
الفصل الاول
التأثيرات المحليه والعربيه و الدولية التي اوصلت البعث للسلطه
التأثيرات المحلية
حكم العراق الزعيم عبد الكريم قاسم منذ فجر 14تموز عام 1958، بعد ان اطاح بحركة عسكرية بالنظام الملكي في العراق وتحول الى النظام الجمهوري. واثناء مسيرة الحكم ، ساد العراق اضطرابات سياسية بين قيادة الدولة وبين البعثيين والقوميين والشيوعيين. وحدث على أثرها صدامات دموية واعتقالات واعدامات .
التأثيرات العربية
كان لتدخل الدول العربية في شؤون العراق الداخلية ومساندتهم لاطراف معينة بالمال والسلاح والاعلام ، الاثر الكبير في زعزعة الوضع السياسي .
عمل حزب البعث والقوميين والناصريين على زعزعة النظام في العراق بدعم وتشجيع من مصر وقادة البعث في سوريا .
فقد تدخل جمال عبد الناصرفي شؤون العراق من خلال مساندته لبعض الضباط البعثيين والقوميين ومدهم بالمال والسلاح، وتحريضهم للتمرد على عبد الكريم قاسم ، الذي كان يرفض باسناد الحزب الشيوعي والقوى الوطنية الاخرى مطالب الاحزاب البعثية والقومية لعمل الوحدة الاندماجية مع الجمهورية العربية المتحدة، وكان من نتيجة التدخل المصري قيام تمرد عسكري في الموصل بقيادة العقيد عبد الوهاب الشواف الذي تم قمعه عسكريا.
وبعد اربع سنين من حكم عبد الكريم قاسم ، اطاح به زمرة من الضباط البعثيين بالتعاون مع رفيق عبد الكريم قاسم في ثورته العقيد عبد السلام محمدعارف وذلك في 8 شباط عام 1963حيث استولوا على السلطة وقيادة البلد. ان دول الجوارساهمت بفعاليه لمساعدة الانقلابين وخاصة الكويت والاردن والسعوديه ومصر وايران الشاه. لقد كان حقد هذه الدول دفينا على العراق والزعيم الوطني .
وبعد ان اصبح للجناح المتشدد لحزب البعث بقيادة علي صالح السعدي أمين سر القطرنفوذا قويا في العراق من خلال قوات الحرس القومي التابع للحزب حيث بطش في افراد الشعب تعذيبا وقتلا ولكافة العناصر التي تعارض البعث ولاتؤيده وخاصة الشيوعيين، وكان التحقيق مع المعتقلين يتم تحت التعذيب القاسي والوحشي والاعدامات واغتصاب النساء يجرى داخل مقرات حزب البعث ومقرات الحرس القومي .
وبعد ان طفح الكيل، استنجد الشعب برئيس الجمهورية عبد السلام عارف لينقذ البلاد من حكم القتلة والجلادين البعثيين . فانتفض رئيس الجمهورية عبد السلام محمد عارف على زمرة البعثيين رفاق انقلاب 8 شباط واطاح بالجناح المتشدد في الحزب في انقلاب عسكري يوم الثامن عشر من تشرين الثاني عام 1963 بعد ان عاثوا في العراق فسادا وقتلا.
التأثيرات الدولية
بعد موت عبد السلام عارف في حادث مدبر وغامض بسقوط طائرته الهيلوكوبتر واستلام شقيقه عبد الرحمن محمد عارف للسلطة ورئاسة الجمهورية . نشط حزب البعث بكل قواه لاسترداد السلطة وحكم العراق.
ولما كان البعث ورجاله يعادون الشيوعية وحزبها في العراق وينادون بالعروبة والقومية ، فقد استغلت المخابرات البريطانية والامريكية هذا الهدف كي تكسر الشيوعية ونفوذها في العراق من خلال تسهيل تسليم السلطة لحزب يعادي الشيوعية ويقاوم وجودها كي تحارب عدوها الاسترتيجي وهو الاتحاد السوفيتي بمخالب عراقية ، وتبعد تغلغل النفوذ السوفياتي عن منطقة الشرق الاوسط من خلال كسر ممثله الايديولوجي الحزب الشيوعي في العراق.
لهذا فقد جرت اتصالات امريكية بريطانية عبر السفارة العراقية في بيروت، التي زودت الانقلابيين بالمال والسلاح عن طريق السفير العراقي البعثي هناك عميل المخابرات الامريكية الدكتور ناصر الحاني الذي نسق العمل وابدى رغبة الولايات المتحدة الامريكية في مساعدة البعث للوصول للسلطة في بغداد. وبشير الطالب الملحق العسكري في السفارة المذكورة ، والذي سبق أن شغل قيادة الحرس الجمهوري في عهد عبد السلام عارف، حيث تمت الاتصالات بالانقلابيين وتجنيدهم من خلال السعودية .
دور المخابرات الامريكية لايصال البعث للسلطة عام 1963
تلقى حزب البعث العراقي مع أفراد من القوميين العرب الاسناد من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وبمساعدة المخابرات الأمريكية والبريطانية وأفراد من شركات النفط العراقية البريطانية IPC بعقد لقاء سري في المنامة عاصمة البحرين في شهر ديسمبر عام 1962 وحددوا موعد إنقلابهم المشؤوم في الثامن من شهر شباط 1963 ضد الزعيم الوطني المرحوم اللواء الركن عبد الكريم قاسم.
وهنالك الكثير من الأدلة الدامغة بأن وكالة الاستخبارات المركزية وMI6 الاستخبارات البريطانية كانت وراء انقلابي 1963 و1968.
هناك شهادة من الملك حسين أبداها في حديث شخصي منفرد مع محمد حسنين هيكل قال فيها:
” إسمح لي أن أقول لك إن ما جرى في العراق في 8 شباط (فبراير) قد حظي بدعم الإستخبارات الأمريكية، ولا يعرف بعض الذين يحكمون بغداد اليوم هذا الأمر ولكني أعرف الحقيقة. لقد عقدت إجتماعات عديدة بين حزب البعث والإستخبارات الأمريكية، وعقد أهمها في الكويت. أتعرف أن محطة إذاعة سرية تبث إلى العراق كانت تزود يوم 8 شباط (فبراير) رجال الإنقلاب بأسماء وعناوين الشيوعيين هناك للتمكن من إعتقالهم وإعدامهم.”
وتأكيداً لشهادة الملك حسين عن دور السي آي أيه وتعاونه مع التيار القومي في ضرب ثورة 14 تموز، قال الدكتور أحمد عبدالهادي الجلبي :
“… أما تدخل أمريكا الحقيقي الأول في العراق فبدأ في سنة 1962 حينما كلفت وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية (سي أي أيه) من جانب رئيس الولايات المتحدة بمجابهة الإتحاد السوفيتي والحزب الشيوعي في العراق فعملت سي آي أيه بشكل مباشر وبتحالف مع النظام المصري حينها بزعامة جمال عبدالناصر وتعاونت مع حزب البعث العربي الإشتراكي في العراق، خصوصاً كوادر الحزب في القاهرة ومن ضمنهم صدام حسين على تشجيع وتأهيل الحزب لتسلم الحكم. ولازال الكلام للملك حسين حيث قال ايضا :
“ذكر لي أحد مسؤولي ال (سي آي أيه) في فرانكفورت وإسمه جيم كريتشفيلد، وكان مسؤول ال(سي آي أيه) في أوربا أن ال(سي آي أيه) أصدرت بالتعاون مع البعثيين قائمة بأسماء 1700 شخصا تقريباً يجب تصفيتهم لدى قيام أي حركة ضد عبدالكريم قاسم والحزب الشيوعي في العراق. وفعلاً نشرت هذه الأسماء عبر إذاعة سرية للأمريكيين في منطقة الشرق الأوسط” وقام النظام البعثي بتصفيتهم جسديا ، بمجازر وحشية .
اعترف علي صالح السعدي الذي كان القائد السياسي للانقلاب والذي أصبح رئيس الوزراء، وثاني أمين سر لقيادة حزب البعث في العراق بأن الحزب جاء إلى السلطة في انقلاب نظمته وموّلته وكالة الاستخبارات المركزية والبريطانية من أجل تجميد قانون رقم 80، وهو القانون الذي أصدره الجنرال عبد الكريم قاسم في 1961 لاسترداد أكثر من 99.5٪ من الأراضي العراقية من سيطرة شركات النفط العالمية الكبرى وإعادتها إلى السيادة العراقية.
كما أسقط الرئيس عبد الرحمن عارف من السلطة بسبب الاتفاق النفطي المعروف الذي عُقد بين شركة النفط الوطنية العراقية وشركة (إيراب) الفرنسية التي اختفت من الوجود بعد أن ورثتها شركة (توتال) الفرنسية! , فقد وقع العراق في شهر نوفمبر من عام 1967 الاتفاق المشار إليه الأمر الذي شجع الدوائر الغربية للتحرك والإجهاز على حكم عبد الرحمن عارف و تسليم السلطة في العراق لشلة جديدة من المغامرين البعثيين من عملائهم الذين اختطوا طريقا جديدا للعراق تميز بالدم والدموع والمصائب التي لم تنته فصولها لعدة عقود.
أن صالح مهدي عماش كان عميل ال CIA ولعب دوراً كبيراً بهذا الخصوص. فقد تم تجنيده منذ ان كان ملحقاً عسكرياً في السفارة العراقية في واشنطن قبيل الانقلاب البعثي . وعمل العملاء المتسترون على دفع عبد السلام محمد عارف لإستدعائه إلى بغداد بعد الانقلاب مباشرة حيث تم تعيينه مديراً للإستخبارات العسكرية. وتبين فيما بعد أنه كان مرتبطاً بالمخابرات المركزية الإمريكية ويشهد بذلك هاني الفكيكي في كتابه أوكار الهزيمة .
وكذلك سعي بريطانيا وامريكا لايقاف تنامي تحرك المرجعية الدينية ونشاط الحركة الاسلامية العراقية، مما دفع القوى الاستعمارية الى تبني فكرة الانقلاب للحد من هذا الدور لخشيتها من تحول المرجعية الدينية والحركة الاسلامية بفضل مناخ الحرية في عهد عبد الرحمن عارف الى اقوى قوة سياسية مهمة في البلاد. رغم وجود ادلة تفيد بان البعثيين قبل تنفيذ انقلابهم التقوا بممثل عسكري اسرائيلي في لندن طالبين منه عدم ممانعة الاسرائيليين في تنفيذ الانقلاب مقابل تعهدهم بسحب الجيش العراقي من الاردن في وقتها. فقد قالها بصراحة علي صالح السعدي مؤكدا بان حزب البعث العراقي وصل للحكم بقطار امريكي.
كيف وصل البعث للسلطة في العراق في 17 تموزعام 1968
من اهم اسباب انقلاب 17 تموز 1968 هو قطع الطريق عن القوى السياسية المستقلة (خاصة الاسلامية) لمنعها من الوصول الى مستوى من الوجود والفاعلية يهددان النظام القائم وقتها، ذكر الكاتب حامد الحمداني في كتابه اسرار انقلاب 17 تموز ما يلي :
” بعد أن تم للإمبرياليين تأمين اشتراك القادة الثلاثة في الانقلاب طلبوا من النايف الاتصال بالبعثيين ودعوتهم للمشاركة في الانقلاب ، وجد البعثيون فرصتهم الذهبية للعودة إلى الحكم من جديد ، وأعلنوا على الفور استعدادهم للمشاركة في الانقلاب، فقد ورد ذلك على لسان عبد الرحمن عارف ، في حديث له في اسطنبول ، في 18 شباط 1970 ”
وكُشف المؤرخ سعيد أبو ريش معلومات مفصلة في كتاب «الصداقة الوحشية: الغرب والنخبة العربية» (1997) ،[ كيف أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خطّطت عن كثب لجميع مراحل الانقلاب، وكيف لعبت دوراً مركزياً في عملية التطهير اللاحقة للديمقراطيين والشيوعيين المشتبه فيهم بعد الانقلاب]، وقد اعترف هاني الفكيكي، وهو من قيادات حزب البعث، بأن المسؤول الذي دبر الانقلاب وخطط له كان وليام ليكلاند مساعد الملحق العسكري الأميركي في بغداد.
هناك أيضاً العديد من الادعاءات الموثقة أن صدام حسين بدأ العمل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية منذ شبابه وكان يتصل بالسفارة الامريكية بالقاهرة اثناء وجوده في مصرهاربا من حكم الاعدام .
وهكذا تم التخطيط لانقلاب عسكري يقوده حزب البعث برئاسة اللواء احمد حسن البكر ورفاقه من العسكريين والمدنيين من اعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي مثل علي صالح السعدي و صدام حسين التكريتي وحردان التكريتي.
نُفذَ الانقلاب في ليلة السابع عشر من تموز عام 1968. حيث استولى البكر ورفاقه البعثيين على القصر الجمهوري والسلطة في بغداد بمشاركة المقدم عبد الرزاق النايف معاون مدير الاستخبارات العسكرية و آمر الحرس الجمهوري العقيد إبراهيم عبد الرحمن الداود وآمر كتيبة الدبابات الأولى للحرس الجمهوري سعدون غيدان الذين خانوا الامانة وغدروا برئيس الجمهورية الذي استودعهم امانة حمايته وحماية النظام .