صينيون يقاتلون مع «داعش»!

china-one-child-nzيقول صياد السمك النيجيري يانايه غريما، لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه ظل مختبئا في حفرة تحت أوراق الشجر لثلاثة أيام، ومقاتلو «بوكو حرام» يعيثون في قريته «باغا» تدميرا وحرائق. كان يسمعهم ليلا يتبادلون «النكات» عما اقترفته أيديهم. وعندما اقتربت الحرائق من بيته خرج من مخبئه ليلا وظل يركض في الاتجاه المعاكس للهجوم. يقول: «على طول 5 كيلومترات كنت أركض على الجثث».

هجوم «بوكو حرام» هذا وقع في 3 يناير (كانون الثاني) الحالي. المؤلم أن قليلين في العالم سمعوا صوت غريما، فهو أفريقي. أوروبا تدمع، أما أفريقيا فتنزف. ثم وقعت مجزرة «شارلي إيبدو» في باريس، وشعر العالم كله بأنه صار على فوهة بركان الإرهاب. شقيقان من تنظيم القاعدة، والمتواطئ الثالث من تنظيم داعش. وقع ذلك يومي الأربعاء والجمعة الماضيين، ومساء السبت بثت إذاعة الـ«بي بي سي» باللغة الإنجليزية ضمن برنامج «الدولة الإسلامية: الوحشية والبيروقراطية» مقابلة مع من أطلقت عليه اسم «أيمن الدين»، الذي انضم إلى «القاعدة» عام 1997، ثم سقطت كل أحلامه عندما خاضت «القاعدة» غمار الإرهاب.
خطورة ما قاله «أيمن الدين» تجعله يستحق أن يُنشر ويعمم، خصوصا أنه مستمر في اتصالاته مع قادة في «داعش» عبر «الواتس أب». بالنسبة إلى التجنيد والسلاح والمال «داعش» أقوى بمائة ضعف عما كانت عليه «القاعدة». أحد أصدقاء «أيمن الدين» قاض في إحدى محاكم «داعش» الشرعية في الرقة، في الثلاثينات من العمر ويفخر بأنه أصدر 34 حكما بقطع الرأس، والصلب والجلد.
يعكس هذا القاضي سلطة ظالمة تحررت من كل مسؤولية من خلال تفسيرها الخاص للآيات القرآنية. هناك شعور عند متشددي «داعش»، يمكن وصفه بالنخبوية الانعزالية التي تحرر اضطرابهم العقلي. هناك الكثير من المضطربين عقليا، وما يمنعهم من إيذاء الآخرين هو الضمير والإحساس بالذنب، لكن في حالة هؤلاء المتشددين، كما يقول «أيمن الدين»، فإذا قيل لهم إن بإمكانهم قطع الرؤوس، وقتل الأعداء، وإحراق القرى، أثناء خدمتهم للقضية، فإن «الله سيكافئكم في الحياة الآخرة». إن هذه الوعود تصنع العجائب في تحرير هؤلاء من أي شعور بالذنب.
يقول «أيمن الدين»، لهذا لا يرى هؤلاء أنفسهم جزءا من هذا العالم، بل من عالم جديد أكثر «نقاء». يروي حوارا جرى بينه وبين القاضي حول تكفير واعتبار كل من لا يقدم لهم البيعة عدوا يجب قتله. سأله: «هل تقصد أن تقول إن 50 إلى 60 ألف مسلم على حق، وإن مليار ونصف المليار مسلم على خطأ؟»، فكان الجواب صاعقا حيث قال: «تذكّر أن الله أباد كل البشرية من أجل 12 مؤمنا مع النبي نوح (عليه السلام)، ووضعهم في السفينة. نحن السفينة للبقاء». ثم أضاف: «إن الله أعطانا مثلا لنتبعه».
هذا التفكير مخيف، ويؤكد أن «داعش» إذا ما حصل على قدرات طائلة أو حصل في المستقبل على سلاح كيماوي أو نووي فإنه سيستعمله من غير تردد.
المتعصبون في «داعش» تشدهم «الرؤى الرهيبة». هناك نبوءات تتحدث عن أفغانستان، وجيوش التشدد في اليمن والعراق وشمال أفريقيا وأخيرا سوريا، لهذا يوجدون في كل هذه الأماكن، إنما تبقى سوريا هي الأهم في النضال، وهي جوهرة التاج للحركات المتشددة، إذ حسب اعتقادهم فيها ستدور المعركة الحاسمة التي تمهد لإقامة الخلافة. هذا الاعتقاد جعلهم يستعدون لسوريا، ورأوا في بداية الأحداث هناك أن «يد الله» تمهد الطريق لهم، لذلك كان تدفق المقاتلين الأجانب على سوريا، وكان أول ما أرادوه إقامة الخلافة، لذلك انقسموا عن «القاعدة».
جذور تنمية فكرة الخلافة تعود إلى أبو مصعب الزرقاوي، الذي قاد «القاعدة» في العراق وتسبب في أسوأ المعارك المذهبية. عام 2006 جاء مقتله إنما بعدما كان وضع أسس الخلافة. يقول «أيمن الدين» إن مئات الملايين من الدولارات سرقت من المصرف المركزي في بغداد. وحملها نقدا قصي وعدي ابنا صدام حسين، لكن أثناء هربهما اعترضهما رجال الزرقاوي. لم يستعملوا المال لشراء الأسلحة، بل ليكونوا رجال أعمال شرعيين، فاشتروا المقاهي والمطاعم ومحلات الجزارة والخياطة وكل المحلات القريبة من مراكز حكومية وعسكرية وأمنية من أجل التجسس وتجنيد موظفين من هذه المراكز. تخطيطهم هذا ساعدهم على الهجوم على سجن «أبو غريب» عام 2013 وتحرير 2500 متشدد، كذلك حرروا مساجين من سجون أخرى ممتدة من الموصل حتى الرمادي.
يضيف: «لا يمكن احتلال ربع العراق وثلث سوريا من دون بنية تحتية صلبة من التمويل والاستخبارات. شبكة أعمال (داعش) تشمل الآن حقول نفط تنتج الوقود للاستهلاك المحلي وللبيع في السوق السوداء. لكن الأمر يتطلب خبراء فنيين في خدمة (دولة داعش) ».
بعد الإطاحة بصدام حسين، اتخذت الإدارة الأميركية آنذاك قرارا كارثيا بحل الجيش العراقي، وطرد كل موظفي الحكومة، وبدأت الأحزاب الجديدة التي شكلت حكومات أعوام 2004 و2005 تطرد أساتذة الجامعات من كل اختصاص لأنهم كانوا بعثيين. صاروا بحاجة للمال والانتقام وصار لـ«دولة داعش» طاقم قوي من المهندسين النفطيين والمخططين الماليين والأطباء ورجال الأعمال. كبار بعثيي صدام حسين هم الآن أساسيون في «دولة داعش» التي «تحكم 8.5 مليون نسمة» بقيادة أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه الخليفة.
وحشية البغدادي قزّمت أعمال كل من سبقه، ومع ذلك فإن المتشددين تواقون لاتباعه. هناك 20 ألفا جاءوا من الخارج إلى سوريا والعراق من عدد كبير من الدول العربية والأجنبية. وحسب «أيمن الدين» فإن الهدف تقوية الصفوف وإثبات أن «دولة داعش» إسلامية وليست عربية أو أي صفة أخرى. إنما يشكل العراقيون والسوريون الكتلة الأكبر من المقاتلين يليهم خليجيون وتوانسة ومصريون وأتراك، وهناك أيضا مسلمون صينيون.
عن هؤلاء يقول «أيمن الدين»: «هناك المئات منهم توجهوا من تركيا التي استوعبت نحو 400 ألف مسلم صيني هربوا في نهاية الخمسينات من مقاطعة سنجانغ، ولا يزال (الأويغور) يلجأون حتى الآن إلى تركيا. بالنسبة إليهم الصين تريد الاستثمار في النفط العراقي، ثم يهمهم اكتساب التدريب والخبرات العسكرية كي ينقلوا التشدد لاحقا إلى الصين».
هؤلاء المجندون مهمون لدولة «داعش»، لأنهم يوفرون التمويل الخارجي عبر نظام يدعى «تجهيز الغازي». هذا النظام دعم المجموعات المتشددة طوال العقود الثلاثة الماضية. لأن كل متشدد على وشك الخروج يحمل إضافة إلى مال التجهيز تبرعات بنحو 10 آلاف دولار يقدمها لقادة «داعش» لدى وصوله. فإذا وصل إلى «داعش» كل شهر ألف متطوع يحملون هذا المبلغ فهذا يعني 10 ملايين دولار، وخلال عام 120 مليون دولار.
أثارت العالم السرعة التي سيطر بها «داعش» على مناطق واسعة وحافظ عليها. نشر التنظيم شبكات من رجال الأعمال يعملون سرا في العراق، وهناك شبكات أخرى في تركيا حيث أقام «داعش» عدة شركات فيها لاستيراد أسرّة للمستشفيات ومعدات طبية وأدوية. ثم هناك، حسب «أيمن الدين»، الكثير من المتعاطفين الأتراك مع «داعش»، وإلى حد ما في الأردن وفي كردستان العراق، وأغلب هؤلاء يمارسون التجارة من استيراد وتصدير.
يبدو أن الحكومة التركية غير فعالة في مقاتلة «داعش»، يقول «أيمن الدين»: «لا أحد مستعد لأن يهب لنجدة تركيا عندما ستواجه تبعات تفكيك مصادر تمويل (داعش)، ولأن (داعش) يمكنه وبسهولة شن حملة إرهاب في تركيا تضرب السياحة وتعرض الاقتصاد التركي لانهيار رهيب الوقع».
على الرغم من البشاعات التي ترتكبها «دولة داعش»، هناك من يصمت على أساس أن معتقداتها دينية، لذلك يقول «أيمن الدين»: «يجب مواجهة هؤلاء وكشف زيفهم. يجب أن نكشفهم آيديولوجيًا ودينيًا. إذا ظل التركيز على الجبهة العسكرية، وتم نسيان أن هناك معركة توضيح ديني يجب تحقيق الانتصار فيها، ليس فقط باللغة العربية، بل أيضا باللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية وحتى الصينية، فلا أمل للحملة العسكرية التي إذا قتلت 7 اليوم يأتي مكانهم في اليوم التالي 14»!
نقلا عن الشرق الاوسط

About هدى الحسيني

كاتبة صحفية ومحللة سياسية الشرق الاوسط
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.