حينما ننصب أنفسنا قضاة وديانين ندين الناس بما ليس لنا به علم تضيع فورا من أمامنا فرصة صناعة السلام بين الأفراد والجماعات,. لأننا سنحارب ونقاتل ونسجن ونحتكر ونطغى ونحكم بالحديد والنار اعتقادا منا بأن الله أعطانا رخصة بذلك ,أما حينما نترك الخلق للخالق ونؤجل إدانة الناس فإن السلام سينتشر بين الأفراد والجماعات وسيأخذ كل إنسان حريته في العمل والقول ,وستنمو المجتمعات وتزدهر الأفكار في العقول كما تزدهر الورود في البساتين والحقول والجنائن والحدائق, وبما أن معيار الأخلاق غير ثابت فإن الحقيقة أيضا غير ثابتة ولا أحد منا يعرف الحقيقة فنحن أيضا لا نستطيع أن نقول عن أنفسنا بأننا نملك الحقيقة المطلقة كما يحدث هذا في الديانة الإسلامية , فبسبب هذه النظرة للحقيقة نتعارض مع جيراننا وأبنائنا في الأفكار والمعتقدات وتدب الخلافات وينتشر الحرب محل السلام, أما في الديانة المسيحية فالموضوع عكس كل هذا حيث الرب هو وحده من يدين الناس وليس الناس.
ربما من وجهة نظري وهذا مؤكدٌ وهو أن قدرة الديانة المسيحية على صناعة السلام هي أكثر من قدرة الديانة الإسلامية على صناعة السلام بشكل عام,وهذا يرجع إلى طبيعة علاقة الإنسان بالله وأن الفرق بين الديانة الإسلامية والديانة المسيحية يكمن في عمق الجوهر للعلاقة القائمة ما بين الإنسان من جهة وما بين الله من جهةٍ أخرى, فمثلا في الديانة المسيحية دائما ما يكون الرب حاضرا مع الإنسان أينما ذهب وأينما جلس وأينما حل, ومعه حتى لو أخطأ لهذا تتفاهم الأفراد والجماعات فيما بينهم على أمور تخص الفكر والعقيدة ويترك كافة المسيحيين الإنسان وشأنه مع الله فلا نسمع مثلا بأن مسيحيا أقام الحد على مسيحي آخر بتهمة الهرطقة أو الكفر بما يستوجب قتله,وقد تحدث عكس هذه الأمور في الديانة المسيحية ولكن بنسبة ضئيلة جدا جدا بينما نجدها في الديانة الإسلامية شائعة جدا في البيوت والمؤسسات والمساجد والحكومات وهذا يوفر شكلا حادا للاستثمار في القتل والتعذيب وتهجير الآمنين في مساكنهم ولكن في الديانة المسيحية على الأغلب يُترك الخلق للخالق فلا تتدخل الكنيسة في الفرد المسيحي حتى لو ترك ديانته,وربما يحدث هذا على الصعيد الفردي بشكل ضئيل جدا ولكنه ليس مستفحلا كما هو في الإسلام, ومهما اختلف المسيحيون في داخل الأسرة الواحدة فكريا وعقائديا ومذهبيا فهذا لا يؤدي بينهم في الوقت الراهن لإشعال الحروب كما هو في الديانة الإسلامية حيث الاختلاف في الرأي يؤدي إلى إشعال معركة ليس لها أول وليس لها آخر.
وفي الديانة الإسلامية الإنسان هو الذي يمشي مع الله ويرى بأن مزاج الله نفس مزاجه فتأتي أحكام الله الشرعية مطابقة لمزاج الإنسان في العقائد والأفكار والمعتقدات, وإدانة أي إنسان بالكفر أو بالزندقة في الديانة الإسلامية تأتي بشكل سريع جدا وبدون أي لحظة تأني أو تفكير وهذا بعكس ما يحدث في الديانة المسيحية لذلك في الديانة الإسلامية تضيع بسرعة فرصة السلام بين الأفراد وبين الجماعات بينما نجدها على عكس ذلك في الديانة المسيحية حيث دائما فرصة السلام مشروعة وقابلة للنمو بسبب التسامح الديني وبسبب العلاقة القائمة بين الله وبين الإنسان بحيث تكون العلاقة واضحة جدا وهي أن الله هو الذي يكون حاضرا مع الإنسان, وهنا عملية القبول والرفض فالرب في الديانة المسيحية يتقبل الإنسان مهما أخذنا عن هذا الإنسان الأفكار السيئة, فالذي نعتقد بأنه شرير ربما انه ليس شريرا البتة,وهذا جوهر عميق في الديانة المسيحية وهو يؤسس للسلام مباشرة, وهذه وجهة نظر الإنسان فقط لا غير, لذلك نفاجئ جدا حين نجد الرب في الديانة المسيحية ينعم على الأشرار الذين نعتقد بأنهم أشرارا فربما أن للرب وجهة نظر أخرى غير تلك التي نعتقدها نحن , لذلك في الإسلام نظرة متسرعة عن الذنوب والخطايا وأحكاما مستغربة ومدهشة وصناعة السلام نادرا ما تنجح في الديانة الإسلامية, وما الإرهاب الذي نشاهده على أيدي الجماعات الإسلامية إلا بسبب تلك النظرة المستعجلة والغبية, فتلك الجماعات لديها اعتقادات أنك أنت شرير أو عاصي أو خارج عن الملة أو كافر أو زنديق أو منحل أخلاقيا لذلك فورا يبدءون بإعلان الحرب الضروس عليك مباشرة وتتكاثر الأعمال الحربية ويحل الحرب محل السلام والعداء محل التفاهم والشر محل الخير بسبب وجهات نظر مستعجلة جدا لم تتريث أبدا, فنظرة المسلم العادي للناس أيضا نظرة مستعجلة تنبع من سذاجة وبساطة المسلمين الذين ينظرون لك كونك مختلف معهم في الرأي على أساس أنك عدو الله, في حين أنك في الديانة المسيحية لست عدوا لله فلا يدينك لا القس ولا المسيحي ويؤجلون عملية إدانتك للديان الذي هو وحده العالم بالحقيقة, أما في الديانة الإسلامية فالمسلم ينصب من نفسه ديانا يدين الناس ويقاتلهم ويتهجم عليهم ويعاديهم ويحاربهم ويعتقد بأن مزاج الله الفكري هو نفس مزاجه ,يدينك المسلم فورا لمجرد الاختلاف في وجهات النظر, لذلك الديانة المسيحية أقدر على حمل لواء السلام وصناعة السلام من الديانة الإسلامية.