“كل فكرة عقلانية تخلق عقلانية البديل”
الحياة صراع الفكرة بين العقل و المنطق و اللامعقول و المنقول. السؤال المحير, هل صنع الإنسان ألغيب أم الغيب ورث فكرى مجهول؟ أو ورث”جينى” تكوينى منقول فى القديم؟ و لهذا اليوم عندما نبحث عن سر الخلق و فى المحنة ينظر اللإنسان الى السماء, لماذا؟! حركة فطرية أو جذور تكوينية منقولة.
كان العرب قبل ينظرون للسماء و هو شكل من أهم أشكال العبادة ينظرون الى الأجرام و يتلون دعائهم و صلاتهم , لقد كان العرب يعبدون (الزهرة) كوكب الزهرة علماً بأن كوكب الزهرة يدور من الشرق الى الغرب و بقية الكواكب تدور من الغرب الى الشرق. و بالرجوع بالتاريخ آلاف السنين نجد فى أدبيات السومريين فى الملاحم و الحكايات و التراتيل صور الفلسفة و اللاهوت فى الألف الثالث قبل الميلاد وضعت للسكونيات . يعتقد السومريين ان اهم وحدتين يتركب منهما الكون هما السماء و الأرض و تستخدم كلمة سماء-أرض فى السومرية “آن – كى” و بينهما روح و خواصها الحركة و الانتشار و هى تقابل ما نعرفه بالغلاف الجوى. و معتقدهم يدل على ان الأجرام السماوية كالشمس و القمر و الكواكب و النجوم كلها مصنوعة من مادة هذا الغلاف و مزودة بالنور, و الأرض و السماء محاطة ببحر خضم لا نهاية له, و أن الكون ثابت فى هذا الخضم. و يعتقدون بأن بعد انفصال السماء عن الأرض و تشكيل الأجرام السماوية, خلقت الحياة على الأرض.
إن خالق هذا الكون حسب الوثائق السومرية يقود اللاهوتيين. السومريين يعتقدون بمجموعة من الآلهة شبيهة بالإنسان و لكنها تمتلك صفتى الخلود و التفوق و لا ترى بالعين و تلك الآلهة تقود الكون و تدبره ضمن قوانين معلومة. و كل إله له خاصية و مسئولية عن إدارة جزء من هذا الكون, و الآلهة هم: إله السماء, إله الأرض, إله الهواء, و إله البحر و كلها تعمل تحت إمارة إله واحد كبير يشرف عليهم و ينظم اعمالهم.
و هذه النظرية قائمة على نظرية عقلانية ( كيف تدار الحياة المدنية و المعابد و القصور و الحقول من قبل إناس مختلفين و لكنهم تحت إمارة ملك واحد و لولاهم لكانت الأرض خراباً) و فكرة الخلود للآلهة تعكس حكمة البقاء, فموت احدهم يعنى خراب الكون!
إنما كيفية الخلق, يقول السومريون ان الملك يستطيع إنجاز اى عمل يريده بأمر منه و كلمة ينطقها. فالقاعدة و التى اصبحت سارية فى البلاد القديمة هى قاعدة الكلمة السماوية ذات القوة الخلاقة و لهذا إذا ارادت تلك الآلهة خلق مخلوقات جديدة فعليها وضع خطة و تنطق بكلمة و تعطى اسما و بعدها يكون الخلق ” كن فيكون”
لقد عرف اللاهوت و الخلق و الآلهة من خلال الوثائق الفلسفية و العمال الأدبية كالميثولوجيا و الملاحم و التراتيل.
مما لا شك فيه لكل قاعدة اساسها و لكل اساس قاعدة. فالفكرة تولد من خضم التأمل, التحكم و الحكمة و الرؤية ( الذهن المفتوح) و هذه اساس الفكرة, فإذا كان الذهن محدود أو مغلق لا تظهر الفكرة و إنما تورث الفكرة, و الفكر الموروث لا يخلق نقيضه أو الأفكار الأخرى المتصارعة معه و إنما هو فكر استسلامى خنوع محدد و محدود يتقوقع و مع مرور الزمن يعله الصدأ و يشكل الطبقة الثانية للفكر و هكذا فى كل أربعة اجيال تطفو على سطحه غلاف جديد يغطى القديم و يصبح الفكر الأول محاط بأكثر من غلاف متحكم به, فيموت الأول و يصلنا الجديد الذى به شيء من الماضى و ليس كل الماضى حتى يصبح قوقعة و تُسَكِر على نفسها و تموت و يبقى الإنسان حبيس فكرة القوقعة فيتقوقع و يموت فكرياً و يبقى جسدياً فقط.
لكى يستمر تدفق الحياة و التغيير نحتاج لفكر التغيير “ثقافة الحيوية” الفكر المتجدد فكرة تخلق فكرة و فكرة تخلق نقيضها كأنها تحرك البديل و تطلقه لكى تستمر الفكرة الأولى بالبقاء فى استمرارية الولادة كما يحدث فى الحياة البشرية, فالفكر هو جزء من الإنسان يقع فى مكان محدد هو العقل و الفوائد الذى يُطرِب الفكر القاسى و يلاطفه لكى لا نتحول لمجرد فكرة جامدة البنية التحتية لا تخلق البنية الفوقية بدون لمسة انسانية لكى لا نخلق فكر الجمود و القساوة و هى تضر فى الأخلاقية الجمالية الحسية للفكر الإنسانى الذى اهم خواصه الرقة الجمالية و الحسية الإنسانية, فالإنسان ليس آلة مجردة, فالإنسان آلة حسية جمالية و لا اصبح هذا الكون مقيت!
إذاً لكى نحصل على الحقيقة, نحن نحتاج, أعنى البشر الى اللاهوت العقلى المنطقى الحسى الجمالى, فالعقل يقتل الجمال و اللاهوت المجرد يقتل العقل و يبقى الإحساس الوردى المداعب للقلب و الروح و لا عقل فيه فنصبح كائنات هلامية يتوقف فيها الزمن و يسبقنا الآخرين …
و هذا الذى خلقناه هو ثقافة المجاملة و الالتفاف على الحقائق التى ادت لثقافة التملق التى ادت لثقافى النفاق و هى الثقافى السائدة اليوم “ثقافة الكلام” الكلام من اجل الكلام, ثقافة النفاق يعنى ثقافة الكذب و هى الثقافة السائدة اليوم و التى تتعاطها مجاميع المنطقة الجغرافية المسماة بالشرق الأوسط و كذلك المنطقة الغيبية التى تسمى حالياً بالأديان المتحابة المتقاتلة ((فكر الحب القاتل)).
و نعود من جديد بعد سرد بسيط لظروف و خلفية صناعة الفكرة المنطق و دوران الأشياء, نحن أمام حقيقة واحدة: فكر جامد غير متجدد و فكر نابض بخلق دورة الحياة.
النمطية الفكرية:
فكرة تخلق فكرة, الأولى تولد من الأولى, و الثانية تولد من الثانية و تخلق النقيض و ذلك بسبب اختلاف الزمن و الاقتصاد و الإدراك الجديد للإنسان, فالجيل الثانى من الفكرة يرتد ليلغى الفكرة الأم لكى يتربع على عرش جديد لمدة من الزمن حتى يهرم و يموت مثل الكائن البشرى (ولادة, رحلة, فموت) و كذلك هى اللأفكار تولد, تخلق, تتقاتل تصنع المارد الذى يلغى الأول, و الشيء الجميل هو ان ذلك المارد من مكون المتوفى!
و كمثال فى هذه الحياة نشأت احزاب سياسية كثيرة عالمية و قومية و قطرية و سقطت كلها بسبب فكرة البديل, لقد سقط الإتحاد السوفيتى بالكامل ليس لأنه نظام دكتاتورى أو تسلطى, فالديكتاتور و التسلطية القمعية تقع فى كل جسد انسانى ونحن نمارسه فى حياتنا اليومية مع المحيطين بنا تحت عنوان المحبة احياناً.
o إنما ما اسقط كل الأمم هى الفكرة (الاقتصادية) القاتلة التى صنعتها النظرية الفكرية و تبنى النظرية من قِبَل الحزب و الدولة, فالذى اسقط الدولة الروسية الاشتراكية هى منظومة الفكرة الاشتراكية فالشعوب لا تأكل الكتب و إنما الطعام, فلقد فشلت تلك الأنظمة فى امتحان “المعدة” و الجيب و هى لا تختلف عن الأنظمة الرأسمالية التى سوف تفشل هى كذلك فى نفس الامتحان باختلاف الأنماط السلوكية, ففى الاشتراكية المعدة خاوية و فى الرأسمالية الجيب خاوى و لكن يحافظ على البطاقة البلاستيكية المسماة (الدين بالأجل)
– Credit Card
و الدفع مستحيل, بطاقة الإئتمان الشراء و الدفع المؤجل.
o أما الفكرة السياسية قامت على (ثقافة الخوف بين الحاكم و المحكوم) فى العالم. و هذه الفكرة تسلى بها الحاكم كثيراً فى مجتمعاتنا العالمية فى القرنين ألماضيين خصوصاً, فالمحكوم يخاف الحاكم, و الحاكم يُخَوِف المحكوم و علاقتهم كراهية و ليست حباً, فنحن لا نحب من يُخَوِفَنا و هذه الفكرة انقلبت على نفسها, صنعها الحاكم وسقط فى الهاوية, فالخوف فى الجيل الثانى تمكن من الحاكم و أصبح يخاف شعبه فعاش هو فكرته التى صنعها, ففكرة ولدت حالة خطرة فى الجيل الثانى من الفكرة فقتلته.
o و كذلك ثقافة احترام الكبير لكبر سنه و المتدين لدينه (ثقافة احترام) – فكرة الاحترام الزائفة. عندما نحترم الكبير و نخشاه لكبر سنه و ليس لعقله و المتدين نخشاه لدينه و ليس لخُلُقَه ثم اعطيناهم ميزة علوية للاحترام و هكذا اصبحوا لا يحترموننا و نجبر على طاعتهم و هذا وَلَد فى الجيل الثانى فكرة الكراهية, فنحن نحترمهم و هم لا يحترمون خصوصياتنا, علينا طاعة قوانينهم و اكثرها استبدادية و هكذا فى الجيل الثانى للفكرة, سقطت الفكرة.
كل هذه الأفكار, الإقتصاد, السياسة و احترام الشخوص صور من افكار تنقلب ضد نفسها.
أما إذا تجولنا فى الذات البشرية حيث حب الكبير و العطف على الصغير, الطفولة و كبار السن و مد يد العون للمرأة و خصوصاً الأم فهى افكار انسانية لا تنقلب فكرتها دوماً و إنما الذى ينقلب ضدها هو الفكر السالب او المتفكك للجيل الثانى, وهذا نسبية و نمطية لكون وجوب أن يكون للأفكار قاعدة و خروج عن تلك القاعدة و هنا الخروج هو ليس خروج بقدر تدفق شلال الأخلاق الإنسانى بدون مصالح بشرية, فحب الطفل و الكبير و الأم غرسة تُوَلِد غرس لا تنتهى. إذن فى الأفكار الاستثنائية و الاستثنائية هى قاعدة للفكرة الأولى لعدم وجود الحالة الشاملة أو ألشمولية أو الفكرة امتكاملة.
نلخص الفكرة:
ولادة –> (مساحة من الزمن) –> ولادة فكرة –> (مساحة من الزمن) –> الفكرة الجديدة تنقلب و تردد بسبب العامل الزمنى الإقتصادى السياسى و الدينى و الجمالى.
فعندما نصنع الأفكار ننسى ثغرة قاتلة, و لهذا لا تصنعوا الموت قبل الولادة.