جوجل يرهبني

السبب وراء كتابة هذا المقال هو ورود انباء عن ان جوجل تريد ان تمكن  المستخدم من توريث ملفاته, وتمكين المحامين من الدخول الى الملفات لموكيلهيم  وتمليكها الى الورثة؟

قد يقول قائل وما المشكلة؟

المشكلة ببساطة بأنه في نهاية الامر هناك جهة معينة وحيدة وهي جوجل, ستمتلك لديها معلومات هائلة عن الناس وهذا بحد ذاته خطر وإرهاب على الناس, وذلك عندما يكون هناك جهة ما لديها هذا الكم الهائل من المعلومات عن الناس؟

الذي يمتلك معلومات عن الآخرين فهو يمتلك قوة هائلة, لأنه يستطيع أن يستخدم هذه المعلومات ضد الآخرين ويبيدهم أو يلحق بهم الكثير من الأذى في اي وقت يريده وعن بعد, ولكي نوضح اهمية المعلومات, نورد هنا احد الأمثلة البسيطة عن قوة المعلومات وذلك على سبيل المثال لا الحصر, فقد علم الموساد الاسرائيلي بأن وديع حداد, مؤسس حزب القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, كان لديه شغف بالشوكولاته البلجيكية التي كان من الصعب الحصول عليها انذاك في بغداد مقر اقامته, فقام خبراء الموساد بادخال مادة سامة بيولوجية تعمل ببطء إلى كمية من الشوكولاته البلجيكية، وارسلوها إلى وديع حداد بواسطة عميل عراقي رفيع المستوى لدى عودة هذا العميل من أوروبا إلى العراق, واعترفت الموساد إلى ان عملية التصفية الجسدية هذه “كانت أول عملية تصفية بيولوجية” نفذتها إسرائيل.

محرك البحث غوغول يمتلك معلومات هائلة عن الناس في كل انحاء العالم, فهو يستطيع ان يجمع ويحلل المعلومات الموجودة على كامل شبكة النت, ومنها المعلومات المتواجدة على مواقع التواصل الاجتماعية مثل الفيسبوك والتويتر والايميلات الشخصية, ويستطيع ان يربط بين هذه المعلومات, ومع اماكن تواجد اصحابها من خلال جغرافية تواجد عقد الارتباط بين نقاط الشبكة العنكبوتية, وارتباطها بالأقمار الصناعية عن طريق ال( جي بي إس) والاتصالات الخيليوية وارقام هواتفها, ويستطيع ان يستنتج معلومات اضافية منطقية من خلال تحليل وربط المعلومات المتوفرة لديه, وذلك من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي الرفيعة المستوى مثل برامج التفكير (ريزونينج). 

Reasoning 

ولكي نعرف قوة برامج جوجل في التحليل والتفكير فيكفي ان نقول بأن وكالة المخابرات المركزية الاميركية تستعين بخدمات جوجل لانها اكثر تطورا من حيث كمية المعلومات والبرامج المتطورة في معالجتها من مثيلاتها في المخابرات الاميركية نفسها. 

تتميز شركة غوغل بأبنية ضخمة من الذاكرات الالكترونية ذات السعات الخيالية, تديرها جيوش من المايكروبروسسرات, وتتحكم بها اعقد البرامج التقنية الرفيعة المستوى.

لنعطي مثال بسيط للقارئ العزيز على برمجيات انظمة التفكير 

كاتب المقال عمل على برامج أنظمة التفكير وقام بتدريس برامج التفكير كمادة في كلية الهندسة الالكترونية بجامعة دمشق سنة 1995 لطلاب الدراسات العليا وسأحاول اعطاء مثالاً  مبسطاُ عن أنظمة التفكير.

أنطمة التفكير هي بالنهاية البرامج المتطورة والتي تمكن الكومبيوتر من التفكير والتحليل والاستنتاج والاستدلال بطريقة مشابهة لتفكير الإنسان.

الانسان لديه فطرة بالتفكير والتحليل, فعندما تأتي معلومة للإنسان, مثلاً, بأن فلان1 هو ابن عم فلان2, فهو يستطيع ان يقوم بالاستنتاجات التالية:

أن والد فلان1 هو أخو والد فلان 2

وأن جد وجدة فلان 1 وفلان 2 هم نفس الزوج والزوجة

أما الكومبيوتر فلا يستطيع ان يستنتج مثل هذه المعلومات, لذلك تم تطوير برامج التفكير  بحيث انه عندما ترد للكومبيوتر معلومة تقول بأن فلان1 هو ابن عم فلان2 تقوم انظمة التفكير بإضافة المعلومات التالية اتوماتيكيا الى ملف فلان1 وفلان2

اولا: تربط والد فلان1 ووالد فلان2 بعلاقة اخوة وتضيف هذه المعلومة الى بنك المعلومات لديها لاستخدامها لاحقا في التفكير واستنتاج المزيد من المعلومات والتي تضاف بدورها ايضا الى بنك المعلومات

ثانياً: تربط  أب وأم والد فلان1 ويصبح ايضاً أب وأم لوالد فلان2 وتضيف هذه المعلومة الى بنك المعلومات لديها لاستخدامها لاحقا في التفكير واستنتاج المزيد من المعلومات والتي تضاف بدورها ايضا الى بنك المعلومات.

نلاحظ بأننا بدأنا بمعلومة واحدة وهي ان فلان1 هو ابن عم فلان2 واستطاع برنامج التفكير ان يستنتج معلومتين اضافييتين يضعهما في بنك المعلومات لكي يستخدمها لاحقا في استنتاج المزيد من المعلومات وهكذا يستمر في التفكير واستنتاج معلومات جديدة وترد له معلومات جديدة اضافية تزداد كمية المعلومات في بنك المعلومات بمتوالية هندسية  وستستطيع برامج التفكير بالنهاية رسم شجرة العائلة لكل ابناء الكرة الارضية .

هنا المتوالية الهندسية تعني بأنه اذا بدأنا بعشرة معلومات في بنك المعلومات وإذا فرضنا اننا نستطيع ان نستنتج معلومتين من كل معلومة فهذا يعني باننا نستطيع ان نستنتج من عشرة معلومات, 20 معلومة اضافية, فيصبح لدينا 30 معلومة فنقوم بأستنتاج منها 60 معلومة اضافية فيصبح لدينا 90 معلومة ثم 270 ثم 810…. وهكذا وبظرف دقائق سيكون لدينا مليارات واطنان من المعلومات.

هذا كان مثال بسيط عن طريقة تفكير الانسان بموضوع القرابة ولكن يمكن انشاء برامج التفكير التي تفكر بطريقة مماثلة للانسان في مجال الامن القومي, وفي الطب, وفي الصناعة, والتعليم , وكل مجالات الحياة …ويصبح لدى هذه البرامج قواعد معطيات ضخمة تربطها ببعضها البعض لتصبح بين قوسين موازية (لعلم الله العليم القدير)؟

لا تستغرب عزيزي القارئ اذا قلنا لكم بأن جوجل تستطيع ان تعرف نوع الطعام الذي يأكله كل انسان على وجه الارض, وتعرف متى يغسل سرواله بعد ان يضاجع زوجته, وتعرف من هو والده حسب الهوية ومن هو والده الحقيقي الفيزيولوجي لو كان الوالد الحقيقي يحتلف عن الوالد المسجل بالهوية من خلال بصمة ال (دي ان اي). 

أنا لا ابالغ عزيزي القارئ إذا قلت بأن أميركا بأمتلاكها مثل هذه المعلومات تستطيع ان تغتال كل علماء ايران وكوريا الشمالية النوويين عن بعد, وتستطيع ان تتخلص من مشكلة ايران وكوريا النووية من دون اي ضجيج؟ اما لماذا لا تفعل ذلك حتى الآن فهذا بحث اخر!؟

ولكي نقدر حجم قوة جوجل, فيكفي ان نقول بأنه اذا اجتمعت الصين وروسيا وكل اوروبا ومعهم اليابان واستثمروا كل اقتصادهم لمدة مئة عام, فلن يستطيعوا ان يحصلوا على محرك بحث بقوة جوجل, من حيث كمية المعلومات التي يمتلكها وقوة برامجه على التحليل والتفكير. 

بين قوسين وبيني وبينكم بس( يقولون لنا بالاديان بأن الله العليم القدير وأنا اشك بأنه يعلم عن الناس اكثر من جوجل)؟. 

وهذا الجواب كافي لكل من يقول بأن التنين الصيني قادم,أو أن الدب الروسي يريد ان يصبح قطباً نداً لأميركا في العالم؟ 

تاريخيا تعاظمت قوة جوجل بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر, وبسبب الحاجة لجمع وتحليل المعلومات عن الاخرين, الذين يريدون ان يأذوا الولايات المتحدة الاميركية, وقد تم الاستثمار بشكل هائل في هذا المجال مما أدى لأن يصل جوجل الى هذا المستوى المعرفي وهذه الكمية من المعلومات الهائلة والمخيفة, (وهذه هي احدى فضائل بن لادن علينا) بين قوسين طبعاً. 

أميركا الأن اكثر خطرا بمليون مرة من قبل احداث سبتمبر, وذلك بسبب حجم المعلمومات التي تعرفها عن الاخرين….!! لقد كنا كلنا سعداء بخدمة الاميل المجانية, وكنا نقول هذا رائع لأننا نستطيع ان نتراسل مجاناً من دون دفع اي فلس وبثوان تصل الرسالة, وكلنا كنا سعداء بخدمة الفيسبوك والتويتر, وزودناهم بالكثير من معلوماتنا الشخصية, وكلنا ابتهجنا بمنحنا بضعة جيجا بايت تخزين مجانية,… ولكنهم هم كانوا يعرفون بأن هذه المعلومات في المستقبل ستكون قيمتها لا تقدر بثمن, لقد تم وصل الانترنت الى ابعد قرية نائية بأفريقيا وقبل ان تصل اليها الغذاء والكهرباء؟؟ 

ولكن بنهاية الامر يظل الانترنت وسيلة ثقافية ومعرفية, ووسيلة تواصل لا غنى عنها, وفوائدها ليس لها حصر, ولكن هذه الفوائد لم تكن مجانية فقد دفعنا الثمن من خصوصيتنا واستقلاليتنا وامننا واصبح بالفعل جوجل يرهبنا من حجم كمية المعلومات التي يعرفها عن الاخرين.

 

About طلال عبدالله الخوري

كاتب سوري مهتم بالحقوق المدنية للاقليات جعل من العلمانية, وحقوق الانسان, وتبني الاقتصاد التنافسي الحر هدف له يريد تحقيقه بوطنه سوريا. مهتم أيضابالاقتصاد والسياسة والتاريخ. دكتوراة :الرياضيات والالغوريثمات للتعرف على المعلومات بالصور الطبية ماستر : بالبرمجيات وقواعد المعطيات باكلريوس : هندسة الكترونية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.