“شُعبة المُخابرات العامة”: ذراع موسكو في دمشق


بعدما سيطر الروس كُليّاً على أركان قوات النظام وجهاز “الأمن الوطني” عبر سلسلة من التغييرات طالت وزير الدفاع وبعض ضباط الأركان، انتقلوا للعمل على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للنظام.

وبدأ الروس حملة كبيرة استهدفت فروع الأجهزة الأمنية في دمشق بشكل خاص، وفي سوريا عموماً، وشملت اعتقال ونقل والتحقيق مع عشرات الضباط والموظفين، في “نيّة” لتفكيك المنظومات الاستخباراتية للنظام والتي عملت على إنشاء دويلات خاصة بها على مدى السنوات الماضية.

وبدأ الروس ذلك بتوطيد العلاقة مع “شعبة المُخابرات العامة” المعروفة باسم “إدارة امن الدولة” والتي يترأسها اللواء محمد ديب زيتون، المقرّب من موسكو منذ أيام الرئيس الأسبق حافظ الأسد. الروس أعطوا صلاحيات واسعة لـ”شعبة المُخابرات العامة” في دمشق، وقلّصوا دور “الأمن العسكري” بكافة فروعه ومفارزه الأمنية.

وكانت “شعبة المخابرات العامة” بعيدة عن وضع دمشق الأمني خلال السنوات الماضية، واقتصر عملها ممثلة بـ”الفرع 40″ على السيطرة على أحياء المالكي وأبو رمانة والمُهاجرين، في حين تسلم فرع “الأمن الداخلي” المعروف باسم “فرع الخطيب” ملف ملاحقة مطلوبي الاتصالات بالتنسيق مع “الفرع 211” التابع لـ”الأمن العسكري”، والمُختص بمراقبة الاتصالات والانترنت.

أولى المهام التي نفذتها “شُعبة المُخابرات العامة” في محيط المربع الأمني بحي كفرسوسة هي إحصائيات دقيقة للسُكان، وإفراغ كافة المنازل المُستولى عليها من قبل عناصر “الأمن العسكري”، وتبليغ أصحاب المنازل الفارغة بوجوب إسكان عوائل فيها وعدم تركها فارغة تحت أي ظرف، فضلاً عن تغييرات جرت في محيط المربع الأمني وإدارة “التوجيه السياسي” شملت تنقلات في عشرات المكاتب وإفراغ بعض الأبنية.

مصادر خاصة قالت: إن الجانب الروسي سيتخذ من “إدارة أمن الدولة” و”إدارة التوجيه السياسي” وبعض الأبنية في المربع الأمني في كفرسوسة مقرات له، خلال الفترة المقبلة، وستُصبح المنطقة الأمنية روسيّة بامتياز، لإدارة كافة الملفات المُتعلقة بدمشق وريفها.

وتسلّمت “شُعبة المخابرات” رسمياً، مهمة حماية الضباط والمُستشارين الروس خلال جولاتهم في دمشق وريفها، مع تقديم السيارات لاستخدامها في تنقلات الروس ضمن المنطقة، وفرز عشرات العناصر الخاضعين لدورات تدريبية خاصة، لحماية الضباط والوفود الروسية في دمشق.

وأصدر الروس قراراً يقضي بتسليم الملف الأمني في الغوطة الشرقية لـ”شُعبة المُخابرات العامة”، وتم تكليف الضابط محمد العبدالله بإدارة الملف الأمني للغوطة والتنسيق مع بقية الجهات الأمنية، وعدم السماح للقوات الرديفة بتشكيل مليشيات متنوعة في الغوطة وباستخدام مدنيي “التسويات والمُصالحات”، وعدم إجراء أي مداهمة أو اعتقال إلا بالتنسيق مع “أمن الدولة”. بينما تسلّم فرع “المُخابرات الجوية” في مدينة حرستا، ملف السلاح وقادة المُعارضة المُسلحة السابقين، بطلب من “أمن الدولة” والجانب الروسي. فرع “الجوية” هو صاحب الأرشيف الأكبر لأهالي الغوطة، وأكثر الفروع الأمنية علماً بالمنطقة بسبب نفوذه فيها منذ العام 2011 في قمع التظاهرات وتنفيذ الاعتقالات.

ولم يتوقف الروس عند تسليم “شُعبة المُخابرات العامة” بعض الملفات الأمنية، بل استعانت بالشُعبة والفروع التابعة لها لتنفيذ حملة ضد عشرات الضباط وقادة المليشيات، في إطار “مكافحة الفساد” التي تقودها موسكو لإعادة هيكلية “الجيش والحكومة”، بعد سنوات من الفوضى والفساد التي ازدادت أضعافاً خلال سني الثورة.

أحد الذين تمّ اعتقالهم وتحويلهم إلى التحقيق هو صهر رئيس “الشعبة” رمزي السلّوم، وهو أحد أصحاب القرار في “الضابطة الجمركية” في دمشق والحدود السورية–اللبنانية، والمسؤول العام السابق عن جمارك مطار دمشق الدولي. واعتقل السلوم بأوامر روسية وجمّدت أمواله وأموال زوجته ريم، ابنة اللواء زيتون. قبل أن يُنقلَ السلوم إلى جمارك عدرا، بعد تدخل زيتون ومحمد حمشو، لعدم زجه في السجن، مع إبقائه على ذمة التحقيق، ومنعه من مُغادرة سوريا. وقد نُسبت للسلون قضايا فساد وتهريب وتبييض أموال لصالح شخصيات كبيرة في سوريا.

ووفقاً للمصادر الخاصة، فأن اعتقال السلوّم تبعه اعتقال 8 شخصيات تعمل في التخليص الجمركي، بعضها مقرب من ماهر الأسد، بعد إجراء مسح كامل لاتصالات سلوّم، وتم اعتقالهم بتهمة إدخال حبوب مُخدرة إلى سوريا.

وطالت حملة الاعتقالات التي نفذتها “شُعبة المُخابرات العامة” الرائد مدين، أحد الشخصيات النافذة في جهاز “الأمن الجنائي”، والمسؤول عن ملف العملة الصعبة في أسواق دمشق القديمة، وسُجنَ في عدرا على ذمة التحقيق لصالح “أمن الدولة”، وسط حجز احتياطي على أمواله وأموال زوجته.

ومدين هو أحد أشهر ضباط دمشق، وتم ترفيعه مؤخراً إلى رتبة رائد ونقله إلى “إدارة الأمن الجنائي”، وكف يده عن ملف العملة الصعبة وملاحقة تُجار الدولار، قبل أن يتم اعتقاله وتحويله للتحقيق.

القضايا التي نُسبت لمدين تخص اعتقال عشرات التجار من أسواق الحريقة ومدحت باشا، بشكل غير رسمي، وابتزازهم بهدف تحصيل الأموال، مقابل عدم إلصاق تُهم اقتصادية بهم قد تودي بهم إلى السجن، فضلاً عن عمل زوجته في تهريب أموال بعض المسؤولين وتجار الحرب باتجاه بيروت بالتنسيق بين مدين وضباط الجمارك على الحدود السورية اللبنانية.

وشملت الحملة الروسية أوامر مناقلات لعشرات الضباط بين مُختلف الفروع الأمنية، ومن مناصب إدارية لدى المُخابرات إلى أخرى في الجيش والأركان، بهدف تفكيك المنظومات المافيوية المستقلة التي أنشأها ضباط النظام خلال السنوات الماضية بغرض حماية نشاطاتهم غير المشروعة.

مصدر مُطلّع ومُقرّب من الجانب الروسي، قال : “تحاول روسيا تدريجياً مسح كافة معالم الإجرام والفساد المرتكبة بوساطة الفروع الأمنية وضباط النظام، خاصة الأمن العسكري الذي يتم إبعاده تدريجياً عن الساحة، بسبب تورطه في عشرات الجرائم، أولها المُساهمة في تصفية أكثر من 10 آلاف مُعتقل ضمن فروعه الرئيسية الأربع في دمشق؛ فلسطين، الدوريات، التحقيق، المُداهمة، والراعي الأول لتجارة الحرب مع المناطق التي كانت تخضع لسيطرة المُعارضة المُسلحة، فضلاً عن علاقته بتنظيم داعش الذي كان يُسيطر على مخيم اليرموك ومحيطه جنوب دمشق”.

اختيار جهاز “أمن الدولة” يأتي لأنه واحد من الأجهزة الأكثر قرباً من موسكو منذ عهد اللواء علي مملوك، والذي تسلّم منصب إدارة الجهاز بين عامي 2005 و2012. وساهم مملوك بتمكين عمل الجهاز التابع بشكل مُباشر لرئاسة الجمهورية. كما يعود اختيار الروس لـ”شعبة المخابرات العامة” لوجود اللواء “حافظ مخلوف، شقيق رامي، كوجه غير علني ضمن الجهاز، بعد غيابه لأكثر من ثلاث سنوات عن الساحة الأمنية، قام فيها بجولات إلى روسيا وبيلاروسيا، قبل أن يعود ويعمل ضمن “أمن الدولة” بشكل غير مُعلن.
رائد الصالحاني – الكسندر حدّاد
المصدر: المدن

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.