علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
قال عمار الحكيم في كلمة بالاحتفالية التي أقيمت في مكتبه بمناسبة رحيل الخميني يوم 4/6/2014 ” نعاهد الخميني اننا سنمضي في بناء العراق على خطاه سائرين على طريقته ملتزمين بتوجيهاته”. بلا تعليق!
ملاحظة: أينما وردت كلمة شيعة فالمقصود بهم ذوي الولاء الإيراني.
يكره الشيعة ذوو الولاء الإيراني الدولة العثمانية كرها شديدا وهذا الكره يُعد طبيعيا ومقبولا لو كان سببه إن هذه الإمبراطورية جثمت طويلا وبكل ثقلها على صدور العراقيين، ودمرت مقدراته السياسية والإقتصادية والثقافية، وكان عبث وفساد الولاة من أسباب تخلفه الحضاري، بإستثناء الوالي مدحت باشا وعدد قليل جدا من الولاة الذين قاموا بإصلاحات محدودة. لكن الأسباب الرئيسة من وراء الكراهية هي طائفية بحتة. فالإمبراطورية العثمانية كانت محسوبة على أهل السنة، مع إنها لم تقف حائلا أمام المد الشيعي في العراق سيما في الجنوب وبقية الدول الخاضعة لسلطتها. وتجدر الإشارة بأنه عندما خلف الوالي علي رضا اللاز سلفه داود باشا في حكم العراق، إنتهج سياسة التسامح مع الشيعة، وكان يحضر مراسيم عاشوراء، ويقدم لهم المساعدات. بمعنى إن مراسيم عاشوراء في العراق بصيغتها الحالية بدأت في العهد العثماني، ولم يحاربها السلاطين رغم إنها كانت تجري برعاية الدولة الفارسية وحضور القنصل الإيراني.
والحقيقة إن إعلان السلطان عبد الحميد فكرة الوحدة الإسلامية والدعوة إلى التسامح إستثمرها الشيعة بكفاءة في عملية التبشير المذهبي في العراق. وكان هدف السلطان العثماني من طرح الفكرة هو محاولة التعويض عن خسائر الإمبراطورية في جنوب وشرق أوربا ومواجهة التهديد الروسي، لذا فقد كسب إيران لصفه ضدة الروس من جهة، والغرب من جهة أخرى. ولإبداء حسن النية أغدق بالهدايا والعطايا على العتبات المقدسة في العراق. وهذا ما لا تشير إليه مصادر الشيعة بالطبع.
علما بأنه منذ سبعة آلاف عام حكم الأتراك العراق (459) عام موزعة ما بين الدولة الجلائرية والإمبراطورية العثمانية. في حين حكم الفرس العراق لنفس الفترة (1141) عام يضاف إليها سنوات الغزو الأمريكي ـ الإيراني منذ عام 2003 ولحد الآن. لذا فإن كراهية الفرس الصفويين هي أوجب من العثمانيين من ناحية طول فترة الإستعمار والتدمير الذي لحق بالعراق وشعبه سيما في العهدين الصفوي الأول والثاني.
إن من أبرز أسباب كراهية الفرس للدولة العثمانية:
أولا: خسائر دولتهم الصفوية في حروبها أمام العثمانيين. وهذه الكراهية يغذونها للأطفال وتكبر معهم دون أن يفهموا سببها. حدثتني إحدى السيدات الإيرانيات بأنها عندما كانت طفلة وتلعب مع الجيران العابا مختلفة، كانت عقوبة الخاسرين في اللعب، ان يمسحوا بمؤخراتهم كلمة (القسطنطينية) بعد أن يكتبوها بالطباشير على الجدران بأحرف كبيرة فتتوسخ ملابسهم. وعندما سألتها عن السبب في إختبار عاصمة الخلافة الإسلامية؟ قالت لا أعرف!
ثانيا: النزعة المذهبية: حيث كان المذهب المتبع في الدولة العثمانية، المذهب الحنفي، والصفويون يكفرون جميع المذاهب الإسلامية ويعتبروها منحرفة، مع إن 90% من المسلمين هم من أهل السنة. وإن المذهب الحنفي أقرب للشيعة من غيره حسب نظرتهم للإمام أبو حنيفة.
ثالثا: تحديد التوسع الإستيطاني الفارسي، فقد كانت ومازالت الأفواه الحاكمة في إيران تتلمظ ويسيل لعابها أمام ثروات العالم العربي، وإطماعها التوسيعة معلنة للجميع، وهي من هذا الجانب لا تعمل بعقيدة التقية. وكانت الإمبراطوية العثمانية الحائل دون تحقيق مآربها الإستيطانية، وهذا ليس مدحا للعثمانيين فكلاهما قوى إستعمارية تعمل وفق مصالحها العليا.
رابعا: النزعة القومية. فقد كانت النزعة القومية في أوجها قبل إنهيار الرجل المريض، والفرس يحقدون حقدا كبيرا على كل ما يتعلق بالقومية غير الفارسية. والقومية العربية هي أكثر ما يثير حنقهم وسخطهم، فقد كانت ومازالت العدو اللدود لقوميتهم. وقد صدر الفرس هذه البضاعة الرديئة إلى شيعة العراق بعد الغزو الأخير، ولقت قبولا كبيرا. فالقومية العربية مذاقها كالسم عند غالبية شيعة العراق. وهذا الأمر لم يلد مع الغزو الأمريكي الإيراني للعراق مع إشتداد قوته. فقد عارض الشيعة بشدة فكرة تأسيس الجامعة العربية، لأنهم كانوا يخشون من إنضمام العراق إلى اتحاد كونفدرالي عربي، لأنهم بذلك سوف لن يشكلوا الاكثرية السكانية، وبفقدان هذه الميزة سيتراجعون الى موقع هامشي كأقلية. ومع بداية الغزو الأخير كان الزعماء الشيعة يوجهون إنتقادات لاذعة للعرب بشكل عام والعروبة ويحملونهم مسؤولية إضطهادهم المزعوم.
كان الحكام الفرس ومازالوا يعتبرون العراق جزء من إيران وكذلك الحال مع دول الخليج العربي. ففي عام 1925 نشر الملا بازار اعلانا في الصحافة ذكر فيه” ينبغي أن يراعِ العراق أمه دولة فارس، و مربيته القديمة تركيا إلى ان يظفر بإستقلاله” وحمل الاعلان توقيع آية الله حسين اليزدي على أساس إنه لا يقل عن مرتبة مجتهد قم الاكبر عبد الكريم الحائري حينذاك. وهذه النظرة الدونية للفرس إتجاه العرب لا تزال سارية المفعول. مع إنها نظرة تخالف التوجهات الإسلامية. فقد ذكر البيهقي الحديث الشريف” من أحب العرب فيحبني أحبهم، ومن أبغضهم فيبغضني أبغضه”. (لباب الأنساب والألقاب والأعقاب/13). والحديث الشريف” أحبوا العرب فإني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي”. (أخرجه البيهقي).
سنستعرض وصية الوالي العثماني مدحت باشا، ونقارنها بوصية الخميني. حيث يوصي الوالي مدحت باشا العرب بقوله” دعوا التعصب القومي والمذهبي، ولا تذكروا الإسلام والنصرانية واليهودية، ولا التركي والعربي والرومي والبلغاري والألباني، غضوا الطرف عن هذه الإختلافات، لأنها أكبر سلاح يحاربكم به الأعداء الظالمون. إنهم يفرقون بين القوميات والمذاهب ليستتب الأمر لإستبدادهم، ويأمنوا من تضامن الأيادي لمقاومتهم. كلكم مظلوم، الظلم لا يخص طائفة دون أخرى، ولا مذهبا دون آخر”.
أما الخميني فقد جاء في وصيته للشيعة” ان لاتغفلوا ابدا عن مراسم عزاء الائمة الاطهار، وخصوصاً عزاء سيد المظلومين ورائد الشهداء ابي عبد الله الحسين صلوات الله الوافرة وصلوات انبياء الله وملائكته والصالحين على روحه العظيمة المقدامة”. ويضيف” وتعلمون ان لعن بني امية – لعنة الله عليهم – ورفع الصوت باستنكار ظلمهم – مع انهم انقرضوا وولوا إلى جهنم – هو صرخة ضد الظالمين في العالم، وابقاء لهذه الصرخة المحطمة للظلم نابضة بالحياة”. (وصية الخميني نشرت عام 1989). نترك المقارنة والتعليق للقراء الأفاضل.
ونود أن نكشف ما ورد في وصية الخميني حول العراقيين سيما الشيعة الذين يحتفلون بمناسبة ولادته ووفاته ويرفعون صوره في الشوارع والساحات العامة إستفزازا لبقية العراقيين، وإشارة الخميني معيبة جدا للعراقيين بشكل عام والشيعة بشكل خاص. الطريف في الأمر إنه غالبا ما يقطع الكلام عند الإشارة إلى هذا الأمر الذي أوله” اننّي أدعي بجرأة ان شعب ايران وجماهيره المليونية في العصر الحاضر أفضل من شعب الحجاز في عهد رسول الله”. أما التكملة من الوصية فهي” وأفضل من شعب الكوفة والعراق في عهد امير المؤمنين والحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليهما. ذلك الحجازالذي كان المسلمون ايضا في عهد رسول الله – صلى الله عليه واله – لا يطيعونه ويتذرعون بمختلف الذرائع حتى لايتوجهوا الى الجبهة، فوبخهم الله بآيات في سورة التوبه وتوعدهم بالعذاب ولقد كذبوا عليه(ص) الى حد أنه لعنهم على المنبر – حسب ما روي واهل العراق والكوفة اؤلئك الذين اساؤوا كثيراً الى امير المؤمنين، وتمردوا على طاعته. وشكاواه – عليه السلام – في كتب الاخبار والتواريخ معروفه. ومسلمو العراق والكوفة اولئك الذين صنعوا مع سيد الشهداء ما صنعوا واولئك الذين لم يلطخوا ايديهم بدم شهادته،اما أنهم هربوا من المعركة أو قعدوا فكانت جناية التاريخ تلك”.(وصية الخميني نشرت عام 1989).
ما الذي يمكن أن نستشفه من هذه الوصية:
أولا: يعترف الخميني إعترافا واضحا بأن شيعة الكوفة هم الذين أساءوا إلى الإمام علي، وهم الذين خذلوا الحسين. وهذه شهادة حاسمة ضد كل من يحاول أن يبرأ أهل الكوفة من دم الحسين. وقد إعتبرها الخميني جناية تأريخية!
ثانيا: الإفتراء على الصحابة والمسلمون الأوائل الذين كانوا يتسابقون في نيل الشهادة وليس كما وصفهم الخميني. وإذا تراجع البعض منهم لسبب ما بلا عذر، فهم هامش لا يُعد، وهم ممن لم يتوغل الإيمان الصحيح في قلوبهم كالخميني تماما.
ثالثا: لاحظ أيضا إستخدام الخميني كلمة(جبهات) بدلا من غزوات موحيا في ذلك حربه العدوانية على العراق. ومحاولا تشبيه حربه على العراق كحروب علي بن أبي طالب الثلاثة على المسلمين.
رابعا: كراهية الخميني للعراقيين وهذا ما يتجلى بوضوح في قوله” وافضل من شعب الكوفة والعراق”. أما الكوفة فقد عرفنا السبب أما بقية العراق. فما علاقتهم بالحدث؟ كما أن نسبة كبيرة من شعب الكوفة آنذاك كانت من الفرس وليس من العرب.
خامسا: لا يوجد توثيق تأريخي بأن النبي(ص) لعن المسلمين على المنبر؟ بل توجد أحاديث تنفي هذا الإفتراء. ورد في سنن أبي داود أن النبي (ص) قال “إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن، فإن كان لذلك أهلاً، وإلا رجعت على قائلها”. (أخرجه أبو داود6/921). وعن ثابت بن الضحاك قال النبي(ص)” لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ”. (البخاري1/916). وعن أبي الدرداء عن النبي(ص) قال” لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيامَةِ”. (المصدر السابق3/918). بل إن النبي(ص) رفض أن يلعن الكفار، بل رفض لعن ناقة وبعير، حتى الجماد رفض أن يُلعن كالريح لأنها مأمورة، فكيف يلعن البشر! فعن أبي برزة ، قالَ النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم ”لا تُصَاحِبُنا ناقَةٌ عَلَيْها لَعْنَةٌ”. المصدر السابق9/924).
سادسا: يحث الخميني الشيعة على لعن الأموات من بني أمية، وهذا يخالف توجيهات النبي(ص) فقد ورد في الحديث” لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا”. (أخرجه البخاري). ومن يتحجج بالقول أن الله تعالى لعن الظالمين في الكتاب العزيز، فأن النبي(ص) حلٌ هذا المشكل في الحديث النبوي الشريف” لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَلَا بِغَضَبِهِ وَلَا بِالنَّارِ”. (أخرجه أبو داود). فما يحق للذات الإلهية المقدسة لا يعني إقراره كحق طبيعي للبشر.
سابعا: يحث الخميني الشيعة على ممارسة طقوس عاشوراء، مخالفا بذلك وصايا النبي(ص) ووصايا الأئمة أيضا التي تتوافق كليا مع نهج الرسول(ص). عن أبي عبد الله قال” لا يصلح الصياح على الميت ولا ينبغي، ولكن الناس لا يعرفون” (الكافي للكليني) وجاء في كتاب الإمام علي(ع) إلى رفاعة بن شداد” إياك والنوح على الميت ببلد يكون صوت لك به سلطان”. وهذا الامام الحسين(ع) نفسه يقول لأخته زينب” يا أختاه أقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي عليّ جيبا جيبا ولا تخمشي عليّ وجها، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا هلكت”. (مستدرك الوسائل). وعن الإمام الصادق” ولا يقيمن عند قبر ولا يسودن ثوبا ولا ينشرن شعرا” (تفسير نور الثقلين). ومن المعروف إن هذه المراسيم لا علاقة لها بالإسلام فهي مأخوذة عن ايطاليا حيث كانت هناك مجاميع تسمى (جمعيات التسوط الأخوانية
Scuolo di San Rocco))
في أواخر القرن 16 ثم اختفت تدريجيا. ويذكر آية الله الدكتور مرتضى المطهري في كتابه (الجذب والدفع في شخصية الامام علي) بأن ” التطبير والابواق عادات ومراسيم جاءتنا من ارثوذوكس القفقاز، وسرت في مجتمعاتنا كالنار في الهشيم”. وهذا آية أيضا وفارسي، ولكنه يختلف عن الخميني بأنه حاصل على لقب علمي وليس حوزوي وشتان بين الإثنين.
علي الكاش