“شيطان أكبر” جديد ؟

“شيطان أكبر” جديد ؟monalisa
النهار اللبنانية: موناليزا فريحة

ليس جديدا التشدد الفرنسي حيال البرنامج النووي الايراني. مع فرنسوا هولاند، كما مع سلفه نيكولا ساركوزي وقبله جاك شيراك، تكاد باريس تكون الدولة الغربية الاكثر ارتياباً في الطموحات النووية الايرانية، والاكثر اصرارا على كبحها.

تشتبه باريس، شأنها شأن الدول الغربية الاخرى، في أن طهران تخفي اهدافاً عسكرية لبرنامجها النووي، وتعتقد أنه يجب منعها من امتلاك السلاح النووي بأي ثمن. وفي حين يبدي باراك أوباما استعداده للتدخل عسكريا ضد ايران اذا اقتضت الحاجة، تتصرف واشنطن على أساس أن الجمهورية الاسلامية لم تقرر بعد انتاج القنبلة النووية، وإن تكن امتلكت كثيراً من البنى التحتية التكنولوجية التي تمكنها من ذلك. يخفي الموقف الفرنسي هواجس جمة، منها التزام فرنسي لحظر الانتشار النووي حفاظاً على الردع النووي الفرنسي، ومخاوف من سباق تسلح نووي في تركيا والسعودية ومصر.كما لا تسقط باريس من حساباتها تهديد القنبلة النووية المفترضة لأمن اسرائيل.
كانت هذه الهواجس واضحة في رد فعل لوران فابيوس على مسودة اتفاق جنيف.ومع ذلك، ثمة من رأى في محاولة باريس اقتباس دور الشرطي النووي العالمي، أهدافا استراتيجية أخرى ومقامرة ذات تداعيات خطيرة.
باحباطها اتفاقا نوويا مع ايران بدا وشيكا للمرة الاولى منذ عقد تقريباً، كانت باريس منسجمة مع موقف السعودية القلقة من صفقة نووية تفك عزلة الجمهورية الاسلامية وتطلق يدها في المنطقة. وفي ظل انسجام كهذا، قد تتطلع باريس الى دور الحليف الاستراتيجي والشريك التجاري للمملكة، وقت تشهد العلاقات بين الرياض وأميركا أسوأ أيامها .
الى ذلك، يعكس موقف فرنسا رغبة في الاضطلاع بدور قيادي في الشؤون الدولية، وخصوصاُ بعد تجربتي مالي وليبيا، وقت تميل واشنطن الى “القيادة من الخلف”. ولكن قبل هذا كله، لا تغيب عن الموقف الفرنسي ملامح تصفية حسابات شخصية بين هولاند وأوباما. ففي ايلول الماضي، عندما هدد الرئيس الاميركي بضرب سوريا، كانت باريس الوحيدة التي وقفت الى جانبه. وعندما بدل رأيه وقرر استشارة الكونغرس، لم يكلف نفسه عناء اخطار حليفه الفرنسي وتركه وحيداً ينتظر الساعة الصفر التي لم تأت. وعندما عقد صفقة كيميائية مع الروس، كان الفرنسيون آخر من علم بها.
مرة جديدة، تجد باريس نفسها وحيدة، لكن عزلتها اختيارية هذه المرة وتنطوي على أخطار. فاذا أمكن في الاسابيع المقبلة توقيع اتفاق ينتزع مزيداً من التنازلات من ايران، يسجل هولاند إصابة التعادل في مرمى أوباما، أما اذا انهارت المحادثات، فقد تكون فرنسا قد فوتت على العالم فرصة ذهبية للخروج من المأزق النووي، ووترت علاقاتها اكثر مع واشنطن ولندن. أما في شوارع طهران وعلى جدرانها، فلا شك في أن فرنسا ستنافس أميركا على لقب “الشيطان الاكبر”.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.