شرف التأليف والنشر

maison4

د. ميسون البياتي

منذ عدت الى الكتابة من جديد بعد توقف متعمد لفترة ليست بالهينه قطعت على نفسي عهداً أن أكتب وأنشر في شؤون الثقافة والطبخ فقط بعد أن أصبحت الكتابه في مواضيع السياسه وتاريخ السياسه والتحليلات السياسيه وكما يقولون ( مهنة من لا مهنة له ) . خوض في مواضيع سياسيه بناءاً على مطالعات في الصحف والمجلات وكلام وسائل الإعلام الذي هو في حقيقته ( إعلام مبرمج ) يجافي الحقيقة في المطلق من الأحوال , وندرة تعد على أصابع اليد الواحده ممن يكتبون بناءاً على مطالعتهم مصادر رصينه تؤهلهم الى التحليل والإستنتاج الجيد الذي يستحق أن يضع الكاتب إسمه عليه .. ولهذا فالإمتناع عن هكذا كتابه هو أجدر من الخوض مع الخائضين

يلاحظ من يقرأون لي أنني منذ عدت الى الكتابه أخصص مواضيعي في الحديث عن الأدباء والمفكرين والفنانين من النخبة العالميه وأغلبهم من الحاصلين على جوائز عالميه في الإبداع

زميل دراسة لي ويحمل اليوم لقب دكتور ويعمل في مركز مرموق جداً راسلني مثنياً على جهدي وكتابتي ثم عرض علي أن أكتب مقدمة باللغة الإنكليزيه لواحد من مؤلفاته الجديده التي ينوي نشرها باللغة الإنكليزيه وهي عمل تحليلي لموقف ثلاثة مبدعين عالميين من قضية ما

بعد موافقتي على كتابة المقدمه وصلني النص من زميلي وبدأت القراءه . الذي يتقن الإنكليزية عن تعلم ربما لا يميز بين صيغ الكلام باللغة الإنكليزيه . هناك الإنكليزية البسيطه لمن كانت هذه اللغه هي غير لغتهم الأم , وهناك الإنكليزيه الأكثر تعقيداً لمن وصل الى مراحل متقدمه في تعلم اللغة الإنكليزيه , وهناك الإنكليزية التي لا يتحدثها سوى من كانت اللغه هي لغته الأم لأنها تحوي مفردات دالة المعنى لكنها في نفس الوقت مفردات غير شائعة الإستخدام . ومن دروس الغربه التي علمتها لنا المنافي أننا بدأنا نميز هذه الأشكال من اللغه من تماس بسيط مع المتحدث أو الكاتب

كتاب زميلي المؤلف يحتوي هذه النماذج الثلاثه من اللغه , والذي يصيبك بالحيرة أكثر أن النص لا يحتوى على نسق تحليلي واحد بل هو مزيج من أنساق مختلفه , وفي كتابتي المقدمه لمثل هذا العمل لا بد أن أعرج على اللغه وأسلوب التحليل إضافة الى التقييم العام للكتاب المنشور

أضف على ذلك أن كل كاتب له أسلوب في التعامل مع بناء الفكرة والجمله وقلما يتشابه إثنان في أسلوب البناء , لكني في النص الذي أمامي ألاحظ أساليب بناء مختلفه

لكي أقطع الشك باليقين إنتقيت عبارات داله محدده من بعض فقرات الكتاب وذهبت الى غوغل ووضعتها على خادم البحث فعثرت على ثلاثة مقالات مطوله عن هؤلاء المبدعين العالميين الثلاثه قمت بنسخها على ورق وبدأت بمقارنتها فقرة بعد فقره بالكتاب الذي بعثه لي زميلي فكانت المفاجأة الكبرى

زميلي قام في مؤلفه الجديد بجهد واحد هو : تفكيك هذه المقالات الثلاثه الى فقرات ثم أعاد دمجها متداخله في نص واحد كتب له بعض عبارات الربط البسيطه وختمها بنصف صفحه من عندياته كخلاصه وخاتمه للموضوع .. هذا كل جهده

الكتاب بالطبع سينشر باللغة الإنكليزيه الى العرب .. والعرب لايقرأون , وبهذه الطريقه يضيف صاحبنا عنواناً جديداً الى إبداعه البحثي وسجل ترقياته العلميه

عند توصلي الى هذه الحقيقه تعللت بأعذار شتى كي أمتنع عن كتابة المقدمه , لكني أتساءل : أين شرف التأليف والنشر من هكذا مطبوعات ؟ وأين هي الأمانة العلميه ؟ وهل يدرك صاحبنا وسواه ( وهم مدركون بالتأكيد ) أن هذا الإنتحال يعد في جميع قوانين العالم ( جريمة مخلة بالشرف ) ؟ أم أن تساهل حكوماتنا وسياسيينا في سرقة أموال بلدانهم بمختلف الوسائل سيسوغ للطبقة المتعلمه والتي يفترض أنها ( مثقفه ) أن تبدأ هي أيضاً بالسرقات الفكريه لتكوين ثرواتها المعرفيه على حساب النزاهة والأمانه ؟ الثقافة سلوك وليست شهاده جامعيه أو رف مليء بالمؤلفات المسروقه .. ليت البعض يعلم

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.