حكيم أبو القاسم الفردوسي الطوسي , عاش مابين عامي 935 – 1020 ميلادية وهو شاعر فارسي مجوسي مشهور , قام بتأليف الشاهنامه وهي سلسلة من القصص المروية شعرا بحوالي 60,000 بيت من الشعر تصور الملاحم العظيمة لأمجاد بلاد فارس منذ نشأتها وحتى سقوطها بيد العرب المسلمين في القرن السابع الميلادي .
ولد الفردوسي عام 935 ميلادية لعائلة غنية , والده كان من ملاّك الأراضي الأثرياء , وكانت ولادته في قرية صغيرة تدعى ( باغ ) قرب طوس في خراسان وتقع اليوم في مدينة ( رضوى ) الإيرانية .
أما ملحمته ( الشاهنامه ) فقد أخذت من عمره ما يزيد على 35 سنة لإكمال تأليفها , وكانت أساسا قد كتبت لتقديمها الى أمراء بني سامان في خراسان , وهذا هو سبب المشاكل التي ستقع للفردوسي وشاهنامته لاحقا .
لكي نفهم الطريقة التي سارت عليها أمور الفرس في الدولة السامانية , علينا أن ندخل الى الموضوع من باب تعريف المذاهب الشيعية ( الإمامية الإثني عشرية ) و ( الزيدية ) و ( الإسماعيلية ) فكما هو معروف أن الأئمة الإثني عشر هم :
الإمام علي بن أبي طالب ( الكرار ) إمامته 30 سنة
الإمام الحسن بن علي ( المجتبى ) إمامته 10 سنوات
الإمام الحسين بن علي ( الشهيد ) إمامته 11 سنة
الإمام على بن الحسين ( زين العابدين ) أو ( السَّجاد ) إمامته 35 سنة
الإمام محمد بن علي بن الحسين ( الباقر ) إمامته 19 سنة
الإمام جعفر بن محمد الباقر ( الصادق ) إمامته 34 سنة
الإمام موسى بن جعفر ( الكاظم ) إمامته 35 سنة
الإمام علي بن محمد ( الرضا )إمامته 20 سنة
الإمام محمد بن علي ( الجواد ) إمامته 17 سنة
الإمام علي بن محمد ( الهادي ) إمامته 33 سنة
الإمام حسن بن علي ( العسكري ) إمامته 6 سنوات
الإمام محمد بن حسن ( المهدي المنتظر ) يعتقد الشيعة الإثني عشرية أن إمامته ممتدة لأنه حي ومرتقب الظهور .
ما هو تسلسل الإمام زيد بين هذه الأسماء ؟ هو الخامس بينهم تم خلعه عن الإمامة والعصمة بعدما أقر وهو مكبل بالسلاسل ببيعة أبو بكر وعمر .
من حق كل إنسان أن يقبل أو يرفض , وعليه فأتباع زيد الذين قبلوا بيعته لأبي بكر وعمر , الى يومنا هذا إسمهم ( شيعة زيدية ) أما الذين رفضوا تلك البيعة فتمت تسميتهم ب ( الروافض ) أو ( الرفضة ) والكلمة ليست سُبَّة بل هي توصيف موقف .
كان للإمام زيد 50,000 حليف من أهل الكوفة , ولكن بسبب بيعته لأبي بكر وعمر وجد نفسه مع 300 مقاتل فقط حين التقى الجمعان فكان نصيبه سهم في جبينه ألحقه بركب شهداء أسرته . عندها خلفه على الإمامة أخوه محمد الباقر .
بعد وفاة محمد الباقر حصل إنشقاق كبير داخل المذهب الإثني عشري , حيث ادعى قسم منهم أن الإمامة انتقلت الى ( عبد الله بن الحسن بن علي ) وإبنه ( محمد النفس الزكية ) فيما أصر آخرون على إمامة إبن محمد الباقر وهو ( جعفر الصادق ) ليكون الإمام السادس ضمن الأئمة الإثني عشرية . أعقب جعفر الصادق إبنه الإمام اسماعيل الذي يصر كثير من الشيعة الإثني عشرية أنه مات في حياة أبيه ولذلك لم يورث الإمامة , وحقيقة الأمر أنه لم يمت ,, بل ورث الإمامة عن أبيه لكنه انشغل عن المشاكل التي لطائفته مع الدولة الإسلامية السنّية , بأمور الإفتاء في ممالك وسط آسيا التي وصلتها جيوش المسلمين حديثا مما دفع الى خلعه عن الإمامة والعصمة وتعيين أخيه موسى الكاظم . وطائفة الشيعة الإسماعيلية هي اليوم أكبر الطوائف الشيعية قاطبة وتنتشر في العالم من أواسط آسيا حتى مصر .
بعد هذه المقدمة نعود الى الدولة السامانية التي كانت أول دولة فارسية يتمكن الفرس من تأسيسها في خراسان بعد إندحار ( الدولة الساسانية ) أمام الفتح العربي الإسلامي .
تستمد الدولة السامانية تسميتها من مؤسسها الأول ( سامان خودا ) أما ديانة هذه الدولة الحقيقية فهي المجوسية التي إستعملت ( التقية ) لتغطيتها بعدة إدعاآت , فحرصا على مسايرة الدولة العربية المسلمة الجارة .. كان الحاكم الساماني يظهر الإسلام السنّي , وخوفا من إتهام الدولة السامانية بالردة عن الإسلام فتجلب عليها الحروب , كان الحاكم الساماني يحض مواطنيه الفرس على ( التشيع الإسماعيلي ) لأنه بعيد عن مركز الدولة العربية الإسلامية , ولا خلاف لهذه الدولة العربية الإسلامية مع الشيعة الإسماعيلية مثلما هي على خلاف محتدم مع الشيعة الإثني عشرية و الشيعة الجعفرية , ومع هذا , فرغم إستفحال الخلاف بين المذهبين الشيعيين , الإسماعيلي والإثني عشري , الى حد تبادل الإتهامات والتكفير , إلا أن الدولة السامانية التي كانت تدعو مواطنيها الى التشيع الإسماعيلي , كانت متسامحة جدا مع أتباع المذهب الإثني عشري ولم تعرضهم الى أية مضايقة .
مسايرة الدولة العربية المسلمة الجارة , جلبت الخير للدولة السامانية أيام الخليفة العباسي المأمون الذي كانت تربطه بأخواله الفرس علاقات وثيقة .. حيث قام بتعيين أحفاد سامان خودا الأربعة حكاما من قبله على أرجاء واسعة من المنطقة , فقد عيَّن ( نوح ) حاكما على سمرقند , وعيَّن ( أحمد ) حاكما على فرغانة , وعيَّن ( يحيى ) حاكما على الشاش , وعيَّن ( إلياس ) حاكما على ( حيرات ) , كما عيَّن ( نصر ) إبن أحمد حاكم فرغانة , حاكما على بخارى ونواحيها . ومن بعد نصر تم تعيين أخيه ( إسماعيل ) الذي إستطاع أن يطيح بالصفّاريين في خراسان والزيديين في طبرستان ويضم ممالكهما الى حكمه .
حين أصبح هؤلاء جميعا أمراء على هذه المنطقة الشاسعة , قويت نعرتهم الفارسية وزاد إبطانهم للمجوسية بقدر زيادة إظهارهم للإسلام , ولهذا تم تكليفهم للفردوسي بكتابة الشاهنامة التي تستعرض أمجاد بني فارس منذ النشأة .. حتى السقوط بيد العرب المسلمين في القرن السابع الميلادي كما أسلفنا . ولهذا نجد الفردوسي يتغنى بأمجاد الساسانيين قائلا :
کجا آن بزرگان ساسانيان زبهراميان تا بسامانيان
ومعناها في اللغة العربية : أين ذهب الساسانيون العظام ؟ كيف تبدل حالنا في عهد بهرام وعهد سامان !؟
يقرن الفردوسي عهد الإمبراطور الساساني بهرام الخامس الذي يسمى أيضا ( بهرام گور ) بعهد أمراء بني سامان ويقارنهما بالعهد الساساني العظيم , لأن دولة الفرس في العهدين كانت قد منيت بإندحارات كبيرة .
بهرام هو الإمبراطور رقم 14 في السلالة الساسانية وحكم للفترة الممتدة بين عامي 421 – 438 وهو إبن الإمبراطور يزدجرد الذي مات فجأة بعملية إغتيال على الأرجح , فتمكن إبنه بهرام وبمساعدة عرب الحيرة المناذرة من الإنتصار على خصومه والتتويج على العرش بعد والده . والدة بهرام تدعى ( شوشاندخت ) وهي يهودية من يهود سبي نبوخذنصر البابلي . إنهزم بهرام في حربه مع الروم في أرمينيا وأدت الهزيمة الى موته بعد وقت قصير .
أما السامانيون فبعد أن جعلهم المأمون العباسي أمراء على أقاليمهم , يذكر المؤرخون أن الأسلوب الغامض دينيا ومذهبيا الذي إتبعه السامانيون أدى الى خراب ملكهم , فقد قدمت الى أقاليمهم القريبة من الأناضول أعداد كبيرة من الترك تقدر مساكنها ب 30,000 خيمة وهذا يعني أن عددهم يقارب الربع مليون شخص .. ويعتبر هذا الرقم كبيرا بالنسبة الى تعداد ذلك الزمان وبدأ هؤلاء الترك يمارسون الإسلام السنّي , فيما قدمت الى أقاليم السامانيين القريبة من أواسط آسيا أعداد كبيرة من الغزنويين الذين كانوا مسلمين من أتباع المذهب الحنفي مساكنهم يفوق عددها 55,000 خيمة , وهذا يدل على أن عددهم كان يزيد على نصف مليون نسمة , وهكذا تمكن الغزنويون بعد فترة من الإستيلاء على مقاليد الحكم في الدولة السامانية وجعلها إقليما من أقاليم الدولة الغزنوية .
كل هذه التحولات ستؤثر على شاهنامة الفردوسي أكبر تأثير , فبعد أن أتم جمع القصص والحكايات من الرواة .. ثم أعاد كتابتها شعرا كان قد بلغ 58 سنة من عمره , أنفق منها 35 سنة لتأليف هذا الكتاب .
حين كان الفردوسي شابا بعمر23 سنة , كان قد عثر على كتاب ( شاهنامه ) مكتوب من قبل ( أبو منصور المعمري ) لكن ذلك الكتاب لم يكن شعريا بل مكتوب نثرا , ويستمد حكاياته عن أمجاد بني فارس الغابرة من مؤلف آخر يدعى ( أبو منصور بن عبد الرزاق ) وكان هذا الإكتشاف حاسما في حياة الفردوسي لأنه أخذ الحكايات وبدأ بصياغتها شعرا في شاهنامته هو .. التي بدأ تأليفها في العهد الساماني الذي إنتهى بسقوط السامانيين بيد الغزنويين عام 999 ميلادي .
بعد 30 عاماً من العمل المضني أتم الفردوسي نظم 60,000 بيت من الشعر هي عدد أبيات شاهنامته , وبقي بعدها سنتين أو ثلاثة لا يدري لمن يتوجه بعمله هذا ومن سيكافؤه عليه !؟ بعد زوال ملك بني سامان .
أخيرا قرر أن يجري إتصالاته مع بلاط السلطان ( محمود الغزنوي ) السلطان الذي إستولى على الحكم من السامانيين ليعرض عليه منظومته , توسط له بعض شعراء البلاط , فوعد السلطان بأن يمنحه دينارا ذهبا عن كل بيت في ملحمته .. ( إن ) أعجبت السلطان . فتوجه الفردوسي بشاهنامته الى ( غزنة ) عاصمة الدولة الغزنوية , وحين عرض شاهنامته لم يستحسنها السلطان للأسباب التالية :
# الشاهنامة تمجد بطولات الفرس القديمة والحديثة , وهذا ما لا يستهوي السلطان الغزنوي الذي لا يرى في الفرس أكثر من ملة محكومة بطاعته ولا تشكل إلا جزءا من إمبراطوريته .
# الشاهنامة تظهر ملامح مجوسية واضحة جدا لا تتفق مع نزعة السلطان المسلم .
# يستهل الفردوسي الشاهنامة بمديح آل سامان وذلك ما أجج غضب السلطان الذي لم يكن يدري لماذا هو مطالب بأن يكافيء شاعرا على عمل يمتدح فيه غيره !؟
# وأخيرا علينا أن لا ننسى الدسائس الحقيرة التي يبادلها ( متعاطو الشعر ) بعضهم البعض في كل زمان ومكان .. فقد نصح بعضهم السلطان محمود وكانوا من بعض مستشاريه : أن مكافأة 60,000 دينار ذهب ربما تؤدي الى موت الشاعر من الفرحة حين يشاهدها .. ولهذا ينبغي على السلطان تقليل المكافأة الى أقل قدر ممكن .
صدر الفرمان السلطاني الغزنوي _ بمكافأة الفردوسي ب 20,000 درهم فضة عن عمل إستغرق 35 سنة من عمره .
فإذا عرفنا أن كل 100 درهم فضة كانت = دينار واحد ذهب ؟
فإن 20,000 درهم فضة = 200 دينار ذهب
ربما يتوقع المرء تحسبا لكل الطواريء والملابسات , أن يقل أجره الى النصف أو الثلث , أو الربع … أو حتى أن يحرم من الأجر . ولكن أن يكافأ بأجر هو 300/1 مما وعد به , فذلك فعلا شيء يثير الغضب والحفيظة , ولا يساوي حتى ثمن الورق والحبر الذي إستهلكه الكاتب في مدة 35 سنة . لكن الملام الأول والأخير على هذه النتيجة هو الفردوسي نفسه , لأن من أول شروط نجاح العمل الإبداعي , أن يتم تقديمه وعرضه لمن يعرفون قيمته ويثمنون مزاياه , وإلا عدَّ ضربا من الجنون الذي قد يجلب الوبال على صاحبه . وبالنسبة الى الشاهنامة , فالسلطان محمود الغزنوي يعتبر أسوأ شخص يمكن أن تعرض عليه , ولهذا فالخطأ هو خطأ الفردوسي وليس غيره .
هناك روايات كثيرة عن رد فعل الفردوسي إزاء هذه المكافأة المجحفة , فمنهم من يقول إنه رفض المبلغ , بينما يقول آخرون إنه تسلم المبلغ ثم أهداه الى صاحب الخمّارة الذي كان يسقيه النبيذ , ثم توجه الى داره في طوس ودخل الغرفة التي كان يكتب فيها , وكتب على حائطها قصيدة هجاء طويلة وجهّها الى السلطان محمود ختمها بالعبارة التي تقول : (( السماء لن تنسى الإنتقام , فإنكمش أيها الطاغية من عباراتي النارية , وإرتعش من غضب الشاعر )) .
ثم هرب من طوس متجها الى ( سيستان ) ثم الى ( مازندران ) ليختبيء فيهما ممن قد يكون السلطان سيبعثهم لتعقبه وإلحاق الأذى به
يقال إن الفردوسي مات في حدود عام 1020 وهو في حالة فقر شديد وكان يبلغ من العمر 85 سنة يلفه التجاهل التام من قبل السلطان وهو الذي كان يتوقع النجاح والشهرة والحظ , وهذا مذكور بشكل واضح في أبياته الشعرية الأخيرة من الشاهنامة .
تذكر إحدى الحكايات أن السلطان محمود الغزنوي لما بلغته قصيدة الهجاء التي كتبها الفردوسي في ذمه صرخ في مستشاريه قائلا : (( جعلتم عرضي في أفواه الشعراء )) وأمر على الفور بإرسال 60,000 دينار ذهب الى الشاعر لإقفال فمه , وحين وصل رسول السلطان الى دار الفردوسي , وجد الشاعر ميتا ومدفونا في حديقة بيته قبل ساعات قلائل . وبعض الحكايات تشير الى أن المبلغ منح الى إبنة الشاعر لأن إبنه كان قد توفي قبله .
لكن بعض الحكايات الأخرى تشير الى أن البنت رفضت تسلم هذا المال .. ولأن السلطان أبى أن يعود المال الى حوزته .. فقد أمر أن يبنى به ( خان ) لراحة المسافرين في منتصف المسافة ما بين مدينتي طوس ومرو . بينما حكايات أخرى تقول إن بنت الفردوسي هي التي أخذت المال وبنت به هذا الخان .
بعد مرور حوالي 900 سنة على هذه الحكاية وبالتحديد في عام 1921 قام ( رضا خان ) بالتعاون مع ( السيد ضياء الدين طباطبائي ) بالتخطيط لإنقلاب ناجح أدى الى الإطاحة بالعائلة الحاكمة القاجارية عام 1925 ليتم في العام 1926 تتويج ( رضا خان ) شاه على الدولة الفارسية وكان حاكما قوميا حاد النزعة وفي زمانه تحول أسم بلاد فارس رسميا الى ( ايران ) المشتق من ( الإريانا والأريامهر ) الساسانية , ومن ضمن الأمور التي حظيت بالإهتمام في عهده .. إعادة بناء قبر الفردوسي .. وإعادة طبع وتوزيع الشاهنامة على نطاق واسع , وتوجيه الأنظار والإنتباه إليها .
الفردوسي كان مجوسيا كما تؤكد كلماته في الشاهنامة نفسها , وكما تذكر المصادر الموثقة عنه , فقد كان يذكر المجوسية بإحترام كبير , في نفس الوقت الذي لم يكن يظهر أي إيمان عميق بالإسلام .. وحالة مثل حالة الفردوسي تدعونا نحن الباحثين التاريخيين والمؤرخين الى أن ننظر نظرة موضوعية الى فتوحات الدولة الإسلامية منذ فتح مكة وحتى فتح الأندلس , ولا نندفع في تقييم جوانبها الإيجابية متناسين سلبياتها التي جلبت على العروبة والإسلام وبال الحركات الشعوبية والعقائد الباطنية , وهذا هو الخراب بعينه .
بينما كان الفردوسي يتكلم عن المجوسية بكل إحترام , ورغم أنه لم يكن مسلما إلا ظاهريا , إلا أنه أظهر تحيزاً للتشيع وكما هو واضح من أبيات الشاهنامه ، معتبرا التشيع هو المذهب الإسلامي الحقيقي الوحيد فقط . وتفسير هذا التناقض في مغالاته بكل من المجوسية والتشيع يكمن في حقيقة أنه خلال القرون الأولى للإسلام ، كانت بلاد فارس أرضا خصبة لكل ما هو معادي للدولة الأموية , حيث إنتشر التشيع جنبا إلى جنب مع نضال الفرس في خراسان ضد الدولة العربية المسلمة . أضف الى ذلك وجود زعماء من قريش ( ليسوا من الشيعة ) ينتسبون الى البيت الهاشمي ويعملون ضد بني أمية منطلقين من بلاد فارس أيضا , وكمثال واضح على ذلك تحالفات ( بني العباس ) عم النبي مع الفرس من أجل تأسيس دولتهم وعاصمتها بغداد , ومن يقرأ كتاب ( مقاتل الطالبيين ) لإبي الفرج الأصفهاني وهو أموي من الفرع المرواني من بني أمية , يدرك أن المجازر التي تعرض لها أولاد وأحفاد ( أبو طالب ) عم النبي سارت على نفس المنوال سواء في الدولة الأموية التي أسسها بنو ( أمية ) عم النبي , أو الدولة العباسية التي أسسها بنو ( العباس ) عم النبي لا بل أن الخلافة في بغداد لم تكن تميز عند تعاملها مع بلاد فارس مابين المجوس , والزنادقة , والقرامطة ( شيعة إسماعيلية ) , والرفضة ( شيعة منشقين عن الإمام زيد ) .
إضافة الى كتاب ( أبو منصور المعمري ) الذي إستعمله الفردوسي منهلا للقصص التي يكتبها شعرا , فإن الشاعر كان قد إستعان بكتب أخرى مثل كتاب ( تاريخ الأرباب ) الذي يحكي قصص الدولة الفارسية القديمة , وقصصه مكتوبة شعرا باللغة الدارية الفارسية مبتدئة من تاريخ 7,000 سنة قبل الميلاد , وتحكي عن حياة الملوك الفرس , والفرسان الفرس , والنظام القانوني الفارسي , والديانات الفارسية , وإنتصارات الفرس ومآسيهم .
كما كان من أهم مصادر الفردوسي لكتابة الشاهنامه , كتاب آخر يدعى ( خوداينامه ) وهو كتاب تم تجميع حكاياته وكتابتها أثناء العهد الساساني , ومنه أخذ قصة المحارب الفارسي الأسطوري ( أزل ) الذي كان والده قد رماه عند سفح الجبل , فجاءت العنقاء وحملت الطفل وربَّته في عشها , لذلك إستمد منها قوته التي لا يستطيع أحد أن يتغلب عليها .
وأخيرا فقد كتب الفردوسي عن معاناته في تأليف الشاهنامة قائلا : (( لقد كنت أموت خلال هذه السنوات الثلاثين ، ولكن كان عليَّ إحياء العجم واللغة الفارسية ، لذلك واصلت الحياة لأن واجبي نشر بذور هذه اللغة وحكاياتها )) ميسون البياتي – مفكر حر؟