سياف الزهور – نصوص العار

 1 

نحن ماسحو الرعاف والسوائل الأنفية بالجدران وجذوع الأشجار

المستحمون عراة أو بثياب الخروج مع الخيول والبهائم في

المستنقعات ومياه الشرب.

أحفاد حطين واليرموك والقادسية

وذي قار، وذات الصواري، وذات الرئة.

بزفير الحمّى نشعل لفائفنا

وعلى سعالنا المتقطّع

تحدد ساعة الصفر

في أكثر الجيوش دماراً ووحشية

فنحن لسنا مرضى عاديين

بل مرضى متفوقون

من يجرؤ على مناقشتنا أو علاجنا وجهاً لوجه؟

أو تفريقنا عندما نجتمع.

أو تجميعنا عندما نفترق؟

يكتشف العالم دواء ناجعاً لمرض خطير

فنكتشف له ألف مرض أكثر خطورة، لا علاج له ولا شفاء منه

***

ثم مهما كانت حال أمعائنا وحناجرنا وصدورنا ووظائف الكبد

فينا أو مجال الرؤية عندنا .

لا أحد مخولاً بالرثاء لنا أو التعاطف معنا .

أسمالنا ضرب من الاحتيال .

وأضلاعنا البارزة

لإحباط الضواري

وإثارة كيد الجوارح وبزاة الطير.

وقروحنا تراجع مؤقت

وشجاعة أُجهضت في شهرها التاسع.

***

كما لا نريد لآلامنا أن تبرأ، أو تتناقص

ولا لجراحنا العميقة أن تلتئم، ويعود الجلد إلى سابق عهده …

بل وبدون أقنعة واقية من الغازات

أو معاطف واقية من خراطيم المياه

أو كرامة ضد وابل السخرية والإهانات

سنقوم بمظاهرات دورية ضد مبادئ الإسعاف الأولية.

والصليب الأحمر، وأطباء بلا حدود…

***

وها هي سهراتنا تدوم وتدوم

حول اللهب المغّذي بكل ما هو أخضر أو يابس من خيرات الوطن

وأظافرنا تطول وتطول، حتى تكاد أن تبلغ الدول المجاورة

دون أن يعترضها أو يقف في وجهها أحد

إنها وديعة الأمة فينا

متى طلَبَتها وجدتْها

ناشبة في وجهها وعنقها وعينيها !!

***

2

نحن المصطافين في الحدائق العامة ، وعلى سطوح منازلهم

وقريباً على أعمدة الهاتف والكهرباء

والمداخن والهوائيات المختلفة “وخاصة أسلاك الاستشعار عن بعد”

صحيح أن هناك البزاة وجوارح الطير

ولكنها أرحم من مناقير الأطباء في هذه الأيام

ومن الأسنان المكشّرة

حول كل قصيدة وثدي ، وناي، وبكارة …

*** 

في الحقيقة ليس هذا هو موضوعنا

فلا الشعر، ولا الجنس، ولا الهواء النقي، أو النسيم العليل

يعنينا بقليل أو كثير

فأمامنا هدف واحد ومحدد بأقلام الرصاص

على كل بقعة من بقاع الأرض:

على بعضنا، أو أحدنا، أن ينجو بأية وسيلة

من أية مشاجرة، أو عراك

أو لغم أرضي، أو انفجار طائرة

من أي وباء

أو طوفان

أو زلزال

أو بركان

أو ضربة شمس

أو لدغة أفعى

أو عضة كلب

إننا قلقون جداً…

نحن في مأزق

فالضباب يبقى ونحن نتلاشى

3

ولذلك لن أنام بعد الآن

في مكان واحد مرتين متتاليتين

وكالطغاة أو الأنبياء المستهدفين

سأضع شبيهاً لي

في أماكن متعددة ، في وقت واحد

لا لتضليل الوشاة والمخبرين، فقد صاروا آخر اهتماماتنا…

ولكن لتضليل القدر…

***

وإنني بهذه المناسبة

أنصح هذا الوطن العجوز الخرف

أن يقوم بنفس الشيء

ولا ينام في “خارطته” ليلتين متواليتين.

‎محمد الماغوط (مفكر حر )؟

About محمد الماغوط

محمد أحمد عيسى الماغوط (1934- 3 أبريل 2006) شاعر وأديب سوري، ولد في سلمية بمحافظة حماة عام 1934. تلقى تعليمه في سلمية ودمشق وكان فقره سبباً في تركه المدرسة في سن مبكرة، كانت سلمية ودمشق وبيروت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه، وعمل في الصحافة حيث كان من المؤسسين لجريدة تشرين كما عمل الماغوط رئيساً لتحرير مجلة الشرطة، احترف الفن السياسي وألف العديد من المسرحيات الناقدة التي لعبت دوراً كبيراً في تطوير المسرح السياسي في الوطن العربي، كما كتب الرواية والشعر وامتاز في القصيدة النثرية وله دواوين عديدة. توفي في دمشق في 3 أبريل 2006.
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.