سياسة لا تنتج الا المسوخ

بقلم: سيد ماجد مجدلاوي

ملاحظة: قلوب الجماهير العربية مع القضاء على داعش وكل التنظيمات الدينية الإرهابية. هذا الأمر ساهم بشكل ما بالتغطية على نظام عائلة الأسد القبلي الاستبدادي، الذي لم يوفر جرائمه ضد الشعب السوري.
من هنا سعادتنا بالقضاء على داعش لا يمكن ات تكون تأييدا لعودة نظام القبيلة الأسدية لسابق عهدها وجرائمها .. وافهم خوف الوطنيين السوريين من انتصار بشار رغم اني على ثقة انهم يرفضون أولا الدواعش، لكنهم قلقون من المستقبل .. مع نظام تاريخه لا يقل سوادا عن التنظيمات الدينية الإرهابية!!
لذا أقول بلا تردد ان بشار الأسد لم يغير شيئا من تشريع الاستبداد لنظامه.
يذكرنا التاريخ العربي بسابقة تاريخية لحاكم لا يختلف عن بشار وأب بشار، حين خطب عبد الملك بن مروان في المدينة، قال: “الا وأني لا اداوي هذه الأمة الا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم، والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا الا ضربت عنقه”.
الشعب السوري، مثل كل شعوب الأرض يشد خطاه على درب الحرية ولسان حاله يقول مع جعفر الصادق: “لا دين لمن دان بولاية إمام جائر” واليوم إمامنا هو الرئيس بالوراثة للجمهورية السورية، التي صمدت ليس بفعل دعم الشعب السوري لنظام استبدادي ارهابي، بل بفعل رفض الإرهاب الداعشي ، والتدخل الروسي والإيراني.!!
قال عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي المعاصر إدغار موران والذي يعد أحد رموز الفكر الغربي المعاصر: “الفنون أنتجت مبدعين والسياسة أنتجت مسوخاً”. وحين أنظر الى السياسة اليوم، أكاد أنكرها. هذه ليست جامعتنا التي نشأنا وتثقفنا بفكرها السياسي المتنور. بل واراها خلواً من أي عنصر أخلاقي أيضاً. فهل ستظل السياسة العربية، من السعودية وصولا لقطر مرورا بمصر وصولا الى سوريا تنتج مسوخاً فقط؟!
من المستهجن ان أحزابا عتيقة، كانت يوما ما صاحبة تقاليد ثورية، وفكر طلائعي، وقادة طلائعيون في فكرهم وثقافتهم وتثقيفهم للجمهور، لا تخجل ان تصير أحزاب جواري ومخاصي، ومروجين لشعارات ملها الشارع: “الاستعمار والصهيونية” ظنا ان زج هاتين الكلمتين قادر على قلب الحقائق، او خلق ردود فعل تسانومية لدعم نظام سفاح ضد شعبه، قتل آلاف المواطنين قبل الدواعش.. وزج الآلاف بسجون هي مقابر للأحياء!!
ثوريو آخر زمن، ولا أعني فئة محددة بمساحة جغرافية، لا يسمعون ولا يرون. وقديما قالوا “أسد في الشام فأر في الجولان”. ووزير الخارجية السوري وليد المعلم أضحكني قبل سنوات بتهديد العالم كله بمعداته العسكرية: “التي من الأفضل ان لا يخرجها جيش سوريا الباسل للاستعمال”.. على الأقل استعملوها لمواجهة احتلال الجولان والغارات الإسرائيلية ..؟!ّ
احصائيات قبل الحرب الداعشية المدمرة في سوريا اشارت الى حقائق مذهلة مما كان يجري في شوارع سوريا من قتل يومي “للمستعمرين والصهاينة”، التقارير قبل الدواعش تحدثت عن 4000 قتيل “استعماري وصهيوني” و100 الف أسير من “المستعمرين والصهاينة”.. وهناك سلاح سوريا ليوم الدين: سلاح الشبيحة الرهيب، ولمزيد من التفاصيل توجهوا لمستشارة بشار الأسد، السيدة بثينة شعب واحد وتعرف في وثيقة الميلاد ب “بثينة شعبان”.. التي اشتقنا لصوتها، رغم بشاعة اقوالها..
لم يغب عن بالي ردود فعل المسوخ المصفقين لبشار. والمسوخ أنتجت من هم دونهم في المسوخية.. أناس غير قابلين للحوار. غير قادرين على سماع موقف عقلاني مغاير. عقولهم في إجازة لا تبدو نهايتها. انتقلنا من ثقافة مبنية على العقل والفلسفة والمنطق الى ضحالة المسوخية. وصار أي انتقاد لنظام عائلة الأسد الاستبدادي، يصنف الناقد بمعسكر الدواعش.. دون فهم ان النظام الاستبدادي هو من ورط سوريا بحرب داعشية دينية مدمرة.
واجهت تجربة سياسية وثقافية مثيرة وغنية في حياتي. وتثقفت بأن لا أتردد في تغيير ما كان يبدو ثوابت وقناعات لا بديل لها، اذا أرشدني تفكيري الفلسفي الى رؤية جديدة.
لست ممن يؤمنون بثوابت غير قابلة للتغيير. كل شيء في عالمنا متحرك. كل شيء في حياتنا متغير. ما هو صحيح اليوم قد يكون خطأ غداً. والإنسان بدون تجربة يبقى مثل المادة الخام .. جاهزاً لاستعمال الآخرين له.
لا أتردد في طرح رأيي ولو أثار غضب ألمسوخ السياسيين والشبيحة الإعلاميين والمدعين للمعرفة. على الأقل عقلي ليس في إجازة. إذا أخطأت أستطيع ان اعرف خطأي وأصوب تفكيري.
يرى موران أيضا أننا ما زلنا نعيش في العصر البربري للأفكار، إذ عادة ما تكون أخطاؤنا نتاجاً لصيغة مشوهة لتنظيم المعرفة. ولذلك يبدو الفكر المركّب وحده هو الذي سيمكّننا من جعل معرفتنا حضارية. والفكر المركب، حسب رؤيته… يتأرجح بين التطلّع إلى معرفة غير مختزلة والاعتراف بنقصان وعدم اكتمال كلّ معرفة. ليت الجالسين في مراكز القرار السياسي، يفكرون بهذا المنطق.
الويل لمن يظن أن المعرفة هي قسمته والآخرين مجرد كومبارس في جوقتهم. المعرفة نسبية، فلماذا يدّعي رجال السياسة انهم يعرفون كل شيء، ويعرفون اتجاهات التطور؟ ولماذا نرى ان المثقفين غير الناضجين، يقعون بنفس الهيكلية التافهة للمعرفة الكاملة؟
كان الطلائعيون من القادة السياسيين، مثقفون متنورون، واسعي الإلمام والمعرفة، مجتهدون متابعون لكل التطورات التاريخية والثقافية والاجتماعية في عالمنا، وهم أبرز ممثلي الفكر والرؤية التنويرية في مجتمعاتهم.
انتهى دورهم دون ان يعدوا جيلا جديدا. هنا كانت زلتهم الكبيرة.
وحدث الفصل بين السياسي والثقافي مع وصول من ملأوا الفراغ. وهذا الفصل بين الثقافي والسياسي أنتج مسوخا، تصلح للتصفيق.
والمسوخ لم ينتجوا الا سياسة مشوهة ..
وكل مدع لاكتمال المعرفة، يتيه في أول أسطر يخطها.
وكل الأحداث التي نعيشها تؤكد مرة بعد أخرى ان السياسة لا تحتاج الى سياسيين محترفين، يمارسون الدجل، انما الى أدباء وشعراء وأصحاب فكر وفلاسفة ورجال علم.
رجاءً لا تصدقوا الدجالين .. لا فرق بين زعيم فلقة حزبية، او تيار طائفي، أو رئيس دولة.
احذروا: اذا لم تصيروا مسوخا للنظام السوري ستتهمون بالعمالة للاستعمار والصهيونية والدواعش أيضا!!

saidmajdalawi@gmail.com

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.