قد نتفق في بعض العموميات والعناوين العريضة فيما يخص سوريا كسوريين وتتفق معنا، ولا شك، شخصيات في سدة الحكم والقرار حولها وتكلمت بها علنا لجهة وجود تقصير هنا وإهمال وسوء إدارة هناك وفساد ها هناك وو لكن نحن كاستراتيجيين وإعلاميين ومتابعين غير عاديين للحدث السوري من زمن سحيق، ولم نبرح سوريا للحظة حتى في أوج احتدام الحرب رغم الخطر الماثل وقربنا من جبهات ساخنة جداً حيث كانت الصواريخ تنهال يومياً وتعبر من فوق رؤوسنا، وحتى لو همـّشنا النظام وأجهزته، وحاول جاهدا التعتيم علينا كجزء من استراتيجياته الإقصائية المعروفة لتيارات وطنية بعينها وتقريبه لأخرى “بعينها” من جهة أخرى، فما حصل في سوريا كان فصلاً طويلاً في مسرحية باتت معروفة للجميع ربما حملت، ظاهرياً، بعض الهموم والأوجاع والشعارات البراقة الداخلية، لكن “باطنياً”، (المعنى ملغوم قصداً بشكل مزدوج أي دينو-سياسياً) لا يمكن فصلها عن استراتيجيات وسياسات خارجية معروفة بفوضى كوندوليزا رايس وخراب الشرق الأوسط، وما تلاها وقبلها قانون معاقبة سوريا المعروف (وحين نقول قانون أمريكي أي يجب تنفيذه حين يوضع بالعرف الأمريكي فلا يوضع أي قانون لمجرد الفرجة عليه وكان على الاستراتيجيين والمستشارين والمستشارات العبقريات التنويه لذلك وهذا أحد جوانب التقصير الكبرى والخطيرة في الإدارات السورية العليا) والقانون موجود من 2004 إن لم تخني الذاكرة، وحينها كنت خارج سوريا وكتبت وأشبعته “طرقاً” وقرعاً يومها، وهناك الكثير مما يمكن قوله في تفنيد زعبرة وخزعبلة “الثورة” التي ارتكبت أخطاء كارثية قاتلة لا يمكن غفرانها ولا نسيانها تحت أي مبرر ومسامحتها فيها كما لا يمكن لعاقل أو وطني سوري أو حتى أي آخر حيادي أن يسميها “ثورة” بأفعالها وخطابها ورهاناتها وحماقاتها إن لم نقل جرائمها الرعناء..
بالمقابل أخطاء النظام المستمرة من يوم يومه، وتبدو عملية مراكمة الأخطاء والأزمات والتطنيش عليها وعدم الاقتراب من هموم وأوجاع السوريين التي لعب عليها المتآمرون لليوم في صلبها وهي استراتيجيته الوحيدة الواضحة والملموسة، فالنظام، ومسؤولوه، لا يلقي ولا يعطي أي بال للداخل، ويأنف من ذكر كلمة شعب سوري أحياناً، وكأن أمره لا يعنيه وكل حديثه عن العرب وإيران والمقاومة وحماس وهذا أمر خطير جدا على النظام أولا قبل غيره وكما يقال: “مو كل مرة بتسلم الجرة”.
وإضافة لعودة التحالف العلني مع التيارات الداخلية الرجعية والسلفية والظلامية، وهو الخطر الوجودي الأكبر على النظام بتكرار منفر ومكروه لتجربة الثمانينات، فلليوم لا يوجد أي قرار جدي وإنساني لمعالجة ملايين الحالات الإنسانية في سوريا والتخفيف عن كاهل الفقراء والجياع والمحرومين وضحايا الحرب، لا يوجد أية منظومة حمائية للمواطن ولا مرجعية قانونية يلجأ لها لإنصافه وإعادة حقوقه المغتصبة…لا قوانين ضمان اجتماعي أو تقاعد عادلة وصناديق شيخوخة وتأمين صحي وتعويضات عادل والأهم بطالة تستشري وتضرب وتفتت أوصال المجتمع وتدفع خيرة عقوله وأبنائه للهجرة والرحيل…
لنقل هناك تقريبا 2 مليون موظف(أو كما يسمونهم عامل بالدولة حسب جهابذة الاشتراكية المرحومة المنتقلة لرحمة الليبرالية المتوحشة)، يتقاضون رواتب من الدولة وهؤلاء بمعظمهم من المقربين والبعثيين والأمنيين والمرضي عنهم والمؤلفة قلوبهم والقائمين عليها وووو ولنقل معهم 6 ملايين آخرين من الأخوة والوالدين والأخوات والأبناء يعيشون على رواتبهم، فسيبقى لدينا حوالي 16 مليون سوري لا علاقة لهم بسوريا لا من قريب ولا من بعيد ولاشيء يربطهم بسوريا، وهذا على كافة المؤشرات الدولية كالبطالة والتنمية والعمل والدخل الوطني والعدالة الاجتماعية والمساواة والتمييز والمهمشين والفقر والفقراء ووو فشل وانهيار جماعي وكارثة وطنية وإنسانية وأخلاقية حقيقية قل وجودها، فلا يعقل إخمال شؤون حياة ومصائر هذه الملايين من قبل نخب حاكمة تتحكم برقاب السوريين، وهذا لليوم جزء من حالة الاستعصاء الداخلي والأزمة السورية التي تتطلب حلا سريعا وفوريا وهنا مربط الفرس وهنا خلاص النظام الأخلاقي قبل الوجودي وترميم للعلاقة التاريخية الطويلة”المعروفة” وهو ما يجب أن يـُعنى به وليس الأرقام التلفزيونية لعدد العائدين لحضن الوطن المفكك الممزق المدمـّر الجائع الفقير المفلس الخاوي على عروشه …فهذا العائد لحض الوطن وغيره يريدون، أيضاً، الأمان والاستقرار الاجتماعي والمعيشي، وهو أولاً، قبل أن يفكروا بالرحيل وخلق “المشاكل” والمشاغبات من جديد، وقبل تحرير القدس وتحقيق حلم البعث والرفاق بالقيادة القطرية بالوحدة العربية، ذلك الحلم المشبوه المريب بطيء الكواكب الطويل البعيد.