سوريا.. سلام قبيح خير من حرب مستمرة

صورة سيد جواد غفاري بين قادة الجيش الأسدي

الكاتب جيمي كارتر الرئيس السابق لأميركا

خلال اجتماعهما في العاصمة الفنلندية هلسنكي في يوليو الماضي، اتفق الرئيس دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسبما أفادت بعض التقارير، على إنهاء الحرب السورية وإبعاد القوات الإيرانية عن الحدود السورية- الإسرائيلية. كما أشار ترامب إلى أنه مستعد لقبول بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة ولسحب القوات الأميركية من سوريا. ولا شك أن هذه بداية؛ ولكن ثمة حاجة للمزيد من أجل إنهاء العنف في سوريا.
لقد توحدت قوى غربية وشرق أوسطية منذ 2011 حول شعار «على الأسد أن يرحل»؛ ولكن هذا التركيز على مصير الرئيس السوري شدّد المواقف على كل الجوانب وزاد من صعوبة بحث خيارات أخرى.
والواقع أن الدعوات لتغيير النظام السوري قلّت منذ ذلك الوقت، غير أنه ما زالت ثمة بعض الأصوات في الأوساط السياسية الغربية التي تطالب بانتقال كامل للسطة من حكومة الأسد. والحال المقاربة الأفضل في هذه المرحلة تكمن في اختبار قدرة الحكومة السورية على بدء مسار جديد يمكن أن يضع حداً للحرب.


ولهذا الغرض، يتعين على البلدان الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، أن تعيد التعامل بشكل تدريجي مع الحكومة السورية. ويمكنها البدء في ذلك عبر إعادة فتح سفاراتها في سوريا، نظراً لأن غياب الدبلوماسيين الغربيين عن دمشق أدى إلى فرص ضائعة. كما يتعين على الغرب التخلي عن هدف تغيير النظام وتخفيف التوقعات بشأن تحول ديمقراطي في سوريا على المدى القصير إلى المتوسط. وبالمقابل، ينبغي أن ينصب التركيز على بناء الديمقراطية بخطوات هادئة غير متسرعة.
وفي مقابل إعادة الانخراط هذه، يتعين على دمشق سن إصلاحات، وإنْ كان على الغرب أن يبقي على مطالبه معتدلة. وإضافة إلى ذلك، يتعين على الغرب أن يكون مستعداً للإسهام في إعادة بناء سوريا، ربما على نحو انتقائي حسب المناطق، بيد أن المساعدات الإنسانية وحدها لن تكون كافية أبداً طالما أن السوريين غير قادرين على إعادة إحياء اقتصاد البلاد وخلق وظائف، وخاصة للشباب.
والحال أنه لا يمكن إعادة إحياء الاقتصاد السوري طالما أن البلاد تحت عقوبات تؤذي المواطنين العاديين. ولهذا، فإن رفع العقوبات سيكون أساسياً من أجل مواجهة التحديات الضخمة لإعادة الإعمار، والبطالة، وإعادة إحياء الاقتصاد. وإلا، فإن جيلاً من الأطفال السوريين الذين سيصبحون راشدين خلال السنوات القليلة المقبلة، والشباب الذين لا عمل لهم الآن وفي العشرينيات من أعمارهم، سيصبحون هدفاً للمجنِّدين المقاتلين والمتشددين ويمكن أن يستأنفوا الحرب خلال العقد المقبل. وللشروع في مواجهة هذه التحديات، يجب على كل الأطراف المعنية الانخراط في عملية سياسية من أجل إنهاء الحرب. أما إضعاف عملية جنيف للسلام من قبل سوريا أو عدم الاهتمام الأوروبي بالوضع، فلن يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار والمعاناة.
وهناك أسباب أخرى للنزاع في سوريا يجب معالجتها. فحكومة الأسد تمكنت، بمساعدة من روسيا وإيران، من استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي التي كانت خسرتها أمام أنواع مختلفة من القوات المتمردة، التي تتراوح من المليشيات العلمانية إلى الإرهابية المرتبطة بتنظيم «داعش» و«القاعدة» وتنظيمات متطرفة وعنيفة أخرى.
وعلى الرغم من هذه المكاسب، إلا أن جزءاً كبيراً من سوريا ما زال خارج سيطرة الحكومة، بما في ذلك 27 في المئة من مناطق البلاد في الشمال والشرق، وفق أبحاث «مركز كارتر»، التي يسيطر عليها الأكراد السوريون بمساعدة ائتلاف دولي تقوده الولايات المتحدة. فمجموعات المعارضة، التي تربط بعضها علاقات وثيقة مع «القاعدة»، تسيطر على محافظة إدلب الواقعة شمال غرب البلاد. وتركيا أنشأت على حدودها منطقة محمية في شمال غرب سوريا.
وفي يوليو الماضي، التقى وفد كردي مع الحكومة السورية بهدف التفاوض حول استمرار الاستقلال بحكم الواقع الذي حصل عليه الأكراد منذ بداية الحرب. وهذا تطور بنّاء، وينبغي تشجيع المزيد من مثل هذه المحادثات. كما يتعين على المعارضة، التي تتركز في محافظة إدلب، بحث الأشياء التي يمكن تحقيقها من خلال الحوار السياسي. فمواصلة القتال لن تجدي نفعاً. وفي الوقت نفسه، سيحتاج تحديد مصير المناطق التي تحتلها تركيا في شمال غرب سوريا إلى تدخل دولي.
وحتى تثمر هذه الجهود المعقدة وتأتي أكلها، يجب على الحكومة السورية أن تعترف بحتمية الإصلاحات وتطبّق تدابير بناء الثقة، بما في ذلك إطلاق المعتقلين ومحاسبة المسؤولين عن سوء معاملتهم، ذلك أن انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب وحقوق الإنسان ارتُكبت في سوريا، بما في ذلك استخدام أسلحة كيماوية. وبعض هذه الانتهاكات ما زالت متواصلة إلى اليوم. ونتيجة لذلك، نزح نصف سكان البلاد ودُمرت منازلهم وحيواتهم. وقد شاهد المجتمع الدولي هذه الانتهاكات ولم يفعل شيئاً حيالها، ما عدا في 2013، عندما أدى جهد روسي- أميركي مشترك إلى إزالة الجزء الأكبر من مخزون أسلحة البلاد الكيماوية من سوريا. ولا شك أن تحديد المسؤولية عن الكارثة في سوريا سيكون جزءاً مهماً من عملية التعافي في مرحلة ما بعد الحرب، ولكن الأولوية الآن ينبغي أن تكون إنهاء الحرب. فقد خلص الكثير من السوريين إلى أن أي سلام تقريبا، حتى وإنْ كان سلاماً ناقصاً أو قبيحاً، أفضل من العنف المتواصل، وذلك لأن البديل هو دولة فاشلة لعقود مقبلة في قلب الشرق الأوسط.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

المصدر الاتحاد

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.