سلسلة دراسة الوضع في سوريا: الجزء الرابع عشر
منذ حوالي اسبوعين دخلت إلى صفحة الاستاذ أكثم نعيسه، وهو حقوقي وناشط سياسي ومعارض سوري، ومن أصول علوية،
دخلت إلى صفحته وتركت تعليقا على أحد بوستاته، في أقل من دقيقة رد علي أحد أصدقاء الصفحة بقوله: أيتها “النصرية” الحاقدة!! باختصار شديد جدا، وبالسوري المشرمح (كيّلتلو) فانسل، وبعد تراشق بالقذائف دام طويلا، انسلّ يجر وراءه آذيال خيبته….
…………….
هناك نقطة، بل نقاط مهمة أود أن أطرحها في هذا البوست. النقطة الأولى والأهم هي أنني انقهرت…. لم أنقهر من هذا العنصري الحقير، فهي ليست المرة الأولى التي يشتمونني فيها ويعيرونني بطائفتي، ولن تكون الأخيرة….. لذلك لم أنقهر من هذا الحاقد بقدر ما انقهرت من الاستاذ نعيسه، باعتباره “معارض” سوري، وباعتباره أيضا علوي المنبت ـ شاء أم أبى ـ لقد اختبئ خلف الكواليس يراقب المعركة من بعيد، ورفض أن يتدخل ليقول ـ ولو كلمة ـ لطائفي حاقد وصديق لصفحته، حاول أن يحط من طائفة بأكملها لمجرد أنه اختلف بالرأي مع أحد أفرادها. يبدو أن الشجاعة عملة نادرة جدا، وثري جدا من يملكها!!
…….
صباح هذا اليوم كنت على الماسنجر مع صديق من الموالين، فقال في سياق الحديث: (أنت وأحبابك المعارضة)
قلت على الفور: من تقصد بأحبابي المعارضة؟؟
فرد: ألستِ من المعارضة؟
قلت: اتهامك هذا لا يقل اساءة إلى شخصي ومقامي من اساءة مسلم سني عندما يتطاول على علويتي! لا لست من المعارضة، ولا يشرفني أن أكون… موقفي من النظام في سوريا واضح وضوح الشمس، ومبني على علم بطبيعة الأنظمة الشمولية والديكتاتورية وبمعرفة دقيقة لطبيعة الحياة في سوريا، ولكنني أرفض رفضا قاطعا أن يحشرني أحد تحت مظلة معارضة، لم
تثبت وعلى مدى سبع سنوات من حرب طاحنة إلا عنصريتها وطائفيتها وانحطاطها الأخلاقي والعرفي والإنساني!!
………..
كنت أعتبر الاستاذ نعيسه وقليلين غيره من المعارضين بعض الزبدة التي تطفو على سطح طعام فاسد، وكان لي بهم بعض الأمل. لكن من خلال تجربتي هذه، ومن خلال مرات عديدة دخلت بها على صفحات هذه القلة فوجدت من العبارات الطائفية والعنصرية المنحطة ما يقشعر له البدن، دون أي تدخل من قبل صاحب الصفحة،من خلال تلك التجارب تعززت قناعتي أنه من لمستحيل أن تولد معارضة حقيقية خلوقة وانسانية في مجتمع منهار فكريا وأخلاقيا وسلوكيا، فالشيء لا يخرج من عدمه!!
…………
لا شك أن الحقد الطائفي في سوريا ( بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة تتعلق بطبيعة النظام الديكتاتوري) هو الذي أوصلنا إلى الحرب وليست الحرب هي التي خلقت طائفيين…. فمنذ أن وعدهم نبيهم من (أنهم سينقسمون إلى ثلاث وسبعين فرقة واحدة فقط في الجنة)، وهم يغرزون السكاكين في رقاب بعضهم البعض كل فرقة تتوهم أنها الناجية! لكن والحق يقال، لم نر أحدا يجاهر دائما بحقده الطائفي كما يفعل بعض السنة، الاتهامات والشتائم التي تصدر من الطائفة السنية بحق الأقليات الأخرى
يجب أن تجد من يملك الجرأة من السنة، ومن الأقليات أنفسهم، للوقوف في وجهها فلقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى….
عقلاء السنة يتظاهرون بأنهم لا يسمعون، وعقلاء الأقليات يخافون من الاتهام بالطائفية، ولذلك هذه السلوكيات الطائفية الحاقدة تستفحل ولا من يقف في وجهها!
………
تحضرني الآن قصة القبيلة العربية التي كانوا يلقبونها استهزاءا بـ “بني انف الناقة” لأن انوفهم طويلة… حتى انبرى شاعر منهم ونظم قصيدة في مدح قبيلته، قال فيها شطرا غيّر مسار التاريخ بالنسبة لهذه القبيلة وجبرها على أن تفختر بالاسم ، جاء فيه: (ومن يساوي بانف الناقة الذنبا)؟!!
ها انا أجد نفسي، كما وجد ذلك الشاعر نفسه، موصومة بشتيمة “نصيرية” غصبا عني، ولذلك لا يسعني إلا أن أتساءل:
أنا نصيرية حاقدة؟؟؟؟ كم مرة فجر “نصيري” حاقد نفسه في مدرسة للأطفال، أو في عرس أو في فندق أو في سوق خضرة؟!
كم مرة اختطف “نصيري” حاقد طيارة وفجرها ببناية تعج بالابرياء؟ كم مرة خرج شيخ “نصيري” ليفتي بنكاح الميتة ومعاشرة البهيمة وارضاع الكبير وأكل لحم تارك الصلاة وشرب بول البعير ، وقس على ذلك؟ كم مرة قطع “نصيري” حاقد رقبة أمه على الملأ لأنها سنية كافرة؟؟ كم مرة شق “نصيري” حاقد صدر نصيري آخر وأكل قلبه؟؟؟ كم مرة تسلل “نصيري” حاقد إلى كنيسة وأحال المصليين أشلاءا؟؟ كم مرة أفتى “نصيري” حاقد بنكاح أمه وابنته في سبيل الجهاد؟؟؟ كم مرة سبى “نصيريون” حاقدون نساء ازيديات واغتصبوهن، ومن ثم باعوهن في سوق النخاسة على مرأى من العالم كله؟ كم مرّ خرج رجل “نصيري” من على منبر معبده ليلعن السنة ويتهمهم بالكفر والزندقة؟؟؟ كم شاب “نصيري” اتهم آخر بأنه سني حاقد لمجرد أنه اختلف معه في الرأي؟؟؟ هل سمعتم بحادثة انتقام واحدة من ثلاثة مليون سني هاجروا إلى مناطق علوية خلال
سبع سنوات من الحرب؟ كيف عامل العلويون هذه الملايين؟ تشاطروا معهم رغيف الخبز…. سيخرج علي حاقد آخر ليقول: والنظام “النصيري”؟؟ هنا أود أن أرد سلفا: إذا اعتبرنا ـ ومن باب الجدل ـ أن النظام في سوريا “نصيريا”حاقدا, أتوسل إليك أن تدلني على نظام سني (مشرشر محبة) حتى أصفق له…. كيف ستتعامل الاسرة الملكية الحاكمة في السعودية لو زحف الإرهاب السني إليها؟؟ وسنشهد في الغد القريب كيف سيتعامل النظام السني في مصر مع الإرهاب السني في سيناء، فالمعركة القادمة أرضها مصر، وإن غدا لناظره قريب…..
………….
في علم النفس الاجتماعي عندما يتكرر نفس السلوك خلال فترة زمنية معينة نستطيع وبسهولة أن نسمي تلك السلوكيات “ظاهرة”. لذلك، اليس من السهل أن نقول أن هناك ظاهرة “ارهاب سني”؟ للكراهية درجات، والحقد أعلاها…. لقد ضرب الحقد أطنابه في بعض أبناء الطائفة السنية إلى حد لم يعد السكوت عنه مقبولا! لا شك أن الإرهاب عموما اسلامي، ولكن هل أحد ينكر أنه يكاد يكون ـ وبشكله الأقبح ـ سنيّا بالمطلق؟؟؟ الحقد يبلغ ذروته عندما لا يميز الحاقد بين أهله وغيرهم… ولقد قتل الإرهاب السني من السنة أكثر مما قتل من غيرهم… ماعلاقة الحقد “النصيري” بالمواجهة بين الجيش المصري والارهابين في مصر اليوم؟ ماعلاقة الحقد “النصيري” بحادثة تفجير ثلاثة فنادق تغص بأعراس لأبناء الطائفة السنية في عمان؟؟؟ ماعلاقة الحقد “النصيري” بالتفجيرات التي حدثت في تركيا والتي تزعم اليوم بأنها حامية للسنة في العالم؟؟ ماعلاقة الحقد “النصيري” بعشر سنوات تعتبر الأدمى في تاريخ الجزائر، خسرت خلالها ربع مليون ضحية ، وكلهم سنة، وكلهم ثمرة للإرهاب السني؟ ماعلاقة الحقد النصيري في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا؟؟؟ ماعلاقة الحقد النصيري بالتفجيرات التي حدثت في السعودية؟ ماعلاقة الحقد “النصيري” بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وبالارهاب الذي روّع اوروبا والعالم كله خلال العقدين الماضين؟؟ أندونيسا سنية بالمطلق، ماعلاقة االحقد “النصيري” بالإرهاب الذي ضربها ومازال يضربها؟؟ كل هذه الكوارث الإرهابية لم تستطع أن تطرح سؤالا واحدا بخصوص طائفة منفذيها وأحقادهم وأنماطهم التربوية؟؟؟ فقط كتابات وفاء سلطان تبرهن على أنها “نصيرية ” حاقدة؟؟
……………………
عندما توصم طائفة بكاملها بالحقد، يجب أن تكون قادرا ـ وبسهولة ـ أن تبرهن أن طائفتك تتدفق أنهارا من المحبة، فالنقيض بنقيضه يعرّف، وإلا فأنت تسقط مافي نفسك على غيرك….. لم يتهموا “النصيريين” بالحقد وحسب، بل قالوا عن النصارى حاقدين واليهود حاقدين والروافض حاقدين والملحدين حاقدين والماركسيين حاقدين وكل شعوب الأرض حاقدة إلا هم فلولا محبتهم الدفاقة لخربت الدنيا!!!
………………………………..
كلنا نتابع مايجري في ايران….. والشعب الإيراني ليس أقل حقدا على حكومته من الشعب السوري، وهو بالحقيقة يستحق
حكومة أفضل بمليون مرة من حكومة الملالي العاهرة التي تقبض على رقبته، لأنه ـ وليس لدي أدنى شك ـ أكثر شعوب المنطقة علما ووعيا وانفتاحا على الحياة، ولو نال حريته لصارت ايران أمريكا الشرق في غضون عقود.
سؤالي: هل يتوقع أحد منكم مهما وصلت درجة الصراع في ايران بين الشعب والحكومة، هل يتوقع أحد منكم أن يسمع بايراني فجر نفسه داخل مدرسة أطفال في طهران؟؟ هل فعلها شيعي في العراق انتقاما للتفجيرات التي أودت بحياة الآلاف من الشيعة في العراق، والتي نفذها سنيون بالمطلق؟ طبعا لا…..
والسؤال: لماذا هذا الحقد المتجلي في أبشع صوره يكاد يكون محصورا في الطائفة السنية؟
………………..
تحضرني هنا عبارة حفظتها عن ظهر قلب في بداياتي, يومها كنت مغرمة بالقراءة إلى حد الإدمان ( وأشكر الله لم أشفَ بعد من هذا الادمان) العبارة وردت على لسان أحد أبطال إحدى روائع الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي، تقول: (الحياة معترك، أبطاله أشرار وسلاحهم الرذائل من لم يحاربهم بمثل سلاحهم هلك….)
طبعا، العبارة تحمل فكرا شموليا لا يمكن أن اؤمن به….. فالحياة جميلة، وجميلة جدا، وأغلب من تصادفه فيها عاقلا! هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، لا يمكن تحت أي ظرف أن يهبط الإنسان العاقل إلى مستوى مخلوق عنصري حاقد ويستخدم نفس قيمه، ولا احاول في هذا البوست أن أفعل ذلك….. ولكن؟؟؟ أقول: ولكن…. أحيانا يحاصرك البعض في زاوية تضطر عندها أن تضربهم بفردة حذائك، فيتراءى للغير أنك هبطت إلى مستواهم! أستخدم هذا الاسلوب اليوم خلافا لعادتي، لأنني اؤمن ايمانا مطلقا بأن فرعون لم يتفرعن إلا لأنه لم يجد أحدا يقف في وجه فرعنته، وهذا هو الحال مع هؤلاء من أهل السنة. قد يتهمونني بالطائفية لأنني طرحت هذا الموضوع….. لا يهم، فالاتهام لن يحرك ذرة غبار على حذائي؟ وهل اتهامهم لي باالتأمرك والصهينة والماسونية والكفر غيّر قيد شعرة من موقفي؟؟؟؟ أنا لا أشتري الاديان كلها بقرش أكله الصدأ، ناهيك عن الطوائف، وأعتقد أنها كلها ـ وبلا استثناء ـ ساهمت في تشويه النفس البشرية أكثر مما ساهمت في اصلاحها، لكن لم يستطع أي منها أن يشوه كما شوهت العقيدة السنية عموما وليس تعميما….
……………………..
إذا اعتبرنا الدين ـ أي دين ـ سرطان دماغي، لكن حتى في المجال الطبي لا يمكن أن تعالج السرطان حتى تعرف نوعه وطبيعته ، فلكل نوع طريقة علاجية مختلفة. ونحن اليوم أما سرطان سني هو الأشرس والأخطر! لست هنا لأعتبر السنة المشكلة ، بل على العكس تماما لأعتبرهم الحل ليس هذا وحسب، بل لأعتبرهم الحل الوحيد!! لا يمكن أن تقوم قائمة للبلدان الاسلامية مالم تتشكل ثورة حقيقة يقودها عقلاء السنة والمستنيرون منهم، باعتبارهم الأكثرية، فوضع الأقليات في أي بلد يعكس وضع أكثريته!
………….
لي من السنة أصدقاء لا أستبدلهم بأهلي، وكانوا من اوائل المشجعين لي، لأنهم اشجع من أفراد أية أقلية أخرى…. لكنني أطرح هنا حقائق لا يستطيع انسان أن ينكرها، وعلينا أن نتعامل معها كما هي تجاهلها لا يعني حلها ولا ينفي وجودها، بل يساهم في استفحالها….. الكل يعرف موقفي من الاسلام عموما، وبمختلف طوائفه، ولا استثني الطائفة العلوية من موقفي، فعليّ ـ في نظري ـ لم يكن أقل عنفا من محمد!!
في المدارس كلنا خضعنا للغسيل الدماغي الإسلامي بشكله السني، ولكن لم يخرج علوي واحد، أو درزي، او اسماعيلي أو أحمدي أو حتى شيعي ليمتلك من الحقد مايدفعه لأن يفجر نفسه في رهط من الاطفال بدون أي رادع او وازع، أو أن يحرق الطيار الأردني السني معاذ الكساسبة بهذه الوحشية المرعبة… ألا يقودنا هذا إلى الاعتقاد بان التربية المنزلية في معظم البيوت السنية هي تربية متطرفة وتساهم في خلق هؤلاء الارهابين؟؟ صحيح أن داعش اسلامية، ولكنها سنية بالمطلق!!! يتهمون ايران والنظام “النصيري” في سوريا بخلق داعش، والسؤال: كيف استطاعوا أن يقنعوا أكثر من مائة ألف داعشي من اصول سنية بأن يتوحشوا إلى هذا الحد وأن يشتغلوا لحسابهم؟ أليس في هذا الاتهام هروبا من مواجهة الحقيقة؟!!
…………….
لماذا لا نطرح الموضوع ـ وبجرأة ـ على بساط البحث؟ وأتوقع من كل عاقل سني أن يدلو بدلوه ويلعب دوره، ففي النهاية لا يحل هذا الأمر إلا عقلاء السنة أنفسهم….. حتى هنا في أمريكا، كنا نخاف من ردات فعل الشعب الأمريكي، ولكنني لاحظت مؤخرا صار البعض من الأمريكان (البعض المهم جدا منهم) يسالني إن كنت سنية أم من طائفة أخرى….. يبدو أن الفروق لم تعد خافية على خبراء الغرب، ولهذا السبب عند المحك هم يفضلون الحكومات الديكتاتورية على أية معارضة تلبس أقنعة علمانية لتخفي حقدها الدفين، ليس ضد الأقليات وليس ضد أبناء جلدتهم وحسب، بل ضد الحياة نفسها……. هذا الحقد الطائفي ضد العالم كله، والذي استفحل وتفرعن بلا ضوابط، عزز مواقف الأنظمة الديكتاتورية وأحكم قبضتها وأطال عمرها فهي ـ والحق يقال ـ أهون الشرين!!! وفي نهاية المطاف انسان الوطن ـ بغض النظر عن طائفته ـ هو الخاسر الأكبر، إن لم يكن الوحيد!
***************************************************************
أعزائي القرّاء: مرّة اخرى أعتذر عن الإطالة, الصور المرفقة هي لي مع السيدة رغد رستم، وهي من أقرب الأصدقاء إلى قلبي. سورية حلبية من اصول اسلامية سنية، وتدير شبكة الملحدين العرب على الانترنت. معا سنشترك في خلق قناة على اليوتيوب تساهم في نقد التربية الاسلامية، واخراج رهائنها من مغبتها ليروا النور ويستنشقوا هواء الانسانية.. كان لي معها اجتماع البارحة في بيتي… لكم ولها كل محبتي…