غزا الجيش العثماني الإمبراطوريه البيزنطيه وإستولى على عاصمتها القسطنطينيه في 29 مايو 1453 وكان الجيش تحت قيادة السلطان محمد الثاني البالغ من العمر 21 عاماً الذي هزم جيشاً بقيادة الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر بالايولوغوس . سيطرت القوات العثمانيه بعد حصار بري وبحري استمر 53 يوماً ثم نقل السلطان محمد الثاني عاصمة إمبراطوريته من أدرنه إلى القسطنطينية وأسس بلاطه فيها
الاستيلاء على القسطنطينيه وجميع اراضي الإمبراطوريه الرومانية التي يمتد تاريخها 15 قرن الى الوراء كان ضربة هائلة للمسيحية وتسلل للجيش العثماني المسلم دون رادع للتقدم إلى أوروبا , ولحظه فاصله في التاريخ العسكري حيث تم إستخدام المدافع والبارود من قبل العثمانيين لتحطيم أسوار القسطنينيه عند الإستيلاء عليها
كانت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية منذ عام 330 ب . م بناها الإمبراطور قسطنطين الكبير, ولم يتم احتلالها غير مره واحده عندما استولى عليها الصليبيون عام 1204 وأسسوا عليها ولاية لاتينيه تم إسقاطها من قبل جميع الإمارات المحيطه وهن يدافعن عن العرش البيزنطي , لكن القسطنطينيه لم تسلم من الطاعون الذي قتل نصف سكانها ولا من غارات اللاتين والصرب والبلغار والسلاجقه والأتراك فتقلص حجم المدينه الى بضعة أميال مربعه
عندما أعقب السلطان محمد الثاني والده عام 1451 على الحكم كان يبلغ من العمر 19 عاماً فقط . افترض الأوربيون أنه غير قادر على تحدي الهيمنه المسيحيه في البلقان وبحر إيجه , وكان السلطان نفسه يساعدهم على هذا الفهم بإستقبالاته الفخمه للوفود الأوربيه في بلاطه , في نفس الوقت الذي يبني قلعة مطله على مضيق البسفور من الجانب الأوربي ضمنت له السيطره التامه على الحركه البحريه في البسفور , ثم بنى أسطولاً بحرياً كبيراً أغلب قطعه تحمل المدافع التي تعمل بالبارود وتستطيع قذف أي سور بكرة من الحجر يزيد وزنها على ربع طن من مسافة تبعد حوالي كيلومترين , وعلى الرغم من أن البيزنطيين كانوا يمتلكون مدافع ، إلا أنها كانت أصغر بكثير من مدافع العثمانيين وكان ارتدادها أثناء الرمي يتلف أسوار القسطنطينيه
بعد إحتلال القسطنطينيه أمر محمد الثاني جنوده بتسليب المدينه خلال 3 أيام , فقاموا بذبح عدد كبير من المسيحيين , وآلاف من جرائم السلب والإغتصاب , وإختطاف 30 ألف إمرأه وإجبارهن على الرحيل كسبايا , كما تم نهب نفائس الكنائس وتدميرها ونهب المحلات التجاريه وسرقة البيوت وتدميرها بحيث لا تعود صالحة للسكن . في اليوم الثالث للتسليب أمر السلطان بوقفه وأمر بعودة النازحين خارج المدينه الى منازلهم دون مسائله وإحتفل بإنتصاره وأطلق على نفسه لقب : قيصر الروم
تم تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد ، ولكن سمح للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية أن تبقى سليمة وتم تعيين بطريرك للمسيحيين فيها . قاد سقوط القسطنطينية الفصائل المتنافسة إلى الادعاء بأنها وريثة الإمبراطورية , اشتبكت المزاعم الروسية بالتراث البيزنطي مع ادعاءات الإمبراطورية العثمانية , وقدم كل من ستيفان دوشان القيصر الصربي ، وإيفان ألكسندر قيصر بلغاريا إدعاءات مماثلة بصفتهم ورثة شرعيين للإمبراطورية الرومانية . وهناك مطالبات أخرى مماثله من جمهورية البندقية , والإمبراطورية الرومانية المقدسة
موجات هجرة العلماء البيزنطيين في الفترة التي تلت سقوط القسطنطينية يعتبرها الكثير من العلماء المفتاح لإحياء الدراسات اليونانية والرومانية التي أدت إلى تطور النزعة الإنسانية في عصر النهضة . هجر المدينه النحاة ، والإنسانيون ، والشعراء ، والكتاب ، والمحاضرون ، والموسيقيون ، والفلكيون ، والمهندسون المعماريون ، والأكاديميون ، والفنانون ، والفلاسفة ، والسياسيون ، واللاهوتيون فجلبوا إلى أوروبا الغربية قدر أكبر من معارفهم المتراكمة , وعرّفوها بحضارتهم اليونانية والرومانيه الخاصة بهم
بين عامي 1919 و 1922 حاول السياسي اليوناني إلفثيريوس فينيزيلوس الاستيلاء على القسطنطينية من الإمبراطورية العثمانية , فدخل في الحرب اليونانية التركية (1919-1922) مستغلاً ضعف الإمبراطورية العثمانية بشدة بسبب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى و احتلال القسطنطينيه من قبل البريطانيين والفرنسيين , لكنه خسر إنتخابات عام 1920 وذهب الى المنفى , ثم ربحت تركيا الحرب اليونانيه التركيه
خلال الحرب العالميه الثانيه أراد موسوليني الهجوم على تركيا وإستعادة القسطنطينيه وتأسيس الدوله البيزنطيه الثالثه لكن تلاحق أحداث الحرب العالمية الثانيه لم يعطه مجالاً لفعل ذلك
اليوم حين يرفض الإتحاد الأوربي ضم تركيا الى الإتحاد فهو مأخوذ بذلك الشعور العميق بالتحدي الديني والقومي الذي تعانيه أوربا حتى اليوم من سقوط عاصمتها المسيحيه , وما إدعاءات مذابح الأرمن وغيرها ضد تركيا إلا تنفيس عن تلك المشاعر التي لا تزيدها سياسة أردوغان ( السلطان العثماني الجديد ) إلا عداوة وإستفحالاً ولا تدل على أي بعد نظر سياسي ناهيك عن إحتفال مئات الآلاف من الشعب التركي كل عام بسقوط المدينه
استخدم العثمانيون تسمية القسطنطينيه في العديد من وثائقهم , ثم أصبح إسم المدينه ( إسلامبول ) أي أرض الإسلام , ثم إشتق إسم إستانبول من اللغة اليونانيه التي يجيدها أغلب الإتراك ومعنى الإسم هو ( الى المدينه ) ثم تحول ( إستانبول ) الى إسم رسمي للمدينه عام 1930 في عهد أتاتورك
د. ميسون البياتي