في حفل غداء معلوماتي رائع أقامه الشيخ د.محمد صباح السالم على شرف د.جوزيف ساسون الأميركي ذي الأصول العراقية، والباحث في جامعة جورج تاون الشهيرة، استمعنا منه لملخص ما وصل إليه من أسباب حروب وأحداث جسام تمت بالمنطقة عبر اطلاعه على آلاف الأشرطة المسجلة والوثائق المكتوبة التي نُقلت لمعهد «هوفر» الأميركي بعد ثورة 14 محافظة عام 1991 وسقوط بغداد عام 2003.
***
فيما يخص حرب صدام على ايران عام 1980 تظهر الاشرطة المسجلة لاجتماعات مجلس قيادة الثورة العراقي ان صدام اطلع المجلس بشكل مسبق على نيته الهجوم على ايران دون ان يعترض احد (ومن يجرؤ على الاعتراض) وكان يعتقد في حساباته الخاطئة «دائما» ان الحرب لن تستمر اكثر من 6 أيام كحال حرب 1967 بعد هجومه الجوي والبري المفاجئ على ايران وان الشعب الايراني سيثور ويسقط النظام، وفي هذا السياق يرى الباحث كينيث بولاك في كتابه «حروب العرب» ان خطة هجوم صدام العسكرية على ايران هي أغبى واسوأ خطة حرب اطلع عليها في ابحاثه حيث نشر قواته على جبهة طولها ألف كيلومتر وباختراق بسيط للعمق الإيراني، مما مكن ايران من حشد قواتها ورد العدوان.
***
وفيما يخص غزو الكويت استمع الباحث ساسون لاشرطة اجتماع صدام مع السفيرة الاميركية واشرطة ما بعد اللقاء وكان واضحا، حسب قوله، ان المترجم لم يوفق في عمله حيث لم ينقل بدقة ما قالته السفيرة غلاسبي، وان الاسوأ من الترجمة القاصرة هو الفهم الخاطئ تماما من قبل صدام لما حدث، حيث اخبر رفاقه بأن عدم تهديد ووعيد السفيرة له باستخدام القوة ضده عندما أتى على ذكر خلافه مع الكويت يعني ان اميركا لن تتدخل، فغزا جارا له ودمر بلده والمنطقة بسبب خطأ بسيط في.. الترجمة!
***
وعن هروب الرجل الثاني في نظام الطاغية صدام والذي أوصى صدام مجلس قيادة الثورة بأنه خليفته، ونعني حسين كامل، الشبيه بهروب هيس نائب هتلر لبريطانيا، اتضح ان سببه الرئيسي غيرة وهجوم عدي في تلفزيونه وجريدته عليه كي يلطخ سمعته ويحل محله في خلافة والده، وكان كامل يأمل ان القوى الاقليمية والدولية التي هزمت صدام في أم المعارك ستسقط صدام وتجعله رئيسا للعراق، وهو ما لم يحدث ودفع حياته ثمنا لطمأنة صدام له وانه لن ييتم أحفاده، وأما حرب 2003 فكانت مثالا رابعا لحسابات صدام الخاطئة دائما وأبدا بعد أخطاء عام 80 وعام 90 وعام 91 واخيرا عام معركة «ام الحواسم» التي حسمت حكمه البغيض وأسقطته!
***
آخر محطة:
(1) آلاف التسجيلات وملايين الاوراق من الوثائق المختصة بحكم صدام والاحداث الجسام التي تمت في عهده والموجودة في معهد «هوفر» تحتاج من الكويت وحتى الدول الخليجية والعربية الى ارسال باحثين للاطلاع عليها، فأعمال صدام اثرت على مسارات دول عربية اخرى مثل لبنان الذي اشعلت جبهة التحرير العربية التابعة له فتيل حربه الأهلية، ومثلها الحرب التي شنها الجنرال عون على اللبنانيين والسوريين بأوامر من صدام لمناكفة الاسد والتي ردها له الاسد بالوقوف ضده في غزوه للكويت.
(2) في دراسة بحثية معمقة للبروفيسور جوزيف ساسون للانظمة الجمهورية التي نشأت بالمنطقة العربية بعد عام 1952 وجد ان اخفاقها جميعا كان بسبب عوامل مشتركة بينها، منها تفشي الفساد والظلم والقمع والطغيان وتقديم اهل الثقة على حساب اهل الكفاءة وعدم محاسبة المخطئين وانتشار الخوف وطغيان الشعارات السياسية الزائفة والضارة على العمل الاقتصادي الجاد والنافع.
*نقلا عن “الأنباء”