التاريخ يحدثنا عن الكثير من الانتصارات العسكرية, التي تمت, لكنها تحولت الى انتكاسة مخيفة, بسبب غياب الجهد الأمني لاحقا, فيحصل تشتت للهمم, نتيجة عدم وجود خطط محكمة لكيفية السيطرة على الأرض, أتذكر جيدا قصة فتح مكة, والتي كانت نصرا كبيرا للمسلمين, باعتبار ان مكة كانت اكبر قلاع الكفر, لكن بعد فتحها ورحيل الرسول الخاتم (ص) حصلت عاصفة مخيفة, كادت تؤدي الى ردة, , حيث كانت مخططات سرية لرؤوس الكفر, واتفاقيات بين أعداء الإسلام, من يهود وشيوخ الكفر وجمع من المنافقين, للسطوة على الحكم والانتقام والسيطرة.
لولا لطف الله وحكمة أهل بيت النبوة (ع), والأصحاب الأبرار, التي حفظت الإسلام والأمة من الضياع.
بعد تحرير الموصل من سيطرت البرابرة الجدد “الدواعش”, يجب الانتباه الى أن الانتصار العسكري ليس هو النهاية, فعملية استمرار السيطرة على الأرض هي الأصعب, والمخاطر المتوقعة كثيرة وكبيرة أن لم يجب الانتباه لها.
هنا نرسم خطوات مهمة لأهل الشأن, فيما يجب أن يقوموا به, وألا تحول النصر الى انتكاسة.
أولا: تقسيم الموصل جغرافيا
للسيطرة التامة على الموصل يجب تقسيمها جغرافيا, بحيث يمتنع أمام أي جهد عسكري جديد أحداث أي خلل, فتكون كل منطقة معزولة عن الأخرى, مما يمنع توحد جهود الدواعش, مع نشر السيطرات وإغلاق بعض الشوارع, بالاضافة لأهمية نشر كاميرات المراقبة, في الأماكن الحساسة من شوارع وأسواق ومؤسسات وبيوت شيوخ العشائر والجوامع, هذا التقسيم الجغرافية يسهل للقوات الأمنية استمرار السيطرة, ويمنع سقوط المحافظة بالكامل كما حصل سابقا.
يجب أن تكون هنالك خطة واضحة معالم, وتطبق فورا على الأرض, قبل أن تنظم فلول الدواعش صفوفها, خصوصا أن بينها ضباط امن سابقين وبعض رجال صدام, ممن يمتلكون الخبرة والقدرة على أعادة ترتيب الأوراق, بالاضافة لعامل خطير وهو تواجد ساسة خائنون ومن أهل الموصل, ممن سبق لهم التعامل مع القاعدة وداعش, ويكون من السهل التعامل معهم مجددا, لغرض توفير الحماية لخلايا داعش والبعث, للعودة من جديد بشكل هادئ.
ثانيا: ملاحقة شيوخ العشائر المؤيدين لداعش
عندما احتلت عصابات داعش الموصل, ساندها الكثير من شيوخ العشائر, حيث انتشرت إخبار وصور وفيديوات استضافتهم للدواعش, بل وإعلان البيعة لأبو بكر البغدادي, فلم يخجلون ولم يكن الأمر سرا, بالاضافة لتسخير قوة عشائرهم البشرية لخدمة داعش, هؤلاء يجب ملاحقتهم قانونيا, وعدم فسح المجال لهم للعودة لأنهم سند داعش, وجزء من المصيبة التي حصلت.
المفروض ان تكون القضايا القانونية جاهزة من ألان, بحق هؤلاء الشيوخ الخونة, الذين ارتضوا مساندة القتلة, ومدوهم بكل وسائل التمدد الجغرافي في الموصل, فمن المعيب على الحكومة المسامحة في أمر هؤلاء الخونة, ويجب أن يكون الفعل سريعا, فمع كل يوم تأخير يعني أن العدو قد كسب خطوة.
ثالثا: مراقبة الجوامع
ثقافة التكفير في الموصل انطلقت من الجوامع, خصوصا أن اغلب الجوامع كانت تحت سطوة الوهابية, ومنذ منتصف التسعينات, حيث خطط الطاغية صدام لنشر الفكر التكفيري في المحافظات السنية الثلاث (الانبار والموصل وتكريت), فتحولت الجوامع الى بؤر لنشر الفكر التكفيري, وبعد عام 2003 أصبحت تنشر فتاوى تكفير أبناء الوطن, وتدفع المصلين للقيام بالعمال إرهابية, ومن خلالها تم تنظيم صفوف القاعدة, ثم داعش, فتحولت الجوامع الى مقرات رئيسية للبرابرة الجدد “داعش” .
على أهل الشأن ملاحقة شيوخ الجوامع في الموصل, ممن كانوا يفتون بقتل الشيعة والكورد والمسيح والصابئة والايزيديين, فهؤلاء الشيوخ كانوا جزء من داعش, بل هم المحرك نحو الأعمال الإرهابية, ويجب معاقبتهم بحسب القانون, ومنعهم من الاستمرار في نشر سمومهم, وعندما يتم أزالتهم عندها فقط أن نتأمل خيرا.
مع أهمية تواجد خطة بديلة, بالاتفاق مع الوقف السني بتهيئة شيوخ معتدلين, وليسوا وهابيين, ويكون خطابهم للتسامح والسلام والمحبة, وان ينتشروا في كل جوامع الموصل, بدل الأوغاد الذين تسببوا بمحنة أهل الموصل وحرف فكرهم.
رابعا: ملاحقة فلول الدواعش
مع انطلاق عمليات التحرير, تمكن المئات من الدواعش الهرب للمناطق الجبلية أو عبروا نحو سوريا, والبعض الأخر اندس بين النازحين, هؤلاء يجب ملاحقتهم, وعدم التساهل في أمرهم, حيث على الحكومة تنظيم أوامر ملاحقات قانونية, والاتصال بالانتربول لأهمية القبض عليهم, لما يمثلوه من خطر على السلم المحلي والعالمي, حيث في قدرتهم أعادة الحياة لخلايا داعش بشكل يسير, فمن الظلم المسامحة أو التساهل مع المجرمين, خصوصا أن العراق قدم مئات الشهداء في سبيل تحرير الأرض من سطوة البرابرة الجدد “الدواعش”, فالوفاء لشهداء الجيش والحشد الشعبي يكون عبر ألامساك بكل الدواعش الفارين.
والملاحقة لكي تكون ناجحة, يجب أن تكون وفق منهج وخطة واضحة, فالعمل وفق خطط وبرامج يكون أكثر تأثيرا, بعد أن شاهدنا كيف أن الإعمال العنترية أو الشكليات لا تحدث أثرا على المدى البعيد.
خامسا: اجتثاث البعث
بعد 2003بقيت المحافظات الثلاث (الموصل والانبار وتكريت) محافظة على شكلها القديم, من تأييد كبير لحكم صدام, باعتبار تفضيلها من قبل نظام البعث على سائر المحافظات, فكان قادة الجيش والحرس الخاص والأمن والمقربين هم من هذه المحافظات الثلاث, أي أن الموصل تعتبر قلعة مهمة لحزب البعث.
الحقيقة المؤسفة أن حكم الجعفري وما تلاه من حكم المالكي بدورتين, قد فشلا تماما في معالجة مسالة بقاء حزب البعث في الموصل ( والانبار وتكريت), ففي بعض المدن بقيت جداريات صدام! وبقي اسمه على المدارس والمعاهد, وبقيت طقوس البعث تمارس, من قبيل الاحتفال بيوم مولد الطاغية, أي أن اجتثاث البعث لم يحدث في الموصل, بل شهدت عمل حثيث للبعثيين, عبر تسلقهم المواقع المهمة في المحافظة, والى أن تم نشر الفكر التكفيري تحت حماية بقايا البعث.
ألان ليكون النصر مكتملا, يجب أن تكون عند الحكومة خطة متكاملة لاجتثاث حزب البعث وفكره, من الحياة في الموصل, وفق جدول زمني مناسب, وألا ستضيع كل التضحيات التي قدمها أبناء العراق الشرفاء, في سبيل تحرير الموصل.
سادسا: جمع السجلات ومنظومات المعلومات
بعد التحرير يجب أن ينشغل المختصون, في جمع كل السجلات والكتب والمعلومات الالكترونية, التي خلفها داعش, مع الحفاظ على الدواعش الذي يمثلون صندوق معلومات مهم, للاستفادة منها في قلع جذور داعش من الواقع الموصلي, فالمعلومات تمثل كنز مهم للجهات الأمنية, لمعرفة حقيقة التنظيم الإرهابي ووضع الخطط اللازمة لمعالجة تلك المدخلات, أما لو حصل الإهمال وعدم المبالاة, فيعني جهل شديد لمن بيده القرار.
فمن المهم تنظيم قاعدة بيانات, لجميع من انخرط في تنظيم داعش الإرهابي, والاستفادة القصوى من المعلومات التي خلفها التنظيم, الى أن يتحقق الراد في النصر التام على العصابات البربرية “داعش”.
سابعا: خطة لنشر الفكر الوسطي
من ألان يجب أن تكون هنالك خطة متكاملة, لنشر فكر التسامح, والمساواة, واحترام الأخر, بعد أن عانت الموصل ومنذ أكثر من عشرين عام, من تكريس الفكر التكفيري في المحافظة, أي ولدت أجيال وتربت على هذا الفكر المنحرف, الذي زرعه صدام وأثمر جيش من المجرمين والقتل والذباحين, الملاحظ انه عند دخول داعش للموصل, كان الغريب أن نشاهد تأييد كبير لها وسط اهل السنة, من سكنة الموصل, والسبب شيوع الفكر التكفيري المنحرف بينهم, لذلك العمل يجب ان يتوجه لنشر الوسطية ونبذ العنف والكراهية.
وهذا يشمل المدارس والمعاهد والكليات والجوامع, مع تكريس أعلام هادف محايد, يدعوا للمدنية والسلم الأهلي واحترام الأخر, ويرفض كل إشكال العنف والتكفير.
أي أننا بأمس الحاجة ومن اليوم, لخطة مدروسة وتفعل على الأرض, لتخليص الموصليين من الفكر المنحرف, أما أن تكاسلت الحكومة في هذا, فانه يعني ان النصر لم يكتمل بل نكون في مواجهة جديدة مع التكفيريين.
● الثمرة
بالعمل في هذه النقاط السبعة سيكون النصر مكتملا في الموصل, ومن دونها فيعني أننا أمام مخاطر جسيمة, قد تظهر لاحقا بشكل داعش أو بلبس ثوب جديد, فنطالب الحكومة الاهتمام بهذه السطور قبل حصول الانتكاسة.