سأخون وطني 5

محمد الماغوط

سيداتي سادتي

مواطن عربي ينقل إبرة الراديو من محطة إلى محطة ويقلّق على ما يسمعه من أغان وبرامج وأخبار وتعليقات، من الصباح الباكر حتى نهاية الإرسال في الوطن العربي.
 إذاعة رقم 1 : عزيزي المستمع، في نزهتنا الصباحية كل يوم تعال معنا إلى ربوع الوطن الحبيب حيث لا شيء سوى الحب والجمال.
 المستمع: والتخلف.
 إذاعة رقم 2: أغنية لفيروز “جايي، أنا جايي …. جايي لعندك جايي”.
 المتسمع: يا فتّاح يا رزّاق، انها حتماً فاتورة الماء أو الكهرباء أو الهاتف.
 إذاعة رقم 3: عزيزي المستمع مع الورود والرياحين والنرجس والنسرين والفل والياسمين.
 المستمع: أي فل وأي ياسمين. والله لو مات أحد أصدقائي في هذا الغلاء الفاحش فلن أستطيع أن أقدم له إلا إكليلاً من الخطابات.
 إذاعة رقم 4: قصيدة اليوم: وللحرية الحمراء باب.
 المستمع: بكل يد قابضة يدق.
 إذاعة رقم 5: واننا نعلن من هنا أن لا شروط لنا أبداً على تحقيق الوحدة العربية.
 المستمع: باستثناء شرط واحد هو أننا لا نريدها.
 إذاعة رقم 6: حكمة اليوم، قل كلمتك وامش.
 المستمع: إلى البنك.
 إذاعة رقم 7: ان المجلس الأعلى لشركات الطيران العربية يحذر في مؤتمره المارقين والعابثين بقضايانا المصيرية ويضع كافة امكاناته وطاقاته في خدمة المعركة.
 المستمع: بما أن الأمور قد وصلت إلى شركات الطيران فمعنى ذلك أن القضية “طايرة قريباً”.
 إذاعة رقم 8: أغنية “حلم لاح لعين الساهر”.
 المستمع: عودة الحياة الطبيعية إلى لبنان.
 إذاعة رقم 9: من أنبائنا الرياضية خرج الجواد العربي “نور الصباح” من الداربي الانكليزي بعد الشوط الأول بسبب إهمال الجوكي وسقوطه عنه.
 المستمع: طبعاً لأن العرب لا يعرفون أن يخيّلوا إلا على بعضهم.
 إذاعة رقم 10: وان الاتحاد النسائي العام في الوطن العربي يدعو كافة أعضائه المنتسبات …
 المستمع: …. إلى ترك أطفالهن دون رضاعة، وأزواجهن دون طعام، وبيوتهن دون ترتيب ومطابخهن دون جلي والتفرّغ لحلّ مسؤولياتهن وفضح المؤامرات التي تحاك ضد قضيتنا وأمتنا، وكل فرع لا يتقيد بهذه التعليمات يغلق وتختم جميع مكاتبه “بالشكلس الأحمر” .
 إذاعة رقم 11: وكما قلنا وأكدنا مراراً نعلن أمام العالم أجمع أنه:
لا صلح
 لا اعتراف
 لا مفاوضات
 المستمع: لا تكذبي. إني رأيتكما معا.
 إذاعة رقم 12: واننا نؤكد أيضاً من هنا ولجميع شعوبنا العربية والإسلامية أننا لن نذهب إلى مؤتمر ولن ننسحب من جلسة ولن نتهاون في قضية ولن نساوم على حق ولن نتردد في مساعدة ولن نتراجع عن موقف ولن نفاوض ولن نصالح ولن نقرر إلا ما تمليه ارادة الشعوب.
 المستمع: والشعوب في السجون.
 إذاعة رقم 13: أغنية ” دايماً وراك دايماً أتبع خطاك دايماً “.
 المستمع: معروفة المواطن والمخابرات.
 إذاعة رقم 14: وبعد أن شرح سعادته لسفراء الدول الغربية الظروف الخطيرة التي تمر بها المنقطة، أعطاهم مهلة شهرين للعودة بأجوبة واضحة من حكوماتهم، وذلك قبل بدء حملة الانتخابات الأمريكية وانشغال العالم بها، لأن العرب مصممين أكثر من أي وقت مضى على صوم رمضان القادم في القدس والصلاة في عكا والوضوء في مياه نهر الأردن.
 ثم استقل سعادته الطائرة في رحلة استجمام إلى أوروبا تستمر…
 المستمع: إلى ما بعد الإنتخابات الأمريكية.
 إذاعة رقم 15: واننا في هذه الظروف المصيرية نحث جميع القادة والمسؤولين العرب على الالتزام بقرارات جميع القمم العربية دون استثناء: قمة الخرطوم وقمة الرباط وقمة بغداد وقمة فاس الأولى والثانية.
 المستمع: عجيب، كل هذه القمم وما زلنا في الحضيض.
 إذاعة رقم 16: والآن سيداتي سادتي، ومع اقترابنا من ركن المنزل تنضم جميع موجاتنا العاملة…
 المستمع: إلى جبهة الصمود والكفاح العربي … ونقدم لكم طبخة اليوم.
 إذاعة رقم 17: ان طريقنا إلى فلسطين لا بد أن تمر من بيروت.
 المستمع: …. ومن جونيه.
 إذاعة رقم 18: ومن موسكو.
 إذاعة رقم 19: ومن واشنطن.
 المستمع: من كثرة الطرق التي أصبحت تؤدي إلى فلسطين صارت القضية في حاجة إلى ادارة مرور.
 المذيع : إخرس.
 إذاعة رقم 20: فيروز تغني أنا وشادي … تربينا سوا … راح شادي … ضاع شادي …
 المستمع: بس شادي؟
 المذيعون العرب: إخرس.
 المستمع: لن أخرس.
 المذيعون العرب: ستخرس رغماً عن أنفك . ( وتمتد مئات الأيدي من الراديو وتنهال عليك ضرباً وصفعاً ): كلب، جاسوس، حقير، طابور خامس … الخ…
 إذاعة رقم 21: نأسف لهذا الخلل الفني، وسنعود إليكم فور إصلاحه.
 إذاعة اسرائيل: لا … لا … خذوا راحتكم

‎محمد الماغوط (مفكر حر )؟‎

About محمد الماغوط

محمد أحمد عيسى الماغوط (1934- 3 أبريل 2006) شاعر وأديب سوري، ولد في سلمية بمحافظة حماة عام 1934. تلقى تعليمه في سلمية ودمشق وكان فقره سبباً في تركه المدرسة في سن مبكرة، كانت سلمية ودمشق وبيروت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه، وعمل في الصحافة حيث كان من المؤسسين لجريدة تشرين كما عمل الماغوط رئيساً لتحرير مجلة الشرطة، احترف الفن السياسي وألف العديد من المسرحيات الناقدة التي لعبت دوراً كبيراً في تطوير المسرح السياسي في الوطن العربي، كما كتب الرواية والشعر وامتاز في القصيدة النثرية وله دواوين عديدة. توفي في دمشق في 3 أبريل 2006.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.