رشيد رضا خادما لعبد العزيز قبل أن يقابل عبد العزيز

أحمد صبحى منصور
نشر الوهابية فى مصر بين عبد العزيز آل سعود و رشيد رضا .
كتاب : نشأة وتطور أديان المسلمين الأرضية
الباب الأول : الأرضية التاريخية عن نشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية
الفصل التاسع : إنتشار الوهابية فى دولتها السعودية الراهنة
رشيد رضا خادما لعبد العزيز قبل أن يقابل عبد العزيز
أولا : وهابية رشيد رضا تظهر فى حياة محمد عبده
1 ـ فى العصر الليبرالى فى مصر كتب الامام محمد عبده فى مذكراته يهاجم عميد الأسرة الحاكمة فى مصر ، لأنه إحتكر الزراعة والصناعة والتجار ومنع من حمل السلاح وقام بتهميش الطيقة الوسطى . بكل دهاء أنتهزها رشيد رضا فكتب يهاجم الاحتفالات التى أقيمت عام 1902 بمناسبة مرور مائة عام على حكم أسرة محمد علي مصر، وبين رشيد في هجومه مساوئ حكم محمد علي وذكر أن من أبرزها قضاءه على الوهَّابيين في بلاد نجد والقضاء على ما نهضوا به من الإصلاح الديني والسياسي في جزيرة العرب.
2 ـ على هذا يكون رشيد رضا أول من دافع عن الوهابية فى تاريخ مصر الحديث . وقتها كان عبد العزيز آل سعود قد إستولى على الرياض فقط وبدأ خطواته فى توسع دولته الوليدة بالوحشية الوهابية ، ولم يكن مشهورا خارج الجزيرة العربية.
ثانيا : دفاع رشيد عن عبد العزيز قبل إستيلائه على الحجاز
1 ـ مع تحرر رشيد رضا من مشروع استاذه الفكرى بموت الامام محمد عبده عام 1905 كان الشاب عبد العزيز ينشىء بالوحشية الوهابية دولته قطعة قطعة يتوسع منها فى نجد وماحولها. لم يأبه رشيد رضا بالمذابح التى أقامها عبد العزيز ، بل تابع دفاعه عن عبد العزيز .
2 ـ فمثلا فى صراع عبد العزيز مع آل الرشيد المسيطرين على شمّر وعاصمتها ( حائل ) سخّر رشيد المنار لنقل الأخبار متحيزا لابن سعود ـ وهو المعتدى ـ زاعما أن ابن رشيد هو الأجهل والأظلم .وقتها كان رشيد يعمل خادما لبريطانيا ومتعاونا مع الشريف حسين خصم الوهابيين ، ومع هذا كان يجد وقتا للدفاع عن عبد العزيز دون أن يلتقى عبد العزيز .
ثالثا : إنحياز رشيد الى عبد العزيز فى صراعه مع الشريف حسين
1 ـ وتطور الأمر بهزيمة الشريف حسين وطرده وأسرته من الحجاز بعد إستيلاء عبد العزيز على الطائف ومكة والمدينة وجدة . عندها أسفر رشيد رضا عن وجهه الوهابى فأخذ ينتقد الشريف حسين في المجلدين الخامس والعشرين والسادس والعشرين من ” المنار “، وأخذ يؤيد ابن سعود ويدعو إلى تأييده ،معتبرا أن ابن سعود هو خير الملوك في شبه الجزيرة العربية ، ويقارن بينه وبين غيره مع تساؤل فمن من الملوك المذكورين في شبه الجزيرة يستحق أن يسود العرب .؟ ويجيب ( والجواب على هذا السؤال سهل ميسور ،وهو ان ابن سعود هو احقهم، لان رعيته تطيعه وتحبه . ).
2 ـ ثم يكتب رشيد إلى صديقه الأمير شكيب رسالة بتاريخ 15 من جمادى الآخرة سنة 1344 هـ ـ 31 ديسمبر سنة 1925 ، يقول له فيها : ” والذي نعلمه منذ سنين ، وازددنا علما في هذه الأيام ، انها ما وجد في بلاد العرب بعد صدر الإسلام من يقدر على حفظ الأمن في الحجاز ونجد مثل هذا السلطان ” . يعني ابن سعود . ويعلق شكيب على ذلك بقوله : ” هذه حقيقة لا يقدر أن يتمارى بها احد ، ولا من اعداء ابن سعود “.
3 ـ وفي كتاب رشيد : ” السنة والشيعة ” يتكرر تمجيد رشيد لابن سعود قبل فتح الحجاز بسنتين .
رابعا : رشيد رضا بوقا دعائيا لعبد العزيز قبل أن يلتقى عبد العزيز
1 ـ ويبدو أنه كانت هناك علاقة ومراسلات بين رشيد رضا وعبد العزيز قبل إحتلاله الحجاز عام 1925 . يقول د الشرباصى عن علاقتهما : ( ويظهر من هذا ان العلاقة بين ابن سعود ورشيد طيبة ، وستزداد هذه العلاقة مع الأيام توثقا وتعمقا ، وقد عثرت على رسائل من ابن سعود إلى رشيد يتضح منها عمق هذه العلاقة . ).
2 ـ ويمكن أن نتأكد من وجود تناغم بين إحتدام الصراع بين الشريف وعبد العزيز وإنعكاسه على كتابات رشيد رضا وهو يؤيد عبد العزيز ويهاجم الشريف حسين. وهذا التناغم يعنى ان رشيد عمل بوقا دعائيا لعبد العزيز بعد ان ترك العمل لدى بريطانيا والشريف حسين ، بل أخذ يهاجم سيده السابق الشريف حسين لصالح سيده القادم عبد العزيز.
3 ـ هاجم رشيد الشريف حسين أمير مكة؛ لأنه قَبِل الوصاية من دولة أجنبية باسم الحماية أو الإشراف. ولبس رشيد ثوب الوطنية فبادر بالهجوم على من يتعاون مع بريطانيا ( ناسيا نفسه ) ولم ينج أمين الريحانى الكاتب والمؤرخ من ارتياب رشيد بأنه يعمل لانجلترة . ثم أخَذ يكتب في النزاع القائم بين الشريف حسن وسلطان نجد وملحقاتها (عبدالعزيز آل سعود)، فذكر أن رجال الجامعة الإسلامية أعداء بريطانيا يفضِّلون سيادة ابن سعود في الحجاز على سيادة الشريف حسين وأولاده.
4 ــ كما تطرَّق رشيد الى الدفاع فجأة عن الوهابية : ( وحقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب التي يتمسَّك بها أهل نجد؛ لأنها قائمة على العودة إلى الإسلام في أصوله الأولى ومحاربة الأمور الدخيلة والبدعية في الدين. ) . كما قام رشيد بالرد على تشويهات حكومة الحجاز لعقيدة أهل نجد ودعوتهم السلفية، وبذلك دافَع رشيد في هذه المقالات عن أهل نجد دينيًّا وسياسيًّا، وقد جمعها في كتاب أسماه “الوهَّابيون والحجاز”.
5 ـ بل لم يتورع رشيد عن إصدار فتوى طويلة يدين فيها الشريف ومحالفته لبريطانيا وفرضه ضرائب باهظة على الحجاج، ومنعه بعضهم من الحج (كحجاج نجد) وانتهى في فتواه إلى أن الشريف حسينًا قد جنى على الحرمين الشريفين، وعلى الحرم الثالث (المسجد الأقصى) بجعْلها تحت سلطة غير إسلامية، وأن بقاءه ملكًا للحجاز في مكة خطر على الحرمين الشريفين وسائر جزيرة العرب في أن يزول ملك الإسلام منه، ثم ذكر أن الواجب على المسلمين إنقاذ الحرمين الشريفين منه.
6 ـ بعد هذه الفتوى مباشرة استولى إخوان عبد العزيز على الطائف، وذبحوا أهلها ، وقد تعرضنا لهذا فى مقال سبق عن وحشية الوهابية فى تاسيس الدولة السعودية الراهنة ، وأدت هذه المذبحة الى تسليم أهل مكة فدخلها الوهابيون في ربيع الأول 1343هـ (1924م)، ثم تمكَّن (عبدالعزيز آل سعود) من الاستيلاء على (المدينة المنورة) ثم (جدة) في جمادى الآخرة عام 1344هـ (1925م) بعد حصار لها دام قرابة السنة، وبذلك دخل الحجاز تحت الحكم السعودي.
7 ـ أثناء هذه المعارك كثّف رشيد رضا فى الدعاية لعبد العزيز ، لم يكتب فى المنار فقط بل كان يكتب فى الأهرام وغيرهما في تأييد ابن سعود، وبيان مساوئ الشريف حسين في الحجاز مما سبب زحف النجديين عليه، أى يهيل التراب على مذبحة الطائف بجعل مساوىء الشريف حسين فى الحجاز هى السبب فى إحتلال عبد العزيز للحجاز. وكأنما إكتشف لأول مرة فساد الشريف حسين ، وهو الذى كان فساده مفضوحا لا يخفى عن مسلمى الهند والمغرب بسبب سلبه الحجاج من كل الأقطار وسوء معاملته لهم .سكت رشيد رضا عن هذا ثم تحدث عنه فيما بعد تأييدا لسيده الجديد عبد العزيز ،ولم يكن قد إلتقاه بعد . فكيف بعد ان إلتقيا ؟
أخيرا :
1 ـ الجبرتى سمع بمذابح الوهابيين وذكرها فى تاريخه . أما رشيد رضا فقد سمع بمذابح تربة والطائف وكان قريبا منهما وهو فى زيارته للحجاز حين كان يخدم الشريف حسين . ومع ذلك تجاهل رشيد تماما مذابح سيده عبد العزيز ونصب نفسه بوقا دعائيا متطوعا حتى قبل أن يلتقيه . دماء الأطفال والنساء والشيوخ العُزّل فى الطائف لم تحرّك ضمير رشيد رضا ، بالضبط كما لم تحركه شناعة الشريف حسين فى سلب الحجاج .
2 ـ وحتى نعرف مدى إجرام رشيد رضا وسكوته عن مذابح الوهابيين التى كان شاهدا عليها نستعيد بعض ما ذكرناه من قبل عن مذبحة الطائف عام 1924 ويقال أن عدد القتلى بلغ مائة ألف .:
3 ـ هجم الوهابيون على الحجاز وحاصروا الطائف ،ثم دخلوها عنوة وأعملوا في أهلها السيف . فقتلوا الرجال والنساء والأطفال . وسجل هذه المذبحة مؤرخ عبد العزيز الشخصى ( أحمد فؤاد العطار ) في الجزء الثاني من كتاب (صقر الجزيرة “عبد العزيز آل سعود”) نقلا عن عبد العزيز نفسه ، وحاول تبرئة عبد العزيز من المذبحة وإلصاق التهمة بالاخوان .
4 ــ ومنه نعرف أن جيش ابن سعود باغت الطائف . وتحرك جيش الشريف على عجل لانقاذ الطائف ب 400 مقاتل بالمدفعية ، وكادت المدفعية الهاشمية أن تقهر الاخوان ، لولا أن البدو الذين كانوا مع جيش الشريف خانوه وانضموا الى الاخوان أملا فى الغنائم. وتراجع جيش الهاشميين أمام الكثرة من جيش ابن سعود الذى بلغ 400000 ـ فأرسل الشريف حسين مددا للجيش ، واستمرت المعركة الى ان تمت هزيمة الجيش الهاشمى فهرب تاركا الطائف ، فانتشر الذعر والهلع بين السكان المدنيين ففر من استطاع تاركا كل ما معه ناجيا بحياته ، وخبأ الاغنياء الذهب والاحجار الكريمة وأغلقوا الابواب وحصنوها من الداخل بأحجار كبيرة ليستعصى فتحها إذا ما احتل الغزاة المدينة. ووصل حوالى مائة ألف من الأعراب لجيش ابن سعود ، فوصل الجيش السعودي إلى أكثر من /50000/ . وتدفق الغزاة إلى الداخل كما تدفق الاعراب الطفيليون معهم ، وزرعوا الشوارع والاسواق وقتلوا كل من وجدوه بها واحتلوا المراكز الحكومية والابراج والقلعة ونهبوا ما بها.، راحوا يقضون الليل في السلب والنهب والقتل وهتك الاعراض ، وهاجموا البيوت وحطموا الابواب ودخلوا على الابرياء ومزقوهم بالسيوف وأطلقوا عليهم الرصاص، واستلبوا كل ما وجدوا من غال ورخيص. ويتابع ـ العطار السعودي ـ صياغته لاعترافات عبد العزيز آل سعود، فيقول: (وقد وجد البدو ممن لهم ثارات عند الاهلين فرصة نادرة للانتقام فزحفوا إلى بيوتهم واقتحموها عليهم وقتلوهم شر قتلة تشفيا منهم، وهتكوا أعراضهم، وبعد أن ذبحوهم وضعوا رقابهم في حنفيات الماء والصهاريج فشربوا من دمهم وتوضأوا بالماء الملوث بالدماء البريئة وصلّوا! . ولم يكلفوا أنفسهم عناء استلام الاساور الذهبية من أيدي النساء الممدة بل قطعوا أيديهن وأرجلهن ، ولبس “الاخوان” الحلي ، وهذه الاساور بأيديهم ووضعوا القلائد ـ الخرزية والذهبية ـ في رقابهم كي لا تعيقهم عن بقية النهب والقتل… ). هذا موجز ما نقله العطار من كلام عبد العزيز آل سعود .
هل كان رشيد رضا فى المريخ والمؤرخ العطار فى الأرض ؟

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.