رسالة نصراوية إلى أهل “التحليل الطبقي”

nabilaudeh(وقصة تعبيرية ساخرة عن نظريات فات موعد تسويقها)

باغتني الصديق والرفيق سهيل دياب بمقالة له نشرها بمناسبة مرور 40 عاما على انتصار الجبهة الأول، كتب : “اعتماد “التحليل الطبقي” على أساس علمي وموضوعي هو التحليل الأكثر صحة لأنه يبتعد عن أي نوع من التعصب أيا كان نوعه”. طبعا قصده تحليل هزيمة الجبهة (او نكستها لأن كلمة هزيمة ثقيلة على آذانهم) في انتخابات بلدية الناصرة الأخيرة.
لأفهم “التحليل الطبقي وعلميته وموضوعيته” رجعت إلى أصحابي ماركس وإنجلز ولينين وستالين وماو تسي تونغ وشاوشسكو شاورتهم عن علاقة “التحليل الطبقي العلمي الموضوعي” بما جرى في الناصرة من هزيمة مدوية للجبهة، بعد ان تراكمت هزائمها خلال السنوات السابقة في أكثر من 15 بلدة عربية، دون ان يلجأ احد من القادة الأشاوس للجبهة والحزب الشيوعي إلى “التحليل الطبقي” لفهم كيف يمكن ان تنهزم الجبهة “علميا وموضوعيا” !!
طبعا الثرثرة حول محافظة الحزب الشيوعي على “الفكر المبدئي وتنظيمه الصارم وتوسيع قاعدة التحالفات” .. هي صياغة تليق بمسرحية ساخرة ولا تليق ان يلجأ اليها سهيل دياب الذي أعرفه بعقلانيته.
ما هي الطبقية يا أخي العزيز في مدينة الناصرة بين مجموعة علي سلام ابن الجبهة أولا قبل ان يكون ناصرتي ، وناصرتي هي استمرار للجبهة وليست نقضا لنهجها إنما رفضا لتصرفات عشوائية لا تحترم من قدم سنوات عمره في خدمة نهج الجبهة أولا ومواطني الناصرة تبعا لذلك، كممثل للجبهة، الجبهة التي أصبحت في السنوات الأخيرة مجموعة مغلقة!!
هل حقا تلم بمفاهيم الصراع الطبقي لتكتب عن “التحليل ألطبقي”؟
المفاهيم الطبقية “علميا وموضوعيا” بدأت تتحول الى نقائضها في المجتمعات الرأسمالية المتطورة…اعني ان مفاهيم حزبك الشيوعي أصبحت مفاهيما أثرية، وحديث عن تحف تاريخية انتهى موعد تسويقها وهي ما زالت تشكل كل فكركم مثل تعابير “الطبقة البروليتارية بصراع تناحري مع الطبقة الرأسمالية” واعتمادها “بتحليل طبقي” . هذه الظاهرة العتيقة لم تعد قائمة في الفكر الشيوعي حتى في الغرب الرأسمالي، ربما تجدها في بلاد الرمال، التي انتجت الدواعش…
النظام الرأسمالي احدث نقلة نوعية هائلة في مستوى الحياة والخدمات الاجتماعية والصحية والضمانات الاجتماعية.. الخ.. التي لم تتوفر بدولة العمال والفلاحين الستالينية (او الماركسية اللينينية حسب اللغو السائد).. وعمليا تلاشى مضمون الصراع الطبقي من أهم مركباته (الصراع للوصول الى السلطة وقضاء طبقة على أخرى) وتحول إلى مفاهيم اجتماعية سلمية بشكل مطلق. أي فقد مركباته التناحرية التي حددها ماركس بناء على واقع النظام الرأسمالي في القرن التاسع عشر.
إليك ولرفاقك ايضا هذه الوثيقة الهامة من شيوعي عقلاني هو الأمين العام للحزب الشيوعي الأميركي صموئيل ويب
(Samuel Webb)
الذي قال: “قرأت ماركس ولينين ولوكسمبورغ وغرامشي وكتابا آخرين كثيرين كتبوا عن الماركسية وغير الماركسية، ولو سئلت بعد كل هذه القراءات عن النتيجة التي خرجت بها لقلت .. أن البنيان النظري للشيوعيين أي الماركسية اللينينية بوصفاتها الثابتة والمحددة لا ينسجم والتحليلات القائمة التي يكتنفها افتراضات لم يُقطع بها وتقوم بمنهج غير ديالكتيكي شديد المركزية والنتيجة سياسات تتجاهل الواقع”!!
فما رأي “المحلل الطبقي العلمي والموضوعي” سهيل دياب؟ وما رأي رفاقه الواهمين انهم “حزب ماركسي لينيني يؤمن بالصراع الطبقي”، حسب تعبير دوغماتي لقائد سابق لحزبكم رغم أني على ثقة انه لا يعرف من الماركسية أكثر من عناوينها؟
غني عن القول ان الأحزاب الشيوعية في الغرب أضحت مجرد لافتة على مكتب. حزبك الشيوعي شكل القائمة المشتركة للكنيست على قاعدة انتهازية لا علاقة لها بتحليلك الطبقي، لا أريد ان أسجل التفاصيل المخزية واعرف انك ملم بها. فقط أذكرك بما قلته لي قبل سنوات حين تحمست للعودة إلى صفوف الحزب الشيوعي بعد ان تبوأت مكانة متقدمة في معركة انتخابات البلدية قبل ثلاث معارك انتخابية.
وقتها ضغط علي الرفيق اسعد يوسف عضو المكتب السياسي للعودة إلى صفوف الحزب. انت قلت لي “ان لا ارتكب هذه الغلطة لأن الحزب الشيوعي اليوم ليس هو الحزب الذي كنت اعرفه في السابق” وهذه الجملة ضاعفت تقديري واحترامي لك ، رغم ذلك ارتكبت حماقة كبيرة بتقديم طلب الانتساب ونشرت مقالا أدعو فيه الرفاق السابقين للعودة إلى صفوف الحزب. أحدث ألمقال موجة حماسية في صفوف رفاقك وأوساط شيوعية سابقة، وتلقيت بدون مبالغة عشرات كثيرة من الاتصالات التلفونية التي تشيد بموقفي .. لكن سكرتير فرع الناصرة وقتها الرفيق سليم أبو الشيخ ابلغني بعد نصف سنة أو أكثر ان الفرع قرر تجميد البحث بطلبي.. شكرا لفرع الناصرة، أنقذني من العودة للكهف!!
تأكدت وقتها من مصداقيتك ومن غبائي وتسرعي.. فهل تسمي هذا حزبا مناضلا ينشد البقاء والتطور ؟ الم يقاطع بجريدته مقالاتي التي سوقت بها جبهة الناصرة ومرشحها للرئاسة بشكل غبي ولا أخلاقي رغم إني كنت الكاتب الوحيد والبارز في تسويق الجبهة خلال المعارك الانتخابية الثلاث الأخيرة؟
في المعركة الأخيرة انتقدت تصرفات الاتحاد بحدة وغضب، فكان ان اجتمعت معي أنت وأديب أبو راحمون، بعدها نشرت لي الاتحاد مقالا واحدا من 25 مقال تسويقي للجبهة ونقد غير سهل لسائر القوائم. هذا ليس تصرف حزب سياسي يطمح لتوسيع قاعدته الشعبية. هذه التصرفات (المقاطعة الصحفية) ارتكبت مع شخصيات أخرى أحدهم محام معروف والثاني محاضر جامعي بارز وربما آخرين لا اعرفهم. في الفترة الأخيرة اتهمني فرع الناصرة للحزب الشيوعي باني اعمل مع مكتب نتنياهو بتجنيد الشباب المسيحيين في الجيش (!!).. لذلك تجري مقاطعتي. رامز جرايسي وعدني بفحص الموضوع.. ربما ساعرف الجواب بعد انتهاء سهيل من التحليل الطبقي والمراجعة التاريخية..ليكون الجواب “علميا وموضوعيا”.. نوما هنيئا يا مراجعة..!!
سهيل يتحدث عن “مناخ سياسي”، لم يقل لنا إذا كان ماطرا أو مشمسا .. وان “النعمة في وجود الحزب الشيوعي”.. ربما سقطت كلمة إلهية من الجملة لتصبح الجملة ان وجود الحزب هي نعمة إلهية؟!
عزيزي ورفيقي سهيل، لا أحب لك هذا السقوط.. لا يتلاءم مع تفكيرك الذي عرفتك به… أنت تذكرني بقصة قصيرة كتبتها تحت عنوان “خطأ لوجي” حول “التشابه الجزئي” وهو التفسير العربي لكلمة
(Analogy – انالوجيا)
. واللوجي عقلي أيضا.. وهي تليق بانتحار الجبهة السياسي الذي لم يبدأ بهزيمتها في الناصرة بل بهزيمة العقل السياسي والأخلاقي للحزب الشيوعي وأساليبه التحريضية الصبيانية ضد رئيس بلدية الناصرة المنتخب بأكثرية ساحقة لا تحتاج الى تحليل طبقي لا علمي ولا موضوعي. إليك القصة لعلها أفضل من مليون مقالة:
خطأ لوجي…
دفع الفشل السياسي زعيما حزبيا إلى الانتحار ، وهو تقليد ثوري بدأ ينتشر بأشكال متنوعة بين الزعماء ردا على نكسات أحزابهم. بعد دفنه أعاد له جبرائيل نبض القلب والروح، ففتح عينيه متسائلا عما حدث. شرح له جبرائيل انه انتحر وبما انه إنسان مستقيم قرر جبرائيل ان ينصفه وذلك حسب تقليد سماوي باختيار شخص كل 100 سنة يخير بين الجنة وجهنم. قال له أيضا انه من حيث عقيدته الإلحادية مكانه في جهنم، أما من حيث نواياه الطيبة فمكانه يناسب ان يكون في الجنة.
وأضاف جبرائيل: سنرسلك يومان إلى جهنم وبعدها يومان إلى الجنة، ثم تقرر أي مكان تراه الأنسب لك. هذه خطوة لم يحظى بها احد من قبلك منذ مائة سنة..
عندما وصل إلى جهنم تفاجأ. كان مرعوبا من القصص التي تروى عن عذاب جهنم. لقي أصحابه القدامى، كانوا يشربون الخمر ويغنون ويرقصون، وتحيط بهم نساء جميلات، يلقون الخطابات الثورية يهاجمون كل من هزمهم في انتخابات بلدية أو غيرها، يتناولون الطعام الفاخر ويقوم الشيطان نفسه على خدمتهم. سر جدا بلقائهم وشاركهم بما هم فيه وقضى يومين ممتعين.
بعد يومان أخذه جبرائيل إلى الجنة، كانت هادئة، بحث عن أصحابه فلم يجد أحدا، أهل الجنة يقضون جل يومهم بالركوع والصلاة مما يبعث على الملل. من الصعب إيجاد شخص يمكن الحديث معه عن الفكر والسياسة والتحليل الطبقي والنضال الحزبي والمراجعة التاريخية والنعمة الإلهية لوجود الحزب…الخ.
شعر بالملل من الساعة الأولى، ما ان لمح جبرائيل في اليوم الثاني ركض نحوه طالبا إعادته إلى جهنم حتى قبل ان يسأله جبرائيل عما اختار.
– فكر جيدا .. هذا هو خيارك النهائي؟
– قراري نهائي .. الجنة ليست لي.. هنا كل شيء ممل، هناك الرفاق والأصحاب والتحليل الطبقي والخطابات الثورية..!!
أخذه جبرائيل عائدا به إلى جهنم ، ما ان فتح باب جهنم حتى التقطه الشيطان بقوة وزج به إلى الداخل بعنف، كان أصحابه حزانى بملابس رثة ينظفون الأرض، ويشوطوهم بالكرابيج إذا تماطلوا عن جمع القاذورات عن الأرض. أعطوه كيسا وأمروه ان يتحرك للعمل معهم، ولوحوا بالسوط.. مهددين بضربه إذا تماطل. لكنه نظر إلى الشيطان وطلب ان يسمح له بسؤال واحد.
– قل ما لديك ولا تماطل كثيرا.
– قبل يومين كان الوضع مختلفا، مطعم وبار ومشروبات ورقص وغناء وخطابات ثورية وتحليل طبقي..ونساء، ما الذي تغير ؟
– قبل يومين كنا قبل الانتخابات، اليوم نحن بعد الانتخابات. كسبنا الأصوات وفزنا… ألا تعلم ان وعود قبل الانتخابات تذروها الريح؟ ها هم أصحابك يلمون قمامة الوعود، هذا تعلمناه منكم أيها السياسيون، تحرك لجمع قمامة حزبك قبل ان نضربك بالسوط!!
nabiloudeh@gmail.com

About نبيل عودة

نبذة عن سيرة الكاتب نبيل عودة نبيل عودة - ولدت في مدينة الناصرة (فلسطين 48) عام 1947. درست سنتين هندسة ميكانيكيات ، ثم انتقلت لدرسة الفلسفة والعلوم السياسية في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو . أكتب وأنشر القصص منذ عام1962. عانيت من حرماني من الحصول على عمل وظيفي في التعليم مثلا، في فترة سيطرة الحكم العسكري الاسرائيلي على المجتمع العربي في اسرائيل. اضطررت للعمل في مهنة الحدادة ( الصناعات المعدنية الثقيلة) 35 سنة ، منها 30 سنة كمدير عمل ومديرا للإنتاج...وواصلت الكتابة الأدبية والفكرية، ثم النقد الأدبي والمقالة السياسية. تركت عملي اثر إصابة عمل مطلع العام 2000 ..حيث عملت نائبا لرئيس تحرير صحيفة " الاهالي "مع الشاعر، المفكر والاعلامي البارز سالم جبران (من شعراء المقاومة). وكانت تجربة صحفية مثيرة وثرية بكل المقاييس ، بالنسبة لي كانت جامعتي الاعلامية الهامة التي اثرتني فكريا وثقافيا واعلاميا واثرت لغتي الصحفية وقدراتي التعبيرية واللغوية . شاركت سالم جبران باصدار وتحرير مجلة "المستقبل" الثقافية الفكرية، منذ تشرين اول 2010 استلمت رئاسة تحرير جريدة " المساء" اليومية، أحرر الآن صحيفة يومية "عرب بوست". منشوراتي : 1- نهاية الزمن العاقر (قصص عن انتفاضة الحجارة) 1988 2-يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائها ( بانوراما قصصية فلسطينية ) 1990 3-حازم يعود هذا المساء - حكاية سيزيف الفلسطيني (رواية) 1994 4 – المستحيل ( رواية ) 1995 5- الملح الفاسد ( مسرحية )2001 6 – بين نقد الفكر وفكر النقد ( نقد ادبي وفكري ) 2001 7 – امرأة بالطرف الآخر ( رواية ) 2001 8- الانطلاقة ( نقد ادبي ومراجعات ثقافية )2002 9 – الشيطان الذي في نفسي ( يشمل ثلاث مجموعات قصصية ) 2002 10- نبيل عودة يروي قصص الديوك (دار انهار) كتاب الكتروني في الانترنت 11- انتفاضة – مجموعة قصص – (اتحاد كتاب الانترنت المغاربية) كتاب الكتروني في الانترنت ومئات كثيرة من الأعمال القصصية والمقالات والنقد التي لم تجمع بكتب بعد ، لأسباب تتعلق اساسا بغياب دار للنشر، تأخذ على عاتقها الطباعة والتوزيع.
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.