بقلم: طلال عبدالله الخوري
جلالة الملك خادم الحرمين الشرفين…. تحية وبعد..
ظن الرئيس المصري بان وضعه بمصر يختلف عن وضع زين العابدين بن علي, وكان يظن بأن رئيس تونس ديكتاتور غير محترف لأنه اعطى هامشا اوسع من الحرية والانفتاح لشعبه, وانه من المستحيل ان يحصل له ما حصل لبن علي!! وكان مخظئا.
وبنفس الطريقة ظن القذافي في ليبيا, بأنه مختلف عن مصر وتونس!! وكان مخطئا بشكل فادح.
وبنفس الطريقة ظن رئيس اليمن بأنه مختلف عن مصر وتونس وليبيا!! وكان مخظئا ايضا.
وكذلك الامر حدث لبشار الأسد وظن بأنه ديكتاتور محترف بالوراثة فهو يقبض على سورية بأنظمة مخابراتية, لاتسمح لاي انسان حتى ان يتنفس من دون امره, وأن ما حدث لبن علي ومبارك والقذافي وعبدالله صالح من المستحيل ان يحدث له؟؟ وايضا اظهرت النتائج العملية بانه كان مخطئا.
نحن نعرف بأن كل من هؤلاء الزعماء, وهم زملائكم بالاستبداد, لديه وكما لديكم, مستشارين قد تخرجوا من ارفع الجامعات بالعالم في كل المجالات الامنية والسياسية والاقتصادية والعسكرية وللشؤن الداخلية والخارجية, ولكن لسوء الحظ هؤلاء المستشارون , ولسبب او لآخر لم يقولوا لكم بان العالم قد تغير, والشعوب بالعالم قد تغيرت , والشعوب العربية بالتالي قد تغيرت , وبالتالي الاستمرار بمعاملة الشعوب العربية بنفس الطريقة التي تتبيعونها منذ الخمسينات غير ممكن..
لقد كان للانترنت تأثيرا مباشرا على الحياة الاجتماعية وعلى سلوك الشعوب ومنها طبعا العربية, وادى الى تطويرعلاقاتهم الاجتماعية, والاكثر من هذا ادى الى ظهور علاقات اجتماعية وقيم فرضتها الحياة الجديدة والتي ساعدت في ايجاد تغير اجتماعي سريع. هذا الابتكار العلمي المذهل والذي جعل من العالم وكانه يعيش بقاعة واحدة يتواصل فيه الناس مع بعضهم مثنى وثلاث وجماعات تتسع للعالم باكمله. اي انه من الطبيعي ان تنتشر السمات الثقافية من منطقة إلى أخرى, أو من مجتمع إلى اخر، سواء اكانت افكارا, معتقدات, او حتى فنونا او اي شكل من المعرفة. هذا الانتشار يكون عادة عن طريق وسائل الاتصالات المتعددة والتناقح الثقافي المباشر وغير المباشر، ويساهم باحداث تغيرات في نظم المجتمع وافكار افراده . ان انتشار فكرةالحرية والديمقراطية في مجتمعات كثيرة ساعد على تغير شامل في حياة هذه المجتمعات وانظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ما نريد ان نقوله لكم بان العالم تغير والشعوب تغيرت وطريقتكم بالحكم غير مقبولة في هذا العصر, ولقد أكل الدهر على طريقتكم بالحكم وشرب, فاما ان تغيروا طريقتكم او انه سيتم تغييركم عاجلا ام أجلا, وبطريقة او بأخرى وهذا قادم لا محالة.
ان سبب نجاح انقلابكم العسكري الوهابي على حكم الشريف حسين شريف مكة, هو ان القوة الدولية الجديدة الصاعدة أنذاك وهي اميركا كان من بديهياتها السياسية كقوة صاعدة تغيير الولاءات القديمة والتي كانت لبريطانيا بأي طريقة ممكنة, وبهذه الطريقة حصلتم على تأييد اميركا ووصلتم الى الحكم, اي انه لم يكن وصولكم الى الحكم بفضل ذكائكم وتخطيطكم, وانما بفضل لعبة الولاءات السياسية الدولية والقوة الاميركية الصاعدة ضد الولاءات القديمة للتاج البريطاني الذي بدأت شمسه بالأفول آنذاك. وبالمناسبة , بنفس هذه اللعبة السياسية ولنفس الاسباب, تم وصول كل من جمال عبدالناصر وصدام حسين والأسد والقذافي وغيرهم كثيرون للسلطة.
لقد قام بعد ذلك مؤسس المملكة ابن سعود بعقد اتفاق مع الرئيس الاميركي روزفلت ينص على استثمار الولايات المتحدة لنفط المملكة العربية السعودية لمدة ستين عاماً، شرط تزويد أميركا للسعودية بحماية عسكرية في حال تعرضت السعودية للعدوان. اذا كنتم تعولون على هذه الاتفاقية بانها ستحميكم للأبد فانتم مخظئون , ولقد بدأ الامريكيون يتذمرون من المعاملة الخاصة لنظامكم, وانتم تعرفون بان بالسياسة لا يوجد صداقات دائمة ولكن هناك مصالح دائمة, ولقد وعت اميركا خطأ سياساتها بدعم الانظمة الاستبدادية العربية , وهذا ما صرحت به كونداليزا رايس بجامعة القاهرة, والسياسة الاميركية الجديدة هي مع الوقوف الى جانب الشعوب المنتفضة, لانها أيقنت بان الشعوب هي ابقى من حكامها, وأن مصالحها هي مع الشعوب وليس مع الحكام, ولذلك لا تتوقعوا بان اميركا ستقف معكم عندما ينتفض شعبكم ضدكم, وبالتأكيد بانها ستقف مع مصالحها والتي هي الى جانب الشعب. اميركا والغرب لم تعد تصدق الاكاذيب التي تروجونها وهي ان شعبكم هو المتمسك بالشريعة وشكل الحكم المتخلف الموجود لديكم, وبأنكم كعائلة حاكمة تريدون التقدم والتطوير ولكن شعبكم هو الذي يعارض التطوير والتقدم وان الشعب هو الذي يتمسلك بالتقاليد وبالحكم الاسلامي المتخلف ؟؟؟ مثل هذه الاكاذيب لم تعد تنطلي على الغرب.
لقد بدأت مصائب البلدان العربية بالعصر الحديث عندما وصل جمال عبدالناصر للحكم بمصر, وتبنى فكرة القومية العربية, ونجح بذلك نجاحا باهرا واصبح معبود الجماهير العربية قاطبة, واصبح بطل العرب القومي بلا منازع. ولقد كانت لعبد الناصر طموحات بقيادة العالم العربي هزت عروشكم, فاستشعرتم الخطر , وكان ردكم على هذا الخطر هو تمويل الاحزاب الاسلامية. وبدأتم باسلمة ما يسمى بالوطن العربي ,ثم انتقلتم الى اسلمة العالم, ولقد صرفتم على هذه الاسلمة ترليونات الدولارات النفطية, التي كان احق بها شعبكم وازدهاره. ولقد تمخض عن هذا الصرف السخي ولادة وحشين اسلاميين, هما الاخوان المسلمون وبناتها الشرعيات القاعدة وطالبان اللتان ترعرعتا برحم الاخوان المسلمين. ولم يبق مكان في العالم العربي خاصة والعالم بكامله بشكل عام لم يتضرر بشكل او بآخر من هذين الوحشين وكأنهما لعنة صبها الله على عباده.
انتم لم تستثمروا اموالكم بالتنمية والعلم والازدهار, ولخير شعبكم والعالم , ولكن كان همكم الوحيد هو استقرار حكمكم وديمومته. وانتم تظنون بان افضل وسيلة لاستقرار عروشكم هو الاستثمار بسخاء على اسلمة البلدان العربية خاصة والعالم بشكل عام. وانتم تظنون بأن الاستثمار بالعلم والتنمية يضر بحكمكم ويهز عروشكم. وانتم تظنون بأن التجهيل والتخويف والعزلة للشعوب هي خير وسيلة لديمومة حكمكم و أي حكم استبدادي. أي بنهاية الامر, بدلا من أن تستخدموا ثرواتكم لتطوير بلدكم ولسعادة شعبكم وازدهاره, استثمرتم هذه الثروات لتعاستكم وتعاسة شعبكم وتعاسة العالم العربي بشكل خاص والعالم قاطبة بشكل عام, واصبحتم لعنة هذا الدهر بكل ما للكلمة من معنى منذ 1430 سنة وحتى الآن.
عندما بدأ التغيير بالوطن العربي من تونس وبعدها مصر, فقدتم صوابكم , واستشعرتم الخطر, وخفتم على عرشكم الغير شرعي كما يخاف اللص من رؤية العسس, ووضعتم كل ثقلكم وعلاقاتكم الدبلوماسية والسياسية ومقدرات بلدكم الاقتصادية وثرواتكم الشخصية التي نهبتموها, من اجل افشال الثورات العربية ووأدها بمهدها . وبعدما أن وجدتم بأن تصميم الشعوب على الحرية اقوى من امكانياتكم هذه, غيرتم استراتيجياتكم , وقمتم بتمويل وحوشكم التي صنعتموها وربيتموها لكي يركبوا جماح هذه الثورات ويسرقوها…. هذا ما فعلتوه بتونس ونهضة راشد الغنوشي، وبثورة مصر التي باركها القرضاوي وكذلك الامر مع مصطفى عبد الجليل الإخواني الليبي الشهيرالذي تربع على رأس المجلس الانتقالي، وكذلك الامر مع اليمن وتنظيماتها الاخوانية, فيما تلعب جماعة الإخوان المسلمين السورية دورا مهما في الثورة السورية كما صرح رياض الشقفة، وكان حضورها بارزاً في مؤتمر أنطاليا.
جلالة الملك لدينا حل حضاري ورائع وتم تجربته بكل الملكيات المتحضرة مثل بريطانيا, هولندا, اسبانيا, اليابان…الخ. وهذا الحل هو الملكية الدستورية, حيث يبقى للمك وقاره وعزوته , ويقوم الشعب بحكم نفسه بنفسه عن طريق انتخابات حرة ويقوم الشعب ببناء وطنه بنفسه ويبني الاقتصاد, ويبدع في العلم وكل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
هل انتم افهم من المنارخية البريطانية؟؟ عندما كانت مستعمرات المنارخية البريطانية لا تغيب عنها الشمس وكان بلدكم من ضمنها ايضا, كنتم بذلك الوقت قبائل فقيرة ترعى الابل وكان معظمكم حتى لا يجيد القراءة او الكتابة؟؟
جلالة الملك, اذا انتقلتم الى الملكية الدستورية ستعيشون بسلام وستتقدم شعوبكم والشعوب العربية, وعندها لا تحتاجون الى تربية الوحوش الاسلامية التي سيأتي يوما وتفترسكم بها, اذا لم تسارعوا الى التغيير, فالعالم يتغير من حولكم وبسرعة فائقة وستكونون محظوظون اذا لحقتم واستغليتم الفرصة قبل فوات الاوان. وبهذه الطريقة لن تحتاجوا الى تمويل الوحوش الاسلامية لامتطاء الثورات العربية ومنها الثورة السورية المباركة.
جلالة الملك كل ما نطلبه منتكم هو ان تصبحوا ملوكا حقيقيين لأول مرة بحياتكم …الملك الحقيقي هو الذي يعتقد شعبه بانه فعلا هو الملك , اما الملك الذي يفرض نفسه على شعبه وينتزع من شعبه الجلالة بالسيف وبقوة الفتوى الدينية فهذا ملك مزيف. الحكم الملكي الدستوري هو الحل لكي تصبحوا ملوكا حقيقيين وهو الحل لكي يحترمكم شعبكم بدلا من ان يخافكم, وهوالحل لتخليص الشعوب العربية من الاستبداد السياسي والديني الذي تمولونه ببترودولاركم.