الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم
الإخوة والأخوات… السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يحتفي العالم غداً بيوم التسامح العالمي؛ وبهذه المناسبة أحببت أن أوجه كلمات من القلب للإخوة المواطنين والمقيمين… وأخص منهم جيل الشباب. ما زالت ذكرياتي عن مجلس والدي الشيخ راشد رحمه الله منذ أكثر من أربعة عقود حاضرة في ذهني لليوم… ذكرياتي عن شكل المجلس وطبيعة رواده. كان المجلس يضم المواطنين صغيرهم وكبيرهم، حاضرهم وباديهم… مواطنين من قبائل مختلفة، ومن مذاهب وطوائف مختلفة، ومن أصول وأعراق مختلفة أيضاً… لكنهم جميعاً مواطنون أمام راشد… لهم جميعاً القدر ذاته من الاحترام والتقدير والحقوق والواجبات، وحتى الهبات. وكان أقربهم من راشد مجلساً أكثرهم خدمة وعملاً وتأثيراً في مجاله. ولم يكن المقيمون الذي يحضرون مجلس راشد بأقل من مواطنيه… مقيمون من مختلف الديانات والجنسيات والثقافات، احتضنهم مجلس راشد… واحتضنتهم دبي… فقابلوا ذلك بمحبة وعرفان وولاء نعرفه فيهم وفي أبنائهم حتى اليوم.
وبعد الاتحاد عرفت زايد طيب الله ثراه عن قرب، ونشأت بيني وبينه علاقة الابن بأبيه، والطالب بمعلمه. عرفت مجلسه، وعرفت أخلاقه، وعرفت تقديره للناس. مجلسه كان مدرسة… وحديثه كان مدرسة… وتعامله مع الناس مدرسة. زايد استضاف الجميع في مجلسه على اختلاف أصولهم وقبائلهم وطوائفهم ومذاهبهم وحتى دياناتهم. زايد أعطى الجميع… وعلّم الجميع… وأحب الجميع… فأحبوه جميعهم على اختلافاتهم، ودعوا له جميعاً بعد رحيله، بل وأورثوا حب زايد لأبنائهم وأحفادهم. هذا هو ميراث زايد وراشد. أعظم ما تركه لنا زايد وراشد هي هذه القيم وهذه الروح وهذه الأخلاق. أكثر ما نفاخر به الناس والعالم عندما نسافر ليس ارتفاع مبانينا، ولا اتساع شوارعنا، ولا ضخامة أسواقنا، بل نفاخرهم بتسامح دولة الإمارات… نفاخرهم بأننا دولة يعيش فيها جميع البشر – على اختلافاتهم التي خلقهم الله عليها – بمحبة حقيقية وتسامح حقيقي… يعيشون ويعملون معاً لبناء مستقبل أبنائهم دون خوف من تعصب أو كراهية أو تمييز عنصري أو تفرقة بناء على لون أو دين أو طائفة أو عرق.
أقول ذلك وقد لاحظت في الفترات الأخيرة وخاصة على بعض وسائل التواصل ما يعكر هذا التسامح التي تعيشه دولة الإمارات. نحن لا نفرق بين الناس، ولا نهين أحداً بناء على أصله أو طائفته أو دولته… ولا نرى الناس إلا سواسية كما خلقهم الله. لا فضل لأحد على غيره إلا بعمله وأخلاقه والتزامه بقانوننا ودستورنا واحترامه لدولتنا. نحن جميعاً “عيال زايد”… وعيال زايد لا يحملون اسمه وحرصه على وطنه فقط، بل يحملون أيضاً قيمه وأخلاقه وسعة صدره وتسامحه وحبه للناس… كل الناس. أورث زايد هذه الأخلاق لشعب الإمارات، ولا أستغرب عندما وجه أخي محمد بن زايد بإضافة مادة التربية الأخلاقية لمدارسنا؛ لأنه يريد أن يرى أخلاق زايد والقيم التي أنشأه عليها في جميع أبناء وبنات الإمارات. أيها الإخوة والأخوات… أصدر خليفة بن زايد حفظه الله، رئيس الدولة، ووريث حكمة زايد وتسامح زايد، قبل فترة قانوناً لمكافحة التمييز والكراهية، وفيه من المواد الرادعة ما يصون المجتمع وما يحفظ إرث زايد لنا وللأجيال القادمة.
وتوجيهاتنا لوزيرة التسامح بمتابعة تنفيذ هذا القانون وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. لا نريد إثارة نعرات طائفية أو عنصرية أو مذهبية في مجتمعنا، ولا نريد خلق فتن بين الناس، ولا نريد أي تمييز بناء على لون أو طائفة أو أصل. نوجه الوزيرة بمتابعة تطبيق القانون، ولا حصانة لأحد، صغير أو كبير، موظف أو مسؤول؛ لأن مصلحتنا جميعاً هي أن نحافظ على سمعة دولتنا… مصلحتنا في ترسيخ مجتمع متسامح مترابط متلاحم… مصلحتنا جميعاً في حماية إرث زايد… مصلحتنا جميعاً حماية الإمارات، وأهم مكتسبات الإمارات هي قيمها وأخلاقها ومبادئها التي يحترمنا العالم من أجلها، والتي نريد أن ننقلها للأجيال القادمة بإذن الله. وفقني الله وجميع إخواني وأخواتي المواطنين والمقيمين لكل ما فيه خير ومصلحة هذا البلد العظيم.