رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (3)

فاطمة ناعوت
تساءل البعضُ: وما أهميةُ نشر رسالة من مواطن مصري مسيحي إلى شيخ الأزهر الشريف؟ وهل في نشرها إثارةٌ للفتن، أم وئدٌ لها؟ والإجابة واضحةٌ، وكنتُ أظنُّها أوضحَ من أن يُسأل بشأنها، ولكن لا بأس من توضيح الواضح. بالتأكيد لنشر مثل تلك الرسالة أهميةٌ، إن لم أقل إن لها ضرورةً مُلحّة. فمن أجل أن تعيش مع “الآخر”، لابد أن تعرفه. ويلاحظ القارئ الكريم أنني لم أستخدم مفردة: “يتعايش”، بل “يعيش”. لأن التعايش يكون بين الخصوم. مثلما “يتعايش” المريضُ مع مرض مزمن مثلا. وهو المعنى التي أرفضه حالَ الحديث عن العيش السويّ الصحيّ بين أبناء العقائد المختلفة على أرض الوطن الواحد، بل على أرض الله الواسعة، التي يعنينا منها الآن هذا الكوكب. هو عيشٌ لا تعايش. لأن العيش منطوٍ على محبة واحترام ورضًا، بينما التعايش يحمل معنى “الغصب” و”الاضطرار”، وهي معان غير مقبولة ولا مُبرّرة. لابد أن “تعرف” الآخر بحق وبعلم حتى تعيش معه، ومن ثم وجب تفنيد أسباب الشقاقات والنزاعات عسى أن نكتشف في الأخير أنها وهميةٌ غير واقعية، ومصنوعةٌ بمعرفة أُناس يرومون الفُرقة والتعنصُر وإيقاع الوقيعة بين بني الإنسان حتى نقتتل ونحن نظنُّ أننا نُحسن صنعًا، بينما نحن نُغضِب الَله مع كل لمحة نفور واستعلاء وكراهية تحملها قلوبُنا تجاه أشقائنا في الوطن وفي الإنسانية إذا اختلفوا عنّا عَقَديًّا. ومن ثم فمعرفة الأخر بحقّ هو وئدٌ للطائفية وليس إشعالا لها. كل ما أرجوه من نشر تلك الرسالة هو الوقوف على أرض “المشتركات”، لنبرح قليلا أرض “الخلافات”، حتى نصل في النهاية إلى قانون الإنسان الفائق: “الدينُ لله، والوطنُ والحبُّ والسلامُ للجميع.”
نشرتُ على مدار أسبوعين، الأحد الماضي وقبل الماضي، في نافذتي الأسبوعية بجريدة “اليوم السابع”، الجزئين: الأول والثاني من الرسالة التي أرسلها لي طبيبٌ مصريًّ يعيش في كندا، لكي أرسلها بدوري إلى فضيلة شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب. ولأن ما على الرسول إلا البلاغ، فإنني أقوم بنشرها، دون أدنى تدخّل مني في مضمونها؛ طامحةً في أن يقرأها مَن أُرسلت إليه، ومَن يعنيه الأمر. واللهُ، والسلامُ والمحبةُ، من وراء القصد.
في الأسبوع الماضي وصلنا إلى النقطة رقم (5) من الرسالة، التي خلُصت إلى أن “النصرانية” تختلف كُليًّا عن “المسيحية”، وأن القرآن الكريم يرفضُ ويُحرّم الهرطقات النصرانية، التي يرفضها المسيحيون أنفسُهم، كما ترفضها المسيحيّة. ثم وصلنا إلى ما يثبت أن المسيحية تؤمن بإله واحد، وليس آلهةٍ ثلاثة، كما يظن بعضُنا نحن المسلمين. لذلك يقول المسيحيون في ختام مستهلّ صلواتهم: “بسم الإله الواحد، آمين.” والعهدةُ دائمًا على كاتب الرسالة ومُرسلها لي: الدكتور هاني شنودة/ كندا. وإليكم الجزء الثالث:

6- يستنكر القرآنُ الكريم قول َاليهود إنهم قتلوا يقينًا السيدَ المسيحَ عليه السلام. جاء في سورة النساء على لسان اليهود: “وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ۚ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا.” النساء 157. تتمحور كتبُ التفسير حول ما أسموه: “الشبيه”. واقتبس المفسرون في هذا الكثيرَ من أقوال الصحابة والتابعين. وكيف لهؤلاء أن يعرفوا شيئًا عن حدثٍ جرى قبل ميلادهم بحوالي ستة قرون؟ إلا إذا قال أحدٌ إنما كان يوحى إليهم. وتتعدد الرواياتُ في هذا الأمر، وتتضارب.
فمنهم من قال إن عيسى قال لأصحابه: “مَن يشترى نفسَه منكم اليومَ بالجنة؟” فقال رجلٌ منهم: “أنا.” فخرج إليهم فقال: “أنا عيسى”؛ وقد صورّه الُله على صورة عيسى فأخذوه وقتلوه وصلبوه. لاحظ أن العرب كانوا يصلبون القتلى تشفّيًا فيهم؛ ولهذا يقول القرآن: “وما قتلوه وما صلبوه”، بينما كان الرومانُ في عهد السيد المسيح يصلبون المحكومَ عليه وهو مازال حيًّا، فيموت بعدئذ على الصليب. ولهذا قال بطرس لليهود: “وبأيدٍ أثمةٍ صلبتموه وقتلتموه.” أعمال 23:2.
وقال آخرون: “صلبوا رجلا شبّهوه بعيسى يحسبونه إياه.” وقال آخرون: “إن الله ألقى بشبه عيسى على رجل كان ينافقه. فلما أرادوا قتله قال: أنا أدلّكم عليه فدخل بيت عيسى فرُفِع عيسى وأُلقى شبهُه على المنافق؛ فدخلوا عليه وقتلوه وهم يظنون أنه عيسى.” نلاحظ أن الآية 157 من سورة “النساء”، هي الآية الوحيدة في القرآن كّله التي تتحدث عن صلب السيد المسيح. بينما يشغل هذا الموضوع أربعةَ عشرة إصحاحًا في “العهد الجديد” (الإنجيل)، بخلاف ما ورد عن واقعة الصلب في بقية “الكتاب المقدس” الذي يضمُّ التوراة والإنجيل معًا، بما في ذلك النبوءات بواقعة الصلب في “العهد القديم” (التوراة).
وللرسالة بقية.

This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.