لن تموت بعد الآن ، سيموت الله من أجلك !
نبيل البكاري (تونس)
لكلّ شخص الحقّ في حرّية التفكير و الضمير و الدين ،
و يشمل هذا الحقّ حرّية تغيير ديانته أو عقيدته ،
وحرّية الإعراب عنهما بالتعليم و الممارسة و إقامة الشعائر
و مراعاتها سواء أكان ذلك سرّا أم مع الجماعة .
الاعلان العالمي لحقوق الانسان –المادة 18-
يخضغ الفرد في ممارسة حقوقه و حرّياته لتلك القيود التي يحرّرها القانون فقط،
لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرّياته و احترامها و لتحقيق
المقتضيات العادلة للنظام العام و المصلحة العامّة و الاخلاق في مجتمع ديمقراطي .
الاعلان العالمي لحقوق الانسان –المادة 29/النقطة الثانية –
الإهداء: مسلم ، مسيحي ، يهودي ، بوذي ، ملحد ، لاأدري (اللاأدرية) ، غنوصي … إلى الإنسان أينما كان !
***
لما لم يخطر ببالك وأنت تأكل قلب الجندي، انّك تأكل أوّل عضو (القلب) بدأ الله في تكوينه حينما بدأت أجسادنا في التشكّل أوّل مرّة في بطون أمّهاتنا ؟
و لما لم تتفكّر، و أنت تهوي بسكّينك عل العنق المرتجف تذبحه، ما قاله المسيح في شأن الزانيّة «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ! ” ؟
ألم ترتكب خطايا مثل باقي البشر ؟
ألست من نسل آدم ؟
لولا خطيئة آدم الأولى ما كان يمكن للحياة أن تكون.
فلماذا تذبح من كانت خطيئته التواجد في المكان و الزمان الخطأ أو لأنّه ولد على غير ملّتك و دينك فنعتّه بالكافر و حززت عنقه ؟
و منْ منَ البشر كان له القدرة أن يختار سلفا جنسه و اسمه و شكله و دينه… لا أحد !
و ما قولك بأنّ الله منّ عليك( و باقي المسلمين) دون غيرك بأن ولدت من “ملّة محمّد و أمّته” إلا رغبة منك في الإحساس بالأهميّة و تقدير الذات التي افتقدتها طور تنشئتك الأولى.
و ما إصرارك على أنّ “الدين عند الله الإسلام” و” أخر الرسل محمد” و أنّك تنتمي لـ”خير أمّة أخرجت للنّاس” الاّ محاولة لـ”ترميم” نرجسيّتك المضطربة عن طريق اهانة الآخر ( الغير مسلم) و التعالي الزائف عليه.
***
أغلب الظنّ أنّك لم تتحصّل طور طفولتك الأولى على حصّتك الطبيعيّة من الحبّ و الاهتمام و هذا ما أصابك بقلق حاد. لا تهمّنا الأسباب فهي عديدة و لكن يظلّ أهمّها ” نقص في الحبّ”.من هنا بدأت مأساتك و معاناتك النفسيّة. إحساسك بنقص الحبّ ولّد فيك إحساسا عميقا بالإحباط فتقوقعت “ذاتك على ذاتك” و أصبحت ميّالا إلى الانطوائية و العزلة ، تماما كما يفعل الأنبياء، و بدأت تشكّل عالما جديدا متخيّلا لتعوّض به واقعك الذي تراه مشوّها و مختلا.
الانطواء زاد في تعميق إحساسك بالنقص و بدأت الـ”أنا” Le Moi خاصّتك ، مثل أي عصابي انطوائي ، في التعاظم و المغالاة في”نرجسيّتها” و ترسيخ شعورها بالظلم . الإحساس بالظلم المبالغ فيه خلق فيك رغبة في الانتقام و الثأر.
[الرغبة في الانتقام و الثأر هي النواة الأولى التي سيتشكّل منها سلوكك العدواني و “أناك” “المتطرّفة” الذي ستتحوّل بفعل العديد من التحوّلات النفسيّة الى ذات إرهابيّة . ]
لا يمكنك و الحال هذه أن تتجنّب “الصدامية” مع الآخر / المرآة (بالمعنى اللاّكاني
Stade de miroir)
الذي ترى فيه حرمانك و مؤجّج كلّ رغبات الانتقام فيك.
يصبح هذا “الآخر” بفعل الإسقاط
Projection
مصدر قلقك و الموضوع “الخارجي” الذي يهدّدك و يهدّد عالمك المتخيّل. هربا منه( “الآخر” ) تحاول الاختلاء و الانطواء أكثر . تجد في الدين و الصلوات و الأدعية ،كما توهّمت كغيرك من العصابيين ، ما يمكن أن يكون خلاصا و يرفع الحدود بين عالمك النفسي الداخلي و كلّ رغباتك و أمنياتك المكبوتة التي ترغب في إشباعها في العالم الخارجي الموضوعي.
و لكن “الآخر” مازال يقف دائما ، بحكم الضوابط الإنسانية و الموانع الاجتماعيّة و القوانين ، حائلا أمام غاياتك الواعية و رغباتك اللاواعية التي تحنو نحو صنع عالم جديد لا قلق و لا نقص فيه و لا خصاء (الخصاء هنا هو كرمز للتهديد بفقدان شيء أو أمر ما)
لذلك تبدأ في البحث عن “آخر” آخر مثلك يشبهك (نفسيّا). وحين تعثر ،لسوء حظّك ، على هذا “الآخر” جرّاء إعجابك به ، هذا الإعجاب الذي هو أصلا مشاعر إعجاب قديمة لم تشبع نحو أبيك أو ربّما لم تلقى التجاوب و الانفعال العاطفيين من طرفه ربّما كلن ذلك لغيابه أو لقساوته أو للامبالاته، تبدأ في تحويل
Transfert
كلّ مشاعرك و رغباتك نحو هذا “الآخر” الجديد /الأب الجديد . عادة ما كان هذا “الآخر الجديد” شيخا أو خليفة أو إماما… و حينما تحصل على “حبّه ” وقبوله و تجاوبه العاطفي ساعتها فقط تكون قد قبلت بارتهانك و بعبوديتك المختارة له .
[و ستعرف عندما تلتقي باقي الأتباع أنّك لست الوحيد الذي عانى “من نقص في الحبّ” في طفولته الأولى. ولربّما لهذا السبب وحده كان كلّ البشر عصابيون بنسبة ما ]
هذه هي أوّل خطوات ما أسمّيه ” التجنيد الديني” ( التجنيد الإرهابي سيأتي لاحقا دون أن تنتبه إليه)
ربّما لا نستطيع هنا إلا لوم الظروف التي لم توفّر لك أشخاصا بعينهم لديهم ما يكفي من الذكاء و دقّة الملاحظة لمساعدتك و ربّما لسوء حظّك لم تتوفّر لك أشياء بعينها كانت يمكن أن توجّه عصابك في اتجاه آخر غير دمويّ .
نفسيّا ، الإحساس بالحرمان و النقص في طور الطفولة يدفعان لاحقا أيّ فرد إلى البحث عن كيفية تخفيفهما و إشباعهما فيتوخى لذلك عمليّات تعويض نفسيّة مختلفة
Compensation
واعية و لاواعية . فمن خلال “التسامي ”
Sublimation
مثلا يمكن لأيّ فرد/عصابي أن يحوّل قلقه و ” ألمه “النفسي إلى فعل إبداعي أو عمل جمالي مقبول اجتماعيّا (رياضة ، رسم ،تمثيل ، رقص، موسيقى…).
[ أمّا في حالتك لم تتحوّل هذه الطاقة النفسيّة فيك إلى خلاص بل إلى نقمة و لعنة عرف كيف يستغلّها البعض لتحقيق مآربهم الدينيّة – السياسية.]
هذا الآخر الجديد قد احتال عليك!
فهو بقدر ما يضمن لك استقلاليّة و انتماء جديدا و يوحي إليك بتوفّر فرصة صنع ذات جديدة بقدر ما يشترط ارتهانك له و أسرك .
و سيلته في ذلك خطاب ديني “ماكرا” ذو وجهين.
الوجه الأوّل، خطاب يحيل ظاهريّا إلى الجنّة و الجزاء المنتظر في شكل إشباع لذّات حسيّة جسديّة. الاستدلال بالآيات و الأحاديث هو لإحكام السيطرة عليك فقط و ذلك بشحنك بمشاعر ترقّب لإمكانية تحصيل اللذة و تحقيق المتعة . يلقى هذا الخطاب صدى في نفسك و تستسلم له موافقة.
[لكنّك لا تعلم انّ تحصيل المتعة
Jouissance
هي رغبة إنسانية عامّة لا تشترط بالضرورة آيات قرآنية و أحاديث متفرّقة .
اللذة بالمفهوم النفسي هي أسمى من مفهوم اللّذة التي يحصرها الخطاب الديني في مفهوم النشوة الجنسيّة-الحيوانيّة التي تمارس مع جهاديات النكاح أو ملكات اليمين و ربّما مع 72 حوريّة اللاّتي وعدوك بهنّ زورا .
كامل الإبداع الإنساني عبر التاريخ هو من فعل المتعة و اللّذة
Jouissance / Plaisir
و بحث الإنسان في كيفيّة تحقيقهما (الأسطورة ، الآثار ، التماثيل ، الشعر ، الأدب …) .تحصيل اللّذة و تجنّب اللاّلذة هما هدف الإنسان فلسفيّا و ميزته نفسيّا .
لا يملك الحيوان لذّة بل غريزة وهذا هو بالضبط ما يحاول الخطاب الديني الوصول إليه ليجعلك حيوانا شهوانيا للدّم لتتمتّع بالجنس في الجنّة ]
الوجه الثاني، موافقة لما جاء في الخطاب الديني، هي موافقة معلنة و قبول ضمني لتصبح أسيرا و رهينة لكلّ تعاليم دينيك.
النصّ و الحديث هما اللّذان يملكانك و يأسرانك من خلال المتحدّث باسمهما. أنت بذلك أصبحت أسيرا خاضعا و المؤلم أنّك لست كغيرك من الأسرى الذين يسعون رغم القيود و الأغلال “التاريخيّة” إلى التمرّد و الخلاص.
[لا يهمّ الآن أن جعلك بعد ذلك الدين و خطابه متعصّبا و متطرّفا سواء لفرقتك أو لأمّتك أو لحزبك الإسلامي أو دفعك للإرهاب و الدمّ. في الحالتين أنت لست أنت . أنت أشبه بـ”الشيء” فاقد الرأي و الارادة الذي يمكن برمجته و الإيحاء إليه و له لفعل كلّ ما يريد الدين و المتكلّمين باسمه.
لما لا تسأل نفسك: لماذا عملت الأديان جهدها لأسر الإنسان بدل تحريره أو على الأقلّ تركه و شأنه ليحيا حرّا كما تحدّدها إنسانيته.]
حين ينجح الشيخ أو الخليفة في إيهامك ،عن طريق تأجيج العاطفة و الشفقة و اثارة مشاعر نقمة و حرمان فيك قديمة ، أنّ الدين مستهدف و أنّ الإسلام في خطر لما لا تسأله أن يحدّد و يعرّف “الاسم” ماذا يعني بالإسلام ؟ هل هو دين فقط ؟ أخلاق ؟ ثقافة حرب ؟ تركيبة اجتماعية ؟ مبحث فكري ؟ فلسفة ؟ تاريخ ؟ وسيلة لتنفيس العصاب
Méthode cathartique
؟ سياسة ؟ “دين و دنيا” ؟ سلوك/سلوكيات ؟ صراع ؟ اختيار ؟ تسيير ؟ جهاد و موت ؟ حريّة؟ “عبوديّة مختارة” ؟ إنساني ؟ الهي علوي ؟ دولة ؟ خلافة ؟… هذا على الأقلّ من أبسط حقوقك أن تعرف من أجل ماذا ستذبح الأبرياء و تقتلهم و من أجل ماذا ستفجرّ نفسك و تموت !
[لماذا يسعى النصّ و الأحاديث إلى إقناعك بإبدال حياتك في الآن و الهُنا بأخرى بعد الموت ؟
و لماذا يسعى أيضا الى تغليب نزوة الموت على نزوة الحياة و خدمة الثانية للأولى ؟ ]
نفترض مثلا ، أنّ فكرة الجنّة و ما فيها من طيّبات كانت نافذة و قويّة لدرجة تستحوذ على كلّ قدرات الفرد في النقد و المسائلة و الشكّ و البحث في الممكنات الأخرى لثنائيات الدين المكبّلة :الحياة و الموت / الجنّة والنار / الثواب و العقاب….
لماذا يردّد الشيوخ في الفضائيات و في المساجد غير خطابات عن الجنس و الخمر و النساء الفاتنات.
أليس هذا إسقاطات عقليّة المجتمع العربي الإسلامي الذكوري و لكلّ ما تم ّكبته فيه ولم يقع تصريفه جرّاء العرف و “الشرف و الرفيع” .
لماذا يحتفل الكلّ قبل القتل بصدور و أفخاذ الجواري الحوريّات في الجنّة و لا يذكر شيئا عن قرب رؤية و جه الله او لقاء الصحابة و أبطال “السيف ” و “الحرب” و “السبي”
أليس الاحتفال بالجسد الأنثوي هو صدى لرغبة الفرد النكوصيّة
Régression
للاستحواذ مجدّدا على جسد الأمّ و الاستئثار به و تخليصها من سيطرة الأب “المتوحّش” و السادي الذي كثيرا ما أخضع الأمّ الضعيفة .
[ في طفولته العفوية ، تولدت لدى الولد من خلال الملاحظة قناعة بأن الجنس أو الجماع هو عملية تعذيب سادية يمارسها الأب على الأم الضعيفة المسالمة… هذا الأب كونه عميل الخصاء
(Agent de la castration)
هو ما أنتج للبشريّة أفراد سيكوباتيين مثل هتلر . لا يوجد خلاف كبير بينكم . هتلر حارب العالم (أباه ) من أجل نقاء النوع الألماني (أمّه) في حين أنت تحاول مثله محاربة العالم الذي تعتبره كافرا و مجرما (أباك) من أجل إقامة دولتك و “أمّ-تك” (الاستحواذ على الأمّ) .]
في نهاية الأمر ، يعتقد الإرهابي بكونه متديّنا صالحا في حين أنّه اتخذّ طريق الخطأ. أنت مثله سجين لهوام
Fantasmes
بدائية قديمة تسعى من خلال القتل و جهاد النكاح و الانتحار التكبير و قطع الرؤوس و التعذيب الجسدي للأسرى
(هي أيضا رغبات شاذّة خفيّة في ملامسة “جسد الآخر” Contacts Corps à Corps)
… إلى السيطرة على الآخر و امتلاكه و الاستحواذ على جسده من جديد (الأمّ) رغم تهديدات الخصاء ( الأب بمثابة القانون و المعاقب لكلّ من يحيد عنه ) .
هذه بعض تفاصيل عساها تكشف لك كيف أهديت نفسك بالمجان للآخر “المحتال” ، منذ القدم ، ليصنع منك إرهابيا قاتلا…!!!
[ النقص و الحرمان دفعاك إلى البحث عن ملء الفراغ . تفشل محاولاتك جرّاء قسوة الواقع (ربّما ! ). يسحرك الدين و يهديك ما يشبع هواماتك و تخيّلاتك . تبحث عن آخر شبيهك يوافق “تردّدك النفسي”. الجماعة تهديك انتماء جديدا . و بلسان ديني رطب جيّاش تقيّدك بالأغلال . تتواطأ معها ضدّ نفسك و بلا رويّة و مسائلة .تجد نفسك دون أن تشعر ، كما المسحور أو المنوّم ، مستعدّا للقتل و الانتحار… ربّما هكذا أصبحت إرهابيا بسهولة… حين تدرك و تفهم أن ّ ” جميع النّاس يولدون أحرارا متساوين في الكرامة و الحقوق ، وقد وهبوا عقلا و ضميرا و عليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الاخاء. (الاعلان العالمي لحقوق الانسان –المادة 1-) لن تموت بعد الان بل سيموت الله و كلّ أديانه من أجلك… لأنّك ساعتها فقط أمكن لك استرداد إنسانيتك … ]