رائد المؤرخين المعاصرين

الشرق الاوسط

لا يقدِّر الكبار سوى الكبار. عام 1974، في نيويورك، قال غسان تويني: «يجب أن نذهب لزيارة الدكتور فيليب حتي في برنستون». كنا برفقته ثلاثة: كلوفيس مقصود ومروان حمادة والداعي. لم يكن ذلك لقاء مع مؤرخ بل مع التاريخ.

إلى الآن هناك جدل في الأكاديميات الغربية: من كان أهم من أرَّخ للإسلام والعرب في الغرب: فيليب حتي أو ألبرت حوراني أو برنارد لويس. وما زلت أعتقد أن أي قارئ عادي سوف يعتبر أن حتي هو الأشمل. ولن يضيره في موضوعيته أنه كان أيضا الأكثر إعجابا بالإسلام بين الثلاثة والأكثر تفهما لمسيرات العرب.

أهمية حتي أنه كان أول من أنشأ مركزا أميركيا أكاديميا، على هذا المستوى، للعناية بالتاريخ العربي. قبله كانت هذه المادة غريبة في جامعات أميركا. عندما صدر كتابه «تاريخ العرب» للمرة الأولى عن «دار ماكميلان» في لندن عام 1937 سأله الناشر كم نسخة يعتقد أنه يجب أن يطبعوا، فأجاب مائة نسخة، فتساءل الناشر مندهشا: من سوف يشتري مائة نسخة؟

لا أعرف كم أصبح عدد طبعات «تاريخ العرب» اليوم، أو طبعات الكتب الأخرى التي وضعها حتي من حضارات وتراث وسياسات العرب. لكن جامعات أميركا تمتلئ اليوم بمراكز الدراسات والأبحاث العربية والإسلامية، في مسيرة بدأها رجل قروي ذو رؤية وشجاعة وصلابة فائقة.

نشأ فيليب حتى في قرية شملان (1886 – 1978) يوم لم يكن فيها مدرسة ولا كان في المنطقة طرقات تربط بين قراها. تعلم ثم علم في إحدى القرى المجاورة لكي يحصِّل 18 ليرة لبنانية تمكنه من دفع قسط الجامعة الأميركية في بيروت. بعد عام لم يستطع أن يجمع سوى أربع ليرات، وأعطاه شقيقه الأكبر ليرة واحدة فصار المجموع خمسا. لكن تفوق الفتى في دروسه أعفاه من دفع أي قرش. أكمل دروسه الجامعية من خلال المنح. ثم سافر إلى كولومبيا في نيويورك، فعمل في الجامعة ليلا ودرس في النهار. وسوف يصبح فلاح شملان الفقير أحد ألمع الأسماء الأكاديمية في الولايات المتحدة. وأعود إلى 1974 وتقدير الكبار للكبار: لم يكن مفاجئا التقدير الذي أظهره فيليب حتي لغسان تويني بل الإعجاب الذي أبداه المؤرخ في ألمع صحافيي لبنان، وكأنه يتابع أخبار بلاده كل يوم.

 

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in ربيع سوريا, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.