وفاء سلطان
وقف رجل على ضفة النهر يستمتع بمراقبة المياه الصاخبة ويصغي إلى موسيقا هديرها. تناهى إلى سمعه صراخ امرأة تستجير خوفا من الغرق وهي تصارع التيار. ألقى بنفسه في لجح الماء وسبح بإتجاهها ثمّ جرّها إلى برّ الأمان، وقام ببعض الإسعافات الأولية كي ينفخ بها الحياة من جديد. لم يكد ينهي عمله حتى سمع صوت رجل آخر يستنجد بمن يستطيع أن ينقذه من الغرق، وخلال ثوان راح يسبح مرّة أخرى بإتجاه الغريق. عندما وصل به إلى الشاطئ سمع صوت غريق آخر يطلب النجدة فعاد لنجدته.
وهكذا دواليك، كان ينقذ الواحد بعد الآخر حتى وصل إلى وضع لم يعد عنده قادرا على إنقاذ نفسه لو حاول إنقاذ غيره.
يتابع مؤلف تلك القصة الرمزية قوله: لو سبح ذلك الرجل الشهم بضعة أمتار عكس التيار لرأى عند المنبع رجلا مجنونا يسحب الناس ويلقي بهم في لج الماء بلا شفقة أو رحمة، ومن ثمّ لو قام بمنع ذلك المجنون من الإستمرار في ارتكاب جريمته لوفر على نفسه استنزاف طاقته. فعلاج النتيجة دون السبب استنزاف لكل طاقة!
…………………
خلال بضعة ساعات من نشر أيّ مقال لأي كاتب يتناولني ببعض التجريح يمتلأ بريدي برسائل قرائي، يطالبونني من خلالها بأن أقرأ الردّ وأردّ عليه.
قرائي هم رصيدي ولولا ذلك الرصيد لولد قلمي ميتا ولأجهضت كل أفكاري قبل أن تبصر النور.
أحب وفاء سلطان من خلال محبتهم لها. أشعر بأنهم توحدوا فيّها وتوحدت فيهم حتى صارت هم وصاروا هي.
عندما يرميني أحد بسهم يدخل في جسدهم قبل أن يدخل في جسدي، فيتألمون قبل أن أتألم ويطالبونني بنزع السهم كي يستردوا عافيتهم قبل أن أسترد عافيتي.
يتخذ الإنسان مثلا أعلى له ويتوحد مع الزمن في مثله. يقترب العابد من إلهه رويدا رويدا حتى يتوحد مع ذلك الإله ويصبح هو نفسه.
تنطبق تلك الحقيقة على قرائي كما تنطبق على من يهاجمني.
……………………..
عمري الكتابي تجاوز عامه الثامن عشر، ولم أتناول خلاله كاتبا بالنقد علما بأنني اؤمن أن للنقد الخلوق مهمة مقدسة، إلا في سياق الدفاع عن نفسي. في عالمنا العربي مجرد أن يمسك أحد بالقلم ويعبر عن نفسه هو محاولة للخروج من شرنقته التي حاكتها ثقافته حوله. وهي محاولة تستحق التقدير أتفقنا مع أفكاره أم لم نتفق.
لم أصوب يوما بندقيتي بإتجاه إنسان، فالإنسان، اتفق معي أم لم يتفق، هو هدفي. كان الإسلام منذ بداياتي ولم يزل الدريئة التي أسدد سهمي بإتجاهها، وليس المسلمون أنفسهم. أميّز دائما بين الفكرة ومعتنقها، وأسعى لضبط المجرم الحقيقي بالجرم المشهود قبل أن أستنزف طاقاتي في إنقاذ ضحايا ذلك المجرم، فعلاج النتيجة دون السبب استنزاف لكل طاقة.
لقد نلت، شاء المبغضون أم أبوا، قصب السباق عندما أعلنت بكل وضوح وبلا خوف أو وجل: الإسلام هو من يلقي بضحاياه في لج الماء، وعلينا أن نحجر المجرم الحقيقي قبل أن نستنزف طاقاتنا في إنقاذ ضحاياه!
*******************
تحاول السيّدة “العلمانية” رجاء بن سلامة وفي مقالها الأخير- ملاحظات على آراء وفاء سلطان- أن تسلخ جلدي عن عظمي، لأن السهم الذي أطلقته دخل في لحمها قبل أن يصل إلى جسد نبيّها. ذلك النبيّ الذي صنفها كامرأة مع الكلب والحمار والغائط والروث، ولم تستطع أن تخرج حتى الآن من دائرة ذلك التصنيف.
تعطي لنفسها الحق في إحتكار العلمانية، وترفض بشدة وإصرار أن تسمح لوفاء سلطان بالإنضمام إلى خانة العلمانيين.
حجتها بأن وفاء ملحدة والعلمانية ليست إلحادا!
……………………………
للعقل عند الإنسان حيّزان: الوعي واللاوعي. الوعي هو صلة الوصل بين البيئة وبين اللاوعي، وبناء على تلك الصلة يعمل الحيّزان.
يصغي اللاوعي عند الإنسان إلى ما يقوله الوعي ويقوم، بناء على ما سمعه، بوضع خطة عمل ويلزم حيز الوعي أن يتصرف وفقا لها.
اللاوعي لا يمتلك القدرة على التمييز بين الحقيقة والوهم فيصدّق كلّ ما يسمعه من حيّز الوعي. والوعي لا يمتلك القدرة أن يرفض ما يأمره به اللاوعي فيسعى لتنفيذ خطته بحذافيرها. إذا استطاعت البيئة أن تقنع الإنسان بأنه غبي، يتلقف حيّز الوعي تلك القناعة ويخبر بها اللاوعي، الذي يقوم، وبناء على تلك القناعة، برسم خطة عمل وفرضها على حيّز الوعي. ينفذ الوعي الخطة بحذافيرها، ويقود صاحبه من خلالها إلى كلّ تصرف يثبت غبائه!!
……………..
الوعي عند تلك السيدة، وفي سنوات عمرها الأولى، اطلع على تصنيف النبي محمد للمرأة، حيث حشرها مع الكلب والحمار والغائط والروث، فأبلغ اللاوعي عندها بما اطلّع عليه.
رسم اللاوعي خطة العمل وألزم صاحبته “العلمانية” أن تسلك دربا قادها إلى حظيرة التصنيف فوجدت نفسها هناك. لم تستطع أن ترفع يوما وعيها إلى مستوى يعي عنده خطورة العلاقة بينه وبين اللاوعي، فظلت رهينة اللاوعي.
هي توحدت في نبيّها، فصارت هو وصار هي. ولذلك أحست بألم أسهمي التي وجهتها نحو نحره كما لو أنها أصابت نحرها.
…………………
إدعائها العلمانية محاولة تستحق التقدير. فما هذا الإدّعاء سوى محاولة للخروج من دائرة التصنيف التي وجدت نفسها بها، ولكن توحدها في نبيها يشدها إلى تلك الدائرة كلما حاولت الخروج منها.
والمضحك المبكي لدى هؤلاء الذين سقطوا رهائن حيّز اللاوعي عندهم، أنهم وفي محاولة لكسب رضى الشريحة العريضة من شعب قتله هوسه الديني، يحاولون اتهامي بالإلحاد. الإسلام في بواطن عقولهم هو الإيمان ومحمّد هو الله. من أنكر الإسلام، ببساطة، هو ملحد ومن انتقد محمّدا لا يعرف الله!
ترفض تلك السيّدة وباصرار أن تقبل وفاء سلطان داخل حرم العلمانيين، بحجة أنها ملحدة والعلمانية لا تعني الإلحاد!
لم تكلّف نفسها، احتراما لقارئها، أن تشرح كيف توصلت إلى إلحاد وفاء سلطان. ولم تتحفنا بتعريفها للعلمانية، ذلك التعريف الذي يبدو أنه يرفض من لا يصلي على النبي محمد ويسلم تسليما!
هي تفهم العلمانية كما يحلو لها فترفض من تريد وتقبل من تريد! رفضها وقبولها لا يخرج قيد أنملة عن خطة العمل الذي بلاها بها حيّز اللاوعي عندها، ذلك الحيّز الذي اقتنع منذ نعومة أظفاره بأنّ المرأة جزء لا يتجزأ من كيان مقدس يضمّ الكلب والحمار والغائط والروث!
اللاوعي عندها يصرّ على أن تكون جزءا من ذلك التصنيف، لكنّ الوعي يتساءل: لماذا يفرضون عليّ أن ألتزم بذلك التصنيف بينما وفاء سلطان تمارس ملكاتها العقلية والإنسانية خارجه؟!!
ولا يجد ذلك الوعي من حيلة إلاّ أن يشدّ وفاء سلطان كي يعيدها إلى الحظيرة التي لا يستطيع هو أن يتحرر منها.
الغيرة عامل مهم، بل هي أهم عامل يكمن وراء إساءة الإنسان لأخيه الإنسان وخصوصا عندما يشعر المسيء بدونيّته أمام فوقيّة المساء إليه. الغيرة شعور طبيعي وهي جزء من التركيبة النفسية البشرية. ليست سيئة عندما تضبط، لكنها قاتلة عندما تفلت. عند الحدود المعقولة للغيرة يسعى المصاب بها إلى تحسين نفسه كي يقترب من الذي يغار منه، لكن عندما تتجاوز حدود المعقول تدفعه إلى إيذاء الغير.
…………………
الأذى الذي نالني من المرأة المسلمة، كان ولم يزل، أكبر بكثير من
الأذى الذي نالني من الرجل المسلم منذ أن بدأت مشوار الكتابة.
حاربتني بكل قواها، ولو استعملت جزءا من الطاقة التي صرفتها في شتمي لتحرير نفسها من حظيرة الكلب والحمار والغائط والروث لنالت ما نلت. عندما فشل بعضهن في الإرتقاء بأنفسهن إلى حيث وصلت لم يبق لديهم من حيلة إلا شدّي إلى الأسفل كي أبقى في مستواهم.
لا تستطيع امرأة مسلمة أن تعترف بأخرى، فوجود أيّة امرأة يهدد وجودها. ولتلك الغيرة سبب يكمن في DNA المرأة المسلمة وليس فقط في بيئتها، وتنقله من جيل إلى آخر ليس فقط عبر بيئتها وإنما في مادتها الوراثية.
كيف ولماذا؟
لقد أثبتت الدراسات العلمية على أن العوامل البيئية، وعندما تستمر لفترة من الزمن، تحدث تغييرات في المادة الوراثية وتنتقل تلك التغيرات من جيل إلى آخر.
أذكر مثالا كي أوضح الفكرة، وكي أخفف عن القارئ حدّة الملل:
عام 1976 قام العالمان البيولوجيان الأمريكيان بيتر غرانتز وزوجته روزميري من جامعة
Princeton
بدراسة تأثير العوامل البيئية على بعض الطيور في جذر الـ
Galapagos
في المحيط الهادي.
Aversion Conditioning
يصل الإنسان إلى تلك الحالة عندما يشعر بإحباط شديد بعد أن يفشل في تحقيق ثمرة جهده.
يبذل الإنسان العربي جهدا كبيرا كي يعثر على ما يستطيع أن يقرأ ويغني فكره دوى جدوى. تكرار المحاولة وعلى مدى زمن طويل يصيبه بحالة قرف مما ينشده فيتوقف عن مثابرة جهده.
هذا هو حالنا في العالم العربي، ولو انطبقت هشاشية السيدة رجاء على ما تكتبه وفاء سلطان لما امتلأ بريدي الإلكتروني بهذا الكم الزاخم من الرسائل.
في أمريكا، التي تكرهها سيدتنا “العلمانية” يقولون:
Statistics talk
أي الأرقام تتكلم. ويعنون بذلك أن الأرقام تعطيك معلومات موثقة عن أية حالة تريد دراستها.
وبهذا الخصوص، أود أن أضيف إلى معلومات السيدة رجاء بأنه وخلال الثلاثة أيام الأولى من مقابلتي الثانية على تلفزيون الجزيرة تم نقر اسمي على
قرابة مائة وخمس وسبعين ألف مرّة وهو ัرقم قياسي، ويستطيع أن يعطيك فكرة عن مدى “هشاشيّة” أفكاري!
بينما تمّ نقر الرابط الذي يحوي تلك المقابلة حتى الآن 14 مليون مرة، وهذا دليل آخر يثبت صحة رأيك “بهشاشيّة” أفكاري!!
وإذا كان من الصعب أن تتأكد السيّدة رجاء من صحة تلك الإحصائيات بإمكانها، وخلال دقائق، أن تطلع على عدد قرائي في “الحوار المتمدن”.
وهنا قد تتهمني السيّدة رجاء، كما اتهمتني في ردّها على “خطابي الهشّ”، بالنرجسيّة وذلك بقولها:
“هل يمكن أن يجوز ( أعتقد بأنها تقصد يجيز) أي كاتب لنفسه هذا التضخم النرجسي الذي يجعله يرى نفسه زعيما أوحد يأتي ليخلص أمة غارقة في غياهب الإرهاب؟”
وكان ذلك في سياق ردها على قولي:
” أسامة بن لادن يمسك بأحد طرفي المسار ووفاء سلطان تمسك بالطرف الآخر والناس منقسمون بينهما، لايقف اثنان منهم على نقطة واحدة في هذا المسار، والسؤال: هل تستطيع أمة مشتتة كهذه أن تجد لها موقع قدم بين الأمم؟”.
أتساءل هنا كيف توصلت الدكتورة رجاء من خلال عبارتي تلك إلى استنتاجها بأنني أدعي الزعامة المطلقة التي تستطيع أن تخلص تلك الأمة من غياهب الإرهاب؟
أليس هذا هو التجني بعينه؟!!
هل تستطيع سيدتنا “العلمانية” أن تنكر بأن أسامة بن لادن هو الأكثر تطرفا في تطبيقه للشريعة الإسلامية، وهل تستطيع في الوقت نفسه أن تنكر بأن وفاء سلطان هي الأكثر تطرفا في دحضها لأخلاقية تلك الشريعة، وبأن الناس في أمتنا يتراوحون في مفهومهم للإسلام وطريقة تعاملهم معه بين الموقفين؟!!
أليست تلك حقيقة؟ أين النرجسية في ذلك القول؟
لا أعتقد بأن السيدة الدكتورة تعي ماذا يعني اتهام أحد بالنرجسيّة، وإٍلاّ لأبت أخلاقها أن تنعتني بها، إذ ليس لديّ شك بأنها تتمتع ولو بالحد الأدني من تلك الأخلاق الذي يحول دون ذلك!
النرجسية في حقيقة الأمر هي مرض نفسي أكثر مما هي مجرد تعبير يطلق على شخص ما لأنّه أبدى اعتزازه بنفسه.
من الناحية الطبيّة النفسيّة هي: اضطراب نفسي يتميّز بعشق شاذ للنفس، يتمركز العشق خلاله حول أعضاء الشخص التناسلية، بمعنى آخر هي عشق الإنسان لأعضائه التناسلية. ينجم هذا الخلل في مرحلة طفولية من مراحل تطور الإنسان يطلقون عليها Phallic stage
أي المرحلة التناسلية.
تمتد تلك المرحلة من السنة الثالثة حتى السنة السادسة وخلالها يكتشف الطفل أعضائه التناسلية ويحس بالمتعة عندما يداعبها.
هذا الإكتشاف والإحساس طبيعيان جدا في تلك المرحلة. لكن عند بعض الناس، ولأسباب لاداعي لذكرها في هذا المجال، يتوقف التطور النفسي التناسلي عند تلك المرحلة فتستمر تلك المرحلة في سنوات العمر اللاحقة ويظل الإنسان مفتونا بأعضائه التناسلية.
كان المفروض أن تلتزم الدكتورة رجاء، وخصوصا لكونها أكاديمية، بتعبير أكثر دقة وأدبا فتقول على سبيل المثال “التضخم الغروري” بدلا من قولها ” التضخم النرجسي”.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، أعتقد بأن لهذا الإتهام جذوره في أعماق الثقافة الإسلاميّة. تلك الثقافة التي ذوبت انسانها غصبا عنه في محيطه، ولم تسمح له أن يبني كيانا خاصا به ثم يعتز بذاك الكيان.
الإعتزاز بالنفس ضرورة نفسيّة لا بدّ من إشباعها كي يكون صاحب تلك النفس قادرا على قبول نفسه.
للمرأة في مجتمعاتنا الإسلاميّة حصة الأسد من ذلك التذويب القسري للنفس البشرية في محيطها. يرفض الإنسان المسلم حقّ غيره في أن يعتزّ بنفسه مادام هو مسحوقا حتى العظم، ويتفاقم الرفض عندما يكون ذلك الإنسان إمرأة وعندما يكون المعتزّ بنفسه امرأة أخرى؟!!
نعم أنا أعتز بانجازاتي، وهذا حقي! يقول انشتاين:
The brain celebrates a little triumph every time it formulates a thought.
العقل يحتفل بالنصر في كل مرّة يبدع فكرة!
ولذلك احتفل عالم الرياضيات الإغريقي الشهير أرخميدس بإبداعه!
عاش أرخميدس ومات قبيل الميلاد بحوالي 200 عام في مدينة سيراكوس.
طلب منه الملك في ذلك الحين أن يتأكد من أن تاجه مصنوع من الذهب الخالص وليس مشوبا بالفضة.
فكر كثيرا ارخميدس فلم يتوصّل إلى تلك المعرفة. فجأة وذات يوم كان يستحمّ عاريا فلاحظ كيف يدفش أي جسم يقع في المغطس الماء إلى الأعلى وهنا أتته الفكرة. لم ينتظر حتى يرتدي ثيابه كي يحتفل بالنصر لإبداعه تلك الفكرة، فراح يركض عاريا في شوارع مدينته وهو يصيح: يوريكا….يوريكا، أي وجدتها…وجدتها.
من خلال تلك الفكرة فتح بابا عريضا للعقل البشري مازال مفتوحا في كل ميادين العلوم حتى الآن.
لقد توصل إلى مفهوم الوزن والكتلة والكثافة والعلاقة بينهم، وقال مرّة عبارته المشهورة: اعطني رافعة ونقطة أستطيع أن أثبّتها بها وسأزيح لكم الأرض.
لقد احتفل ارخميدس بإبداعه قبل أن يتسنى له أن يلبس ثيابه، وهذا أبسط حقّ من حقوقه!
ومات فداء لحقه في أن يعتزّ بنفسه. كان ذلك عندما اقتحم الرومان مدينته فتقدم منه جندي روماني وقال له: اتبعني! فردّ أرخميدس بعزّة نفس: إيّاك أن تقترب من كياني! وهنا ناوله الجندي طعنة أودت بحياته.
….
سنواتي العشرين في أمريكا، ياسيدتي، غسلت قمعي وقهري وعلمتني كيف أعتز بنفسي وبانجازاتي. شعار الولاية التي أعيش بها هو: يوريكا ..يوريكا، احتراما للعالم ارخميدس ولحق كلّ إنسان في أن يحتفل بنصره عندما يبدع عقله فكرة. أما أنت، وطالما تعيشين في بلاد تصنفك من حيث النجاسة مع الكلب والحمار، لن تتعلّمي كيف يعتز الإنسان بإبداعه، وسيختلط عليك الأمر بين النرجسيّة وتلك النعمة التي يسمونها، القدرة على الإعتزاز بالنفس!
…………………….
معظم الذين تناولوا كتاباتي بالطعن والتجريح، فعلوهم من خلال حقدهم الماركسي على أمريكا ومن يعتزّ بأمريكيته!
تتطالبني السيدة الدكتورة بأن أقرأ الإسلام في سياقه التاريخي، بينما ترفض في الوقت نفسه أن تقرأ أمريكا في سياقها التاريخي.
أمّا أنا فأقرأ أمريكا في سياقها التاريخي وأرفض أن أقرأ الإسلام في سياقه التاريخي. من منا على حق، ولماذا؟
الإسلام دين يدّعي مؤسسه بأنه من عند الله، ألم تقل الآية: “وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحي” ؟!!
فكيف تريدني أن أقرأ “الله” في سياقه التاريخي ويفترض أن لا يكون لله تاريخ!
ألم تقل الآية: لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة …” فكيف تستطيعن أن تبرري مفاخذة محمد لعائشة وهي في السادسة عبر سياقها التاريخي، بينما محمد اسوة لكلّ رجل مسلم في كل زمان ومكان؟!!
الله، يا سيدتي، في مفهومه البشري أزلي أبدي، ومن الخطأ أن يقرأ من خلال سياق تاريخي، وإلا لماذا لا تصرخين بوضوح وبأعلى صوتك: القرآن وجد لزمانه وليس لزماننا هذا، فضعوه على الرف وعاملوه ككتاب تاريخي وليس ككتاب قانوني وتشريعي؟!
قبل أن أردّ عليك عدت إلى بعض مقالاتك علنيّ أسمع صرختك تلك، لكنني، للأسف الشديد، رأيتك في كلّ مرة تلفيّن وتدورين حول الفكرة ثم ترقصين كديك مذبوح من الألم ولكن بحذر كي لا تدوسين في قلبها. لقد توحدّت في نبيك من حيث لا تدرين، ولذلك لا تستطيعين أن توجهي سهمك باتجاه نحره كي لا يصيب أولا نحرك!
أنت تحاولين أن تنقذي غرقى النهر، لكنك لم تمتلكي بعد الشجاعة الكافية كي تسبحي قليلا عكس التيار وباتجاه المنبع علك تضبطين رسولك بالجرم المشهود، وهو مازال بعد أربعة عشر قرنا من الزمن يرمي بضحاياه في لجّ الموت.
ستنزفين طاقتك عاجلا أم آجلا، فعلاج النتيجة دون السبب استنزاف لكل طاقة. لكن ليس من حقك أن تتطالبيني بهدر طاقتي، فهي أعزّ من أضحّي بها كي أقرأ أساطير رجل مجنون في سياقها التاريخ، طالما هناك أمّة تؤمن بأبدية وأزلية تلك الأساطير!
لنفترض جدلا بأن بدويّا يدعى بطيمان بن شنان فاخذ طفلة في عامها السادس وهو فوق الخمسين، وكان ذلك منذ أربعة عشر قرنا خلت. هل تتوقعين بأنني سأضيّع ثانية واحدة من وقتي الثمين كي أقف عند تلك الجريمة؟! طبعا لا!
فالتاريخ مليء بالجرائم، ومع القدم نلقيها في براميل القمامة. أما عندما يصبح ذلك البدوي هو الله وجريمته شريعة الحياة الأزليّة الأبديّة، سأحتفظ عندئذ بطاقاتي كي أصرفها في معركتي معه، ويحق لي أن أعتزّ بقراري هذا لأنني نلت قصب السبق عندما اتخذته!
……………………………………….
هذا من ناحية الإسلام الذي تفرض عليّ السيدة “العلمانية” أن أقرأه في سياقه التاريخي، أمّا عندما يتعلق الأمر بأمريكا فعلينا أن نقرأها كدولة بشريّة في سياقها التاريخي.
جميع الامبرطوريات في التاريخ قامت على الحروب، تلك حقيقة تاريخية لا أحد يستطيع إنكارها. لم تتجاوز الإمبراطورية الأمريكية، كما يحلو للرفاق الماركسيين أن يطلقوا عليها، حدود تلك الحقيقة. عندما نعترف بالحقائق لا يعني أننا نصفق لها، فالحروب كوارث بشرية يرفضها العقل والمنطق والعرف الأخلاقي، ولكن قد تكون ظاهرة كونية، من يدري؟ وإلا لماذا هي مستمرة منذ أن وجد الإنسان وحتى تاريخ اللحظة، كما هي الزلازل والفياضانات والجفاف وغيرها؟!!
يثير المسلمون شفقتي عندما يتباكون على الهنود الحمر الذين أبادتهم أمريكا! وكأنهم أفلاطونيون في تعاملهم مع الإنسان عبر تاريخهم، منذ مجزرة بني قريظة وحتى مجازر الجزائر في التسعينات من القرن المنصرم، ومرورا بمجازر الأرمن والسريان والمسيحيين في بلاد الشام ولم يسلموا هم أنفسهم من مجازرهم ضد بعضهم البعض حتى الآن.
السيدة الأكاديمية رجاء لا تريد، كما قلت، أن تقرأ التاريخ الأمريكي عبر سياقه لغاية في نفس يعقوب!
لكن بودي أن أضفي إلى معلوماتها ما يبدو أنها كأكاديمية تجهله. لقد اكتشف كريستوفر كولومبوس القارتين الأمريكيتين، وليس فقط أمريكا، عام 1492. لكنّ أمريكا كدولة، وكجزء من تلك القارتين، لم تقم حتى تاريخ 1776، ولم تضع دستورها بشكله الحالي حتى عام 1783، أي بعد حوالي ثلاثمائة عام. خلال تلك الحقبة لم يكن هناك مواطن أمريكي، بل كان خليط بشريّ من كل أصقاع الارض وأغلبه أوروبيّ. فلماذا لا نحمّل اوروبا مسؤولية إبادة الهنود الحمر، وليس أمريكا بشكلها الحالي؟ 80% من الهنود الحمر، كما تشير الدراسات، ماتوا بسبب الأمراض الوبائيّة التي نقلها لهم الأوربيون، والتي لم يكن عندهم مناعة ضدها كالحصبة والطاعون والحمى الصفراء.
لو كان اليهود والنصارى في شبه الجزيرة العربية يتمتعون اليوم بنفس الحقوق التي يتمتع بها الهنود الحمر في أمريكا، لكان عار عليّ أن لا أقرأ الإسلام في سياقه التاريخي!!
صحيح أن حرب الإستقلال التي نشبت لاحقا بين أمريكا وبريطانيا قد قتلت الكثير من الهنود الحمر الذي وقف معظمهم مع بريطانيا. لكن، وتكفيرا عن تلك الحروب والإبادات، يستمتع اليوم الهنود الحمر في أمريكا بإمتيازات خاصة. لهم حكم ذاتي، وهناك أكثر من خمسمائة حكومة قبليّة تحكم قرابة ثلاثة ملايين هندي أحمر. تعترف الحكومة الأمريكية الفيدرالية بشرعية تلك الحكومات وتعطيها الحرية الممنوحة لحكومات الولايات الأخرى. هم يسنّون القوانين التي تنظم حياتهم كقوانين الضريبة ومنح الرخص والزواج والأعياد ..الخ. يسيطرون على أراضيهم ويمتلكون الحق أن يطردوا أي إنسان من تلك الأراضي، ولهم متاحفهم الخاصة بتاريخهم وعاداتهم وتقاليدهيم. هناك اهتمام كبير من قبل الحكومة الفيدرالية للحفاظ على هويتهم، وتقوم الآن كثير من الدراسات التي تعتمد على علوم الـ DNA لتقفي أثرهم العرقي، وبناء على تلك الدراسات يعتبر القانون الأمريكي أي انسان يقترب في جذوره من إصولهم، مهما تضاءلت درجة القرابة، هنديا أحمر وله الحق أن يستمتع بالإمتيازات الممنوحة لهم.
صدقيني، ياسيدتي العلمانية، لو كنت تستمتعين في وطنك الأم بما يستمتع به الهنود الحمر اليوم في أمريكا من حقوق لكان فكرك أنقى ولكانت قدرتك على قراءة التاريخ أفضل من ذلك بكثير.
لا أقول ذلك دفاعا عن أمريكا، لكنه الواقع الذي لا أحد يستطيع أن يتجاهله. ولكي تتأكدي من صحّة ذلك الواقع ما عليك إلا المرور أمام السفارة الأمريكيّة في أية عاصمة إسلامية كي تري بأمّ عينيك قوافل المقهورين أطفالا ونساء وشبابا ومعمّرين تفترش الأرض، كما افترشتها يوما وفاء سلطان، يحلمون بالهرب من جحيم إسلامك إلى النعيم الأمريكي، فهل يشفع لهم نبيّهم ويستجيب لصلواتهم بالهجرة إلى بلاد القردة والخنازير؟!!
نعم، ياعزيزتي، حروب الإبادة جرائم بحق الإنسانية ويجب أن تتضافر جهود البشريّة كي تتلافى تكرارها. لكن لا يستطيع أحد أن يتلافيها قبل أن يعترف بما اقترفت يديه منها، ثم يكّفر عن تلك الجرائم.
فمتى يعترف الإسلام بجرائمه ويكفر عنها، حتى يعود النصارى واليهود إلى شبه الجزيرة العربية ويستمتعون بالإمتيازات الخاصة التي يستمتع بها الهنود الحمر في أمريكا اليوم؟!!
ومتى يستردّ الأقباط والكورد والسريان والآشوريون والأمازيغيون وغيرهم كثيرون حقهم في الحفاظ على حضاراتهم ولغاتهم وإعادة إيحاء تاريخهم الذي طمسته جحافل إسلامك؟!!
***************************
تعتب بروفسورتنا “العلمانية” على وفاء سلطان عتابا ممزوجا بالغضب والإستهزاء عندما تقول:
“وهي ـ أي وفاء سلطان ـ تلغي التاريخ بعزل النصوص القديمة عن سياقها ومحاكمتها بمعيار العصر الحديث، وكأنّ النبي الذي ظهر في القرن السابع يجب أن يكون مؤمنا بحقوق الإنسان وحقوق المرأة….”
يا للكارثة!
امرأة مدرّسة في جامعة ومسؤولة عن تنشأة أجيالنا الجديدة تؤمن بأن حقوق الإنسان والمرأة من إكتشافات القرن الواحد والعشرين، وليست قانونا يحكم الطبيعة منذ أن وجد الإنسان!!
هل تحاولين إقناعي بأن محمدا عندما كبّر وصاح، بعد أن دحرج رجاله رأس كعب بن أشرف بين يديه: قد أفلحت الوجوه ….قد أفلحت الوجوه، لم يكن يومها يدرك في غلالة نفسه أنه انتهك حقا من أبسط حقوق الإنسان، ألا وهو حق الحياة؟!!
حقوق الإنسان عامة والمرأة خاصة هي شيفرا عالمية، ياسيدتي العلمانيّة، موجودة في كلّ زمان ومكان وليست من بنات أفكار القرن الواحد والعشرين.
قال عنترة العبسيّ افتخارا بنفسه: وأعفّ عند المغنم…. كان يدرك في قرارة نفسه بأن الغنائم عمل يتعارض مع حق الإنسان، ولذلك عفّ عنها. ولد نبيّك في نفس البقعة ولكن بعده بمئات السنين فقال: “واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول”!
فلماذا لم يلتزم بالعفة أيضا، هل لأنه كان يجهل قيمتها كما تدّعيين؟!!
الفيلسوف الصيني TaoTze ولد وعاش قبل الميلاد بحوالي خمسمائة عام، وعلى يديه تتلمذ لاحقا كونفوشيوس مؤسس الديانة الكونفوشيوسية التي تبنت حقوق الإنسان كشريعة لها. تعالي نقرأ معا ما قاله يوما:
أفضل الجنود ذاك الذي لا يهاجم….
أقوى البواسل ذاك الذي لا يقاتل…
وأعظم المنتصرين ذاك الذي ينتصر بلا معركة….
وأقوى الحكام ذاك الذي لا يتسلّط…
وعندما يحدث ذلك نسميه سيادة الإنسان….!
هل كان نبيّك سيّدا وفقا لتلك الفلسفة؟ ولماذا لم يستطع أن ينتصر إلاّ بالسيف وقطع الرقاب؟!!
تنتهك أعراض آلاف النساء كل يوم في بلادنا باسم شريعة الإسلام. ونصيحتي، ياسيدتي، أن لا تستنزفي طاقتك في إنقاذ تلك الضحايا، بل عليك أن تسبحي ولو قليلا عكس التيار، لترين بأم عينيك المجرم الحقيقي فتحيليه إلى العدالة لأنه مسؤول عن كلّ ضحايانا.
***************************************
يقول مثل روسي: عندما تطارد أرنبين كلاهما سيهربان!
العلمانية والإسلام هدفان لا يلتقيان، ولذلك اشفق عليك عندما تحاولين أن تحتكري العلمانية وتدافعي عن الإسلام في آن واحد.
يقول المفكر السوري السيّد نبيل فيّاض: نكح الإسلاميّ رفيقه الماركسي فأنجبا، كثمرة لذلك النكاح، شعارا يقول: يا عمال العالم صلوا على النبي!
فإذا كان هذا هو شعار العلمانية التي تودّين أن تطردي وفاء سلطان من تحت لوائها، لا يسعني إلا أن أتنازل لك عنها، إذ لا يشرّفني أن أرفع ذلك الشعار!!
**************************************
ملاحظة للقراء الأعزاء: لديّ الكثير من النقاط الأخرى حول الموضوع والتي لم يسمح لي وقتي أن أتناولها، لكنني سأعود إليها لاحقا. وفاء سلطان (مفكر حر)؟