الفن يجمع الناس على دين واحد وهو( دين الفن),ألا تلاحظ أن المسلم والمسيحي واليهودي والملحد والمسلم الشيعي..إلخ, لا يختلفون ولا يترددون كل صباح على سماع صوت فيروز ومساء على صوت أم كلثوم؟إن الفنون لغة مشتركة بين الناس, ويجتمع على صوت المطرب أو الممثل أناسٌ من مختلف الأديان والمذاهب والمعتقدات, ولكن شيخ الجامع لا يتفق على سماعه إلا من كان من دينه وطائفته, لا يوجد دين يجمع كل الناس على رأي واحد, في كافة الأديان والمعتقدات هنالك شروخات وتصدعات.. والدين يُفرّقُ الناس على (فن التفرقة), والفن يبدع في لم شمل الناس والدين يبدع في تفرقة الناس, الفن يؤلف بين الناس والدين يفرق بين قلوبهم, وجمهور المطرب أكثر من جمهور الشاعر أو كاتب القصة والرواية-كما ورد ذلك في محاورة المأدبة لأفلاطون-المطرب يجتمع على صوته الآلاف والملايين من الناس من مختلف الثقافات والشاعر جمهوره على عدد أصابع اليدين, والفيلسوف جمهوره على عدد أصابع اليد الواحدة, والفن الغنائي له تأثير على الناس أكثر من المشاريع الفكرية التي يكتبها كبار المفكرين, كبار المفكرين يكتبون رؤية جديدة للفكر العربي ولكن قلة من الناس من تقرأ مشاريعهم وأطروحاتهم,والفلاسفة والمثقفون مكرهون من قبل أغلبية الناس أما بالنسبة للمغني فإن صوته يصل بسرعة البرق إلى كافة الناس, وهنا يا حبذا لو تحولنا من كتّاب إلى مطربين ومطربات وراقصين ورقاصات.
لو دخلتُ لحضور حفلة غنائية لأحد المطربين لجلستُ إلى جوار أناس مسيحيين يتمايلون مثلي رقصا وطربا, ولا أحد يسأل الآخر ما هو دينك؟أو مذهبك؟ أو ملّتك!!, في السينما نجد المسلم السني والشيعي والمسيحي واليهودي والبوذي, أفلام هوليوود توزع في كل أرجاء العالم, يشاهدها المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي والسيخي والملحد والهندوسي, ولا أحد يسأل عن دين النجم أو نجوم الفيلم , الكل يشارك بالاعجابات والتفاعلات , ربات الفنون السبعة تجمع بين الناس, الفنون باختلافاتها وتنوعاتها, كل المهرجانات الغنائية يجتمع فيها الناس من شتى المذاهب والأديان والمعتقدات والفلسفات , دين الفن أقدر من الأديان السماوية على لم شمل الناس وعلى خلق فرص صحية وبيئة نظيفة ومعتدلة للتعايش بين كافة الطوائف والأديولوجيات.
كافة المسارح الكوميدية السوداء وغير السوداء يشاهدها ويجتمع عليها الناس من مختلف المذاهب والمعتقدات, والموسيقى لغة العالم كله الكل يستمع ويطرب لها, المسلم والمسيحي واليهودي, وما زال راديو إسرائيل يبث أغاني أم كلثوم وعبد الحليم للعرب ولليهود المقيمين في إسرائيل, وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على صناعة الألفة بين الناس, الفن يؤلف بين الناس, والدين يباعد بين الناس ويؤدي إلى سفك حمامات دم باردة.
لو دخلنا إلى أي مسجد فإنه من عاشر المستحيلات أن نجد المسيحيين يصلون إلى جانب المسلمين, حتى في بيوتهم لا يشاهدون المحطات الفضائية الإسلامية الدينية , وكذلك بيوت المسلمين لا يشاهدون الفضائيات المسيحية الدينية.
المهم في الموضوع لو أردنا لم شمل العرب والناس أجمعين فلن يحدث هذا إلا إذا أقمنا فنا يحاكي الناس على اختلاف مستوياتهم الدينية والثقافية,. التنوع داخل المجتمع الواحد شيء جميل جدا ولكن الأجمل من ذلك لو جمعنا بين المسلم والمسيحي على مشاهدة الفنون المسموعة والمقروءة والمرئية , غريب جدا أن نجد في الكنيسة مسلمين إلى جوار المسيحيين يرفعون صلاة واحدة أو يحتفلون بالعيد سوية, بالرغم من أن جميع المتدينين ينادونا إلى محبة الله وهم في نفس الوقت يحثون الناس على قتل المخالفين لهم بالدين أو المذهب.
لنضع الدين جانبا ولنجعل الفن ديننا جميعا, نعبد إله الفن, النحت الرسم الغناء التمثيل التصوير, وأخيرا وليس آخرا هل يصلح الفنانون والرسامون والرومانسيون لقيادة سفينتنا؟ هل يصلح الأخيار ليقودوا عالمنا نحو بر الأمان؟ هل من الممكن لفنان كوميدي أن يكون رئيسا لمملكة أو جمهورية؟ هل الفنانون سيبدعون حياتنا, هل سيضيفون لمسة من الحنان على حياتنا ووجودنا؟
ماذا لو ترأست حكومة عربية فنانة أو راقصة أو كاتبة قصة قصيرة؟, لا أعتقد على الأقل بأن يعبد الفنانون آلهة شرانية,إنهم يعبدون الجمال والفن.